:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


‏إظهار الرسائل ذات التسميات حافظ الشيرازي. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات حافظ الشيرازي. إظهار كافة الرسائل

السبت، مارس 14، 2015

خواطر في الأدب والفن

يوم في الجنّة


يقال أن كليوباترا كانت تعيش في غيمة من البخور وترى في مناماتها أحلاما أرجوانية. كانت ملكة مصر القديمة تتحمّم بالبخور والمرّ واللوتس وخشب الصندل وماء الورد قبل أن تسافر على ضفّة النيل على متن قارب، كما يقول شكسبير، لدرجة أن الرياح كانت تحبّ عطرها.
وفي اليابان، تُعرف رياح شهر مايو تقليديا بأنها أجمل رياح العام، لأن مايو هو الوقت الذي تهبّ فيه الرياح العطرية.
وأنا أغلق عينيّ بعد ظهيرة احد الأيّام، نقلني صوت الرياح على الفور إلى خارج النافذة. كنت دائما أتساءل عن السبب في أن غالبية الناس يفضّلون برزخ "دانتي" على جنّته التي يسمّيها باراديزو .
ترى هل أنا الوحيد الذي لا يستطيع تصوّر الجحيم تماما، بينما أجد نفسي في كثير من الأحيان ضائعا في أحلام الجنّة؟
الجنّة كانت وما تزال احد أقدس الدوافع والأفكار في تاريخ الإنسان. ودائما وفي كلّ وقت تقريبا، كان هناك من يتوق لنوع من الكمال على الأرض.
كولومبوس، ذلك البحّار الموسوس والفضولي، ظنّ أن أمريكا الجنوبية هي جنّات عدن بسبب طيور الببّغاء التي رآها تتكلّم هناك. كان كولومبوس يعتقد أن جميع الحيوانات والطيور كانت تتكلّم قبل السقوط أو الطرد من الجنّة.
هذا الأمل في وجود جنّة من نوع ما يدفع بالبشرية إلى الأمام ويحفّز على التغيير ويعد بالخلاص. لكنّه أيضا مرتبط بالمعتقدات النهائية مثل ارماغيدون والخطيئة الأصلية والشهادة وكلّ الأفكار التي تؤثّر على الحياة الحديثة، حتى عندما تكون مختفية تحت قشرة من العلمانية.
بالنسبة لي، الجنّة تشبه حديقة فارسية. أتصوّرها عامرة بعبير الورد والياسمين والغاردينيا. وفيها موسيقى ونسائم ربيعية معطّرة ونزهات لا تنتهي.
أتخيّل فيها أدونيس وهو يطلق طائراته الورقية، بينما يهيم الفلاسفة على وجوههم بالجوار وأرسطو يتناقش مع السنيور بورخيس. وبينما هما يتحدّثان، يبحثان عن اسم الله على بتلات الأزهار.
