المشاركات

عرض المشاركات من يناير 10, 2010

حِوار الثلج والنار

صورة
على ضوء شمعة واهنة، كان يجلس طفل صغير يحتضن كوب حليبه الساخن قبل النوم ويحاول في الوقت نفسه اتقاء وهج النار المنبعثة من المدفأة إلى جواره. كلّ ما كان يسمعه كان عويل رياح الشتاء المتجمّدة وهي تبحث لها عن شقوق لتختبئ فيها. ومع انه كان يستطيع مشاهدة تساقط حبّات الثلج عبر النافذة، فإن عينيه كانتا تفضّلان متابعة ألسنة اللهب وهي ترتفع إلى فوق لأنها تذكّره بصور وأخيلة من الحكايات التي كانت تقصّها عليه أمّه. كلّنا نختزن في ذاكرتنا مثل هذه الصور عن ليالي الشتاء. لكنّها أصبحت نادرة هذه الأيام مع وجود التكنولوجيا الحديثة وتطوّر وسائل التدفئة وتوافر الأبواب والشبابيك التي تُغلق بإحكام لتوفّر أجواءً دافئة ومريحة داخل البيوت. قبل أكثر من مائة عام كانت هذه الصور شائعة جدّا، خاصّة بالنسبة لطفل فنلندي مثل جان سيبيليوس. ومع ذلك فقد وجد فيها فائدة غريبة. الفصول في فنلندا واضحة المعالم جدّا. فالربيع، مثلا، يبدأ فجأة في اللحظة التي تتصدّع فيها الأرض ليسيل الجليد ولتأخذ الأرض بعدها شكلها الأوّل. مثل هذه الأطوار المتغيّرة التي يمرّ بها الطقس تُعتبر مسألة مألوفة ما لم تمعن النظر جيّدا في التأثير الشعور...

افاتار بين الحقيقة والخيال

صورة
هناك الكثير مما قيل ويقال هذه الأيام عن فيلم افاتار ممّا يستحقّ المتابعة والاهتمام. وقد لفت انتباهي ردود الفعل الكثيرة والمتباينة حول الفيلم. الفاتيكان، مثلا، قال إن الفيلم عادي و"غير ضارّ". الصينيون مهتمّون بمعرفة طبيعة النباتات والأعشاب التي ظهرت في الفيلم. الأمريكيون يرون إن الفيلم يسيء إلى الجيش الأمريكي ويشوّه صورته. وهناك أيضا من رأى في الفيلم إشارات عنصرية بتركيزه على تفوّق الإنسان الأبيض الذي يلعب دور المنقذ والمخلّص. لكن ما حكاية هذا الفيلم؟ وما سرّ شعبيّته الكبيرة التي تزداد كلّ يوم؟ ولماذا يستأثر بكلّ هذا الاهتمام الذي نراه ونلمسه هذه الأيّام؟! للأسف لم أشاهد الفيلم بعد، لأنه ببساطة لا توجد عندنا سينما حتى إشعار آخر. قد أتمكّن من مشاهدته مستقبلا، فأكتب عنه، له أو عليه. لكنْ من واقع ما قرأته عنه عرفت، مثلا، انه فيلم فانتازي يستند إلى قصّة متخيّلة عن كوكب بعيد وناء يتعرّض لغزو سكّان الأرض الباحثين عن مصدر للطاقة بعد نفاد البترول من باطن الأرض. وفي التفاصيل أن الفيلم كسر أرقاما قياسية عديدة. فهو أعلى الأفلام تكلفة وأسرع فيلم يصل إلى حاجز البليون دولار في شبّاك التذاكر...

أشعار دنيوية

صورة
عندما تسمع هذه الموسيقى قد تظنّها نشيدا وطنيا أو "مارشاً" عسكريا يخلّد انتصارا في حرب ما أو معركة. مقدّمتها القويّة، بإيقاعها الصاخب والمجلجل، تشدّ انتباه السامع وتثير استجابته منذ اللحظة الأولى. لكن النصّ الشعري الذي تستند إليه "كارمينا بورانا" يقول شيئا آخر. فهذا العمل السيمفوني الكورالي المشهور ألّفه كارل اورف اعتمادا على نصّ شعري كلاسيكي يعود إلى القرن الثالث عشر الميلادي عُثر عليه في احد الأديرة القديمة في ألمانيا. والغريب أن الشعر يتناول مسائل دنيوية، إذ يتحدّث عن القدَر والحظّ وعن متع الحياة والمسرّات الأرضية من حبّ وشراب ورقص وخلافه. غير أن القصائد تتضمّن أيضا تساؤلات وجودية تشكّك في جدوى الحياة وتصوّر الإنسان كريشة تعصف بها رياح القدَر. طبيعة هذه القصائد تشير إلى أن رهبان القرون الوسطى كانوا هم أيضا يتساءلون عن معنى الحياة كما نتساءل نحن اليوم وتؤرّقهم نفس الأسئلة والمشاغل التي يطرحها إنسان العصر الحديث. ويصحّ أن يقال إن كارمينا بورانا مزيج من كلّ شيء. فمن حيث بُنيتها الموسيقية، تحتوي على إنشاد ديني ورقص ودراما ومسرح. كما أن فيها موسيقى مستوحاة من ال...

ديلاكروا ومصرع كليوباترا

صورة
تعتبر كليوباترا إحدى الشخصيّات التاريخية المهمّة التي تناولها الأدب والفنّ. كانت مشهورة بقسوتها ضدّ خصومها وبدهائها وبجاذبيّتها وسحرها. مصرع كليوباترا بالسم كان دائما موضوعا مفضّلا للكثير من الرسّامين مثل الكسندر كابانيل و آرثر رينالد و جان اندريه ريكسن . المقال المترجم التالي يتناول رؤية الرسّام الفرنسي اوجين ديلاكروا لشخصية كليوباترا وواقعة موتها الغامض. لوحة ديلاكروا "كليوباترا والفلاح" ليست فقط لوحة جميلة ومشرقة لملكة مصر القديمة، لكنّها أيضا رسالة قويّة عن جدلية العلاقة بين الحبّ والسلطة. أوّل ما يجذب الانتباه في اللوحة هو كليوباترا نفسها. هذه الصورة لها مختلفة كثيرا عن صورتها النمطية كامرأة سمراء، كما يقدّمها الفنّ الحديث. في لوحة ديلاكروا تبدو كليوباترا في هيئة شاحبة. غير أنها ترتدي ملابس ملوكية جدّا مع الكثير من الحليّ والمجوهرات على معصميها وعنقها ورأسها، بالإضافة إلى فستان من الحرير بلون وردي. كليوباترا في اللوحة تثير الانتباه بسبب التعابير التي على وجهها في المقام الأوّل. إنها تحدّق في الأفعى كما لو أنها في حالة نشوة. الفلاح، إلى اليسار، يبدو أكثر قتامة من كليوبا...