الفنّ في زمن الحرب
كثيرا ما تقترن باريس في الأذهان بكونها مدينة الهدوء والدّعَة والترف، حيث الموسيقيون الذين يعزفون ألحانهم في الطرقات، وأصوات نغمات الكمان والأكورديون التي تصدح في الليل، وأزهار الربيع التي تنشر شذاها في أجواء أمسيات المدينة الحالمة. لكن هذا لم يكن حال باريس في عام 1870. فقد قرّر الفرنسيّون آنذاك، بزعامة نابليون الثالث، شنّ حرب على بروسيا. ونتيجةً لذلك، انفتحت بوّابات الجحيم على مصاريعها في باريس خلال خريف وشتاء ذلك العام. وكما يحدث عادة عندما يشتبك بَلَدان في حرب، فقد فرّ السكان -أو على الأقلّ أولئك الذين لم يتحمّلوا الحرب- محاولين البحث عن ملاذ آمن خارج مناطق القتال. ولم تكن توقّعات الإمبراطورية الفرنسية المترهّلة بإحراز نصر سريع وحاسم متطابقة مع إمكانيات آلة الحرب البروسية الضاربة وإصرار البروسيين على إحباط الهجوم الفرنسيّ. وبعد هزيمة الفرنسيين في سبتمبر من ذلك العام، تدهورت الحياة على نحو خطير في باريس. وواجه الفنّانون تحدّي الحرب بوسائل مختلفة. بعضهم هرب إلى لندن أو بروكسل، كما فعل كلّ من كلود مونيه وأوجين بُودان وشارل دوبينييه. أما كميل بيسارو، فرغم أنه كان يعيش بأمان ...