استطيع أيضا أن أتخيّل "سام هاميل" وهو يتلو قصائد من كتابه "الجنّة"، بينما يرسم "توليو" خرائط لعوالم خيالية بالحبر الأسود. ابن رشد وابن سينا هما أيضا هناك.
الفلاسفة في الجنّة يتحدّثون جميع اللغات التي يمكن للمرء أن يسمعها في عالم الدنيا. آنا كارينينا وحبيبها الكونت اليكسي فرونسكي يحتضنان بعضهما وهما يجلسان تحت شجرة لوز كبيرة.
النزهات التي لا تنتهي تتضمّن الشاي الصيني الأسود والشمبانيا المجلوبة من جبال فورموزا والشاي الأخضر الذي يُقدّم في أوان خاصّة مع حلويات لذيذة من متاجر مقاطعة الغيوم البعيدة.
وعلى البعد يلوح بناء ضخم تلامس قمّته السماء الزرقاء المتلألئة. هذه هي مكتبة الجنّة التي تحتوي على كلّ الكتب التي الّفت في جميع العصور. بورخيس يكتب ويؤلّف كتبه هنا في هذا المكان المهيب.
وتحت أشجار اللوز، يمكنك أن ترتاح قليلا وتستمتع بسماع صوت الرياح في الأشجار أو تقرأ شذرات من شعر حافظ أو عمر الخيّام.
الجميع في الجنّة لهم أجنحة مصنوعة من قوس قزح. وهناك أنفاق طويلة مغطّاة بالأزهار البيضاء والزرقاء والأرجوانية تشبه الممرّات المغطّاة في قصر الصيف خارج بيجين. ممرّات طويلة مظلّلة ومفروشة أرضها بالأزهار كانت الإمبراطورة الأرملة في حكم سلالة تشينغ تمشي فيها وهي تقرأ في كلّ مرّة كتابا.
أتذكّر تلك الرسومات التي تصوّر طيور الجنّة على جدران بعض الكهوف البوذية. من المعروف أن الطيور في الجنّة البوذية تبدأ في الغناء حتى قبل أن تفقس من بيضها. كما أن أغنياتها جميلة جدّا وتشبه شدو الملائكة.
الحدائق المشذّبة والملائكة، وكذلك الجبال التي تلوح في الأفق، والأنهار التي تتدفّق بالماء العذب، هي أفكار مشتركة عن الجنّة في معظم الثقافات القديمة.
في جنّة "دانتي" ليس هناك مفهوم للتنوير. الروح عند هذا الشاعر الايطالي ليست موردا ينبغي تحسينه أو الانتفاع به، والبشر لا يرومون انفصالا أو كمالا من أيّ نوع. كلّ ما هو مطلوب منهم هو الحبّ والأمل. هذا كلّ شيء. والإيمان والإخلاص ليسا سوى اسمين آخرين لهما.
مثل القبلة، ومثل الحبّ، ومثل كلّ شيء جدير بالاهتمام، فإن الجنّة هي أساسا عن الجمال والمرح. إنها الأرواح التي يقودها بحثها الميتافيزيقيّ عن إله إلى خلق واقع يحدّد نفسه بنفسه.
الجنّة تشبه صورة مثالية، تماما مثلما تصفها الليدي موراساكي بطلة إحدى الروايات اليابانية: مزهرية ملأى بالعطور.

❉ ❉ ❉

ليل تضيئه الشموع


الرسّام الهولندي بيتروس فان سكيندل كان متخصّصا في رسم المناظر الليلية التي تضيئها الشموع. ولم يكن احد من معاصريه ينافسه في هذا النوع من الرسم.
رسم مناظر الليل المضاءة بالشموع كان منتشرا في هولندا القرن السابع عشر. وأوّل من بدأه كان الرسّام الهولندي جيرارد دو.
في فرنسا كانوا يلقّبون فان سكيندل بـ "مسيو شانديل" أو "السيّد الشمعة" لكثرة ما تظهر الشموع في مناظره. كان بارعا خاصّة في تصوير مناظر الأسواق ليلا.
في بعض لوحاته يمكن أن ترى عدّة مصادر ضوء في وقت واحد، مثل ضوء القمر ووهج شمعة أو مصباح، وأحيانا مصادر ضوء أخرى لا تُرى.
كلّ التفاصيل في اللوحة إلى فوق تؤشّر إلى براعة فان سكيندل ومقدرته في التعامل، ليس مع الضوء فحسب، وإنما مع التوليف العام للوحة ومع التفاصيل ككلّ.


❉ ❉ ❉

اكتشاف النار


يبدو أن لا اكتشاف يمكن أن ينافس في الأهمّية اكتشاف الإنسان الأوّل للنار. أسلافنا استطاعوا أن ينتشروا في الأرض ويستكشفوا الطبيعة في جماعات صغيرة بفضل النار. والنار هي التي منحت الإنسان القوّة وسمحت له بتعديل الطبيعة التي عاش وتطوّر ضمنها.
وما عليك إلا أن تراقب وجه طفل رضيع يحدّق في النار لكي تدرك عمق افتتاننا بها وأنها متجذّرة في عقل الإنسان منذ الأزل.
أحيانا نتخيّل، نحن البشر، أننا بفضل ما وُهبنا من ذكاء وبراعة نعلو فوق غيرنا من المخلوقات والحيوانات. لكن هذا غير صحيح، إذ يجب أن نتذكّر أننا في نهاية الأمر من الثدييات، أي المخلوقات التي تمشي بجذع منتصب، ويقال أننا ننحدر من نوع قديم من القرود منشؤها أفريقيا.
ويُعتقد أيضا بأننا نحن البشر نصنع الأدوات منذ أكثر من مليونين ونصف المليون عام. لكن هذا لا يعطينا أفضلية على غيرنا من المخلوقات، فغيرنا من الحيوانات تستطيع صنع الأدوات أيضا، مثل ثعلب الماء مثلا الذي يستخدم الحجارة لكسر المحار.
ما يميّز الإنسان حقّا عن غيره من الخلق هو إتقان النار. وقبل افتراض أننا الوحيدون الذين يستخدمون النار في الطبيعة، يجب أن نفكّر في الأمر قليلا. فالصقور في استراليا تلتقط العيدان المحترقة في غابة ثم تسقطها لكي تنتشر النار أكثر فتضطرّ الحيوانات العالقة بين الأشجار إلى الخروج ومن ثمّ يسهل اصطيادها.
وبحسب علم الآثار، فإن أوّل إشارة لتحكّم الإنسان في النار تعود إلى العصور القديمة. ويبدو أن الإنسان حصل لأوّل مرّة على النار من مصادر الطبيعة كحرائق الغابات التي كانت تظلّ مشتعلة لأيّام أو أسابيع.
وحتى هذه الأيّام، ما يزال هناك بعض القبائل البدائية التي تحمل النار معها أينما ذهبت، وبذا لا تحتاج أبدا لإشعال نار لأنهم لا يتركون نارهم تنطفئ مطلقا. ويمكن القول أن هذه هي أقدم نار في العالم. وبعض القبائل كان من عادتها أن ترسل عدّائين ليذهبوا إلى قبائل أخرى لإحضار نار من عندهم إذا انطفأت نارهم.
اكتشاف الإنسان الأوّل للنار كان سلاحا قويّا لردع اعنف وأقسى الحيوانات الضارية. وباكتشاف النار تبدّد الخوف من أخطار الليل. وأصبحت النار مركز الحياة عندما بدأ أسلافنا يلتفّون حولها في الليل بسعادة.
وبفضل النار استطاع الأسلاف أيضا تعلُّم كيف يطبخون طعامهم بتحسين نكهته وتحييد السموم النباتية وتدمير البكتيريا الضارّة. ونتيجة لذلك تنوّعت أطعمتنا وتعدّدت. ويقال إن طعامنا الذي طوّرته النار أسهم في نموّ أدمغتنا بحيث أصبحت اكبر.
وإلى ما قبل تمكّن الإنسان من تسخير النار واستغلالها، كان طول النهار يحدّده ضوء الشمس. لكن مع ضوء النار أصبح اليوم أطول وأتاح ذلك المزيد من الوقت للاتصال وتبادل الأفكار بين البشر.
في لغة الإشارة عند الهنود الحمر، فإن المجيء إلى النار يتضمّن مفهوم اللقاء للحديث ومشاركة الأفكار. حتى الأضواء التي نراها هذه الأيّام في مقدّمة خشبة بعض المسارح تحاكي ذلك الضوء المنبعث من النار الذي كان ينعكس على وجه الحكواتي القديم من أسلافنا.
طبعا فكرة كيف تسنّى للإنسان القديم أن يقدح نارا لا بدّ وأنها شغلت وما تزال عقول الكثيرين. وربّما كنت أنت أيضا من بين أولئك الذين تساورهم الرغبة في السفر عبر الزمن إلى الماضي كي تشهد أوّل تجربة أجراها الأسلاف لإنجاز هذه المهمّة البارعة والعظيمة.

❉ ❉ ❉

رُودان والجحيم


أثناء حياته، كان اوغست رُودان يقارن بميكيل انجيلو وكان معترفا به كأعظم فنّان في عصره. أشهر أعماله هو تمثال "المفكّر" الذي كثيرا ما استُخدم خارج أوساط الفنّ التشكيلي كرمز للانفعالات وللشخصية الإنسانية.
قبل أن يبدأ رودان في نحت "المفكّر"، كان في ذهنه أن يرمز التمثال إلى الشاعر الايطالي دانتي. غير أن العمل تطوّر إلى ما هو ابعد من مرجعيّته المباشرة وأصبح يمثّل المثقّف ذا العضلات، أي الذي يمارس نفوذا وتأثيرا في مجتمعه.
وهناك نسخ كثيرة من تمثال "المفكّر"، حوالي اثنتي عشرة نسخة تحديدا، أكبرها تلك الموجودة في ستانفورد والتي تزن أكثر من طنّ. ومتحف رودان في باريس هو عادة من يمنح الحقّ لمن شاء لنحت نسخ مماثلة من هذا التمثال.
وأنت تدخل إلى هذا المتحف، سترحّب بك منحوتة أخرى عظيمة لرودان ولا تقلّ شهرة، وهي المسمّاة بوّابات الجحيم . هذه المنحوتة الرائعة قد لا تشبه أيّة منحوتة أخرى رأيتها من قبل. وقد استلهمها النحّات من جحيم دانتي.
رودان كان يعتقد أن الجحيم ليس فقط مكانا للأموات، وإنّما للأحياء أيضا. الكرب والمعاناة وإرادة البقاء والجمال والرعب، كلّ هذه الأشياء تراها في هذا العمل الفنّي المتميّز.

Credits
livescience.com
tangdynastytimes.com

الأربعاء، مارس 05، 2014

محطّات

قاموس الشيطان

كان امبروز بيرس واحدا من أشهر الكتّاب الساخرين في أمريكا في القرن التاسع عشر. كان يكتب المقالة والقصّة القصيرة والقصيدة، كما كان كاتب عمود يوميّ في العديد من الصحف في زمانه.
لكن ما أن يُذكر اسم بيرس حتى يأتي إلى الذهن كتابه المشهور قاموس الشيطان الذي ينافس أشهر الأعمال الكلاسيكية الساخرة. وهذا الكتاب عبارة عن إعادة تعريف للكثير من مفردات القاموس الانجليزي بطريقة ساخرة تتناول أحوال المجتمع والسياسة والدين. وكان المؤلّف قد كتب هذه التعريفات تباعا في إحدى الصحف الأسبوعية ثم جُمعت في كتاب عام 1911 ونُشر تحت اسم قاموس الشيطان.
هنا بعض تعريفات بيرس الساخرة والطريفة..
  • العفو حالة من الأريحية تُظهِرها الدولة تجاه بعض مرتكبي الجرائم الذين تعرف أن معاقبتهم قد تكلّفها غالياً.
  • السلام فترة من الخداع بين جولتين من القتال.
  • الصادق صفة تُطلق على الشخص الأبكم والأمّي!
  • البلادونا كلمة تعني بالإيطالية السيّدة الجميلة، وبالإنجليزية نوع من السمّ القاتل. وهذا مثال صارخ على الهويّة الأساسية لكلّ من اللغتين.
  • فكّر مرّتين قبل أن تتحدّث إلى صديق في حاجة.
  • الإنسان حيوان مهنته الأساسية إبادة الحيوانات من الفصائل الأخرى ومن فصيلته هو.
  • النسيان نعمة يهبها الله للدائنين تعويضا لهم عن افتقارهم للضمير.
  • الإعجاب هو اعترافنا المؤدّب بأن الآخرين يشبهوننا.
  • التاريخ هو سرد مزيّف لأحداث تافهة في الغالب افتعلها حكّام أوغاد وجنود أغبياء.
  • الجمال هو القوّة التي تستطيع من خلالها امرأة أن تسحر عاشقها وترهب زوجها.
  • الحرب هي طريقة الله في تعليم الأمريكيين الجغرافيا!
  • الحبّ جنون مؤقّت لا يشفيه سوى الزواج.
  • المجنون شخص يتمتّع بدرجة عالية من الاستقلال الفكري.
  • المحيط جسم مائيّ يحتلّ ثلثي مساحة عالم صُنع أساسا من اجل بشر لا يملكون خياشيم!
  • التأدّب هو أكثر أشكال النفاق قبولا.
  • الوثنيّ مخلوق جاهل يدفعه غباؤه لعبادة شيء يشعر به ويراه رأي العين!
  • الصبر شكل بسيط من أشكال اليأس يتخفّى في رداء الفضيلة.
  • المسيحيّ شخص يعتقد أن العهد الجديد هو كتاب وحي إلهي يلبّي الاحتياجات الروحية لجاره.
  • السياسة هي فنّ تسيير الشئون العامّة من اجل مكاسب خاصّة.
  • الكافر في نيويورك هو الذي لا يؤمن بالدين المسيحيّ، وفي القسطنطينية هو الشخص الذي يؤمن به.
  • العدميّ شخص روسيّ ينفي وجود أيّ شيء باستثناء تولستوي.
  • المنطق هو فنّ التفكير بما يتّفق مع انعدام قدرة الإنسان على الفهم.
  • الأنانيّ شخص لا يراعي أنانية الآخرين.
  • الشخص الثقيل الظلّ هو ذلك الذي يتكلّم عندما تتمنّى عليه أن يسمع.
  • الاقتباس هو التكرار الخاطئ لكلمات الآخرين.
  • السعادة هي إحساس ينشأ لدى الإنسان نتيجة تأمّله لتعاسات الآخرين.
  • ❉ ❉ ❉

    إفطار في الحديقة

    ربّما لم تسمع باسم ليو بوتز من قبل، مع انه كان احد الرسّامين الذين ارتبطت أسماؤهم بالبدايات الأولى للحركة الانطباعية. كما كان خلال حياته واحدا من الفنّانين الذين لقوا احتفاءً وتكريما من قبل دعاة الفنّ الحديث. وبالإضافة إلى الرسم، عمل بوتز أستاذا في أكثر من جامعة وبلد وكرّس حياته كلّها في سبيل الإبداع وحريّة الفنّ.
    ولد ليو بوتز في يونيو من عام 1869 في منتجع ميرانو شمال ايطاليا. ودرس في أكاديمية الفنون الجميلة في ميونيخ ثمّ في أكاديمية جوليان في باريس. وأحد مواضيعه المفضّلة كان رسم الأشخاص، وخصوصا النساء.
    لوحته هذه يمكن اعتبارها مثالا جميلا على الإمساك بسحر أضواء وألوان مناظر الهواء الطلق. وفيها يصوّر ثلاث نساء ورجلا وهم يتناولون الإفطار معا في إحدى الحدائق. جمال الألوان وكذلك التباينات القويّة في ما بينها، والاستخدام المبهر لضوء الشمس هي من أهم سمات هذه اللوحة.
    كان ليو بوتز شخصا كثير الترحال. وقد ذهب بصحبة عائلته إلى أمريكا الجنوبية حيث قضى سنوات في البرازيل كما سافر إلى الأرجنتين والغابات المطيرة.
    وعندما عاد إلى ألمانيا عام 1935، جاهر بعدائه للنظام النازي. وبعد ذلك اعتبره النظام عدوّا للشعب ووصف فنّه بـ "المنحلّ". ثم استُدعي للتحقيق معه عدّة مرّات من قبل الغستابو. وأخيرا اضطرّ إلى ترك ألمانيا خوفا من الاعتقال وقضى السنوات التالية منفيّا في هولندا.
    تأثّر ليو بوتز بأعمال الرسّامين الرمزيين مثل فرانز فون ستاك واكسافير هابرمان. وأثناء إقامته في باريس أعجب بأعمال كلّ من مانيه ورينوار وبوغيرو. وعندما توفّي عام 1940 كان قد أتمّ رسم أكثر من ألفي لوحة.

    ❉ ❉ ❉

    رأس الحصان

    منذ اكتشافه منذ أكثر من قرن، وسديم رأس الحصان يزيّن العديد من كتب الفلك والمطبوعات التي تتحدّث عن الفضاء والكواكب. وكان أوّل من اكتشف هذا السديم وليامينا فليمنغ أستاذة علم الفلك بجامعة هارفارد، وكان ذلك في عام 1888. ومن الواضح أن السديم أخذ اسمه من شكل رأس الحصان في منتصفه. وهو يقع في كوكبة أوريون أو الجبّار ويبعد عن الأرض بحوالي 1500 سنة ضوئية.
    المعروف أن هذا السديم كان وما يزال هدفا مفضّلا للرصد والملاحظة. وقد صوّره تلسكوب هابل الفضائي بتفاصيل مذهلة وباستخدام موجات الأشعّة تحت الحمراء التي لها القدرة على اختراق المواد المتربة التي تحجب عادة المناطق الداخلية من السديم. وهو في هذه الصورة يبرز مثل حصان أو فرس بحر عملاق من وسط أمواج مضطربة من الغبار والغاز. كما انه يبدو منيرا بتأثير الضوء الذي تشعّه نجمة ساخنة بالجوار، بينما تظهر في الخلفية مجرّة درب التبّانة.
    تلسكوب هابل مضى على عمله في الفضاء 23 عاما تمكّن خلالها من إنتاج عدد لا يُحصى من الصور الفلكية المذهلة. وكانت بعض أكثر هذه الصور جمالا وإثارة للاهتمام هي تلك التي التقطها للسُدُم، وهي عبارة عن غيوم بالغة الضخامة تسبح ما بين النجوم وتتألّف غالبا من الغاز والغبار والبلازما.
    بعض العلماء يرون في السُدُم مصانع لإنتاج الكواكب والنجوم الرضيعة. وقد وجدوا باستخدام التلسكوبات أنواعا عديدة وغريبة منها منتشرة في أنحاء الكون. ومساحة بعضها قد تصل إلى عدّة سنوات ضوئية.

    ❉ ❉ ❉

    إيقاعات موسيقية

  • صديق عزيز أرسل إليّ قبل أيّام عبر البريد الاليكتروني هذه الأغنية التي يقول إن زميلا له وجدها على اسطوانة في بيروت يعود تسجيلها إلى نهاية الستّينات، وهي لمطرب سعوديّ قديم هو عبدالله محمّد. وقد قام صديقه بشرائها ثم أرسلها إليه كهديّة. وهو بدوره يهديها لي. ثم يسأل: ما صحّة ما يقال من أن كلمات الأغنية هي للشاعر الجاهلي امرئ القيس؟
    وأريد أن اشكر صديقي العزيز على هديّته الجميلة وأستأذنه في أن أضعها هنا كي يسمعها المهتمّون بأغاني التراث والموسيقى القديمة، خاصّة مع عدم وجود تسجيل للأغنية على الانترنت بمثل هذا النقاء. وبالتأكيد سبق لي وأن سمعت هذه الأغنية أكثر من مرّة. وعلى حدّ علمي أنها غُنّيت من أكثر من مطرب، منهم محمّد عبده. أمّا عن الكلمات فللأسف لا اعلم عن صاحبها شيئا. غير أنّي استبعد أن تكون لامرئ القيس، لأن الشعر في الأغنية بسيط وليس فيه فخامة وجزالة ألفاظ الشعراء العرب الكلاسيكيين. هذا رأيي وقد أكون على خطأ.


  • فخر الدين العراقي هو احد أعظم الشعراء الصوفيين الذين عاشوا في القرن الثالث عشر. ولد الشاعر في همدان بإيران، وكان كثير الترحال، فسافر إلى الهند وباكستان، ودرس على يد الشيخ الصوفي بهاء الدين زكريا. وفي قونيه في تركيا حضر دروسا للشيخ صدر الدين القوني الذي كان احد تلاميذ الشاعر الصوفيّ المشهور محيي الدين ابن عربي. ثم زار كلا من مصر وسوريا التي توفّي فيها ودُفن إلى جوار قبر ابن عربي في دمشق.
    ألّف فخر الدين العراقي كتابا في العرفان اسماه قصائد العشّاق، وهو عبارة عن مجموعة من أشعار الحبّ الصوفي. وقد تأثّر به العديد من الشعراء، الذين اشتهروا في ما بعد، ومن بينهم الشاعر حافظ.
    كان العراقي يتقن العربية بالإضافة إلى لغته الأمّ، أي الفارسية.

  • الخميس، أكتوبر 10، 2013

    تأمّلات مع حافظ

    "قم بنا نقرع ليلا، باب خمّارٍ حكيم، نطلب الفتح لنروي، عنه أشتات العلومِ.
    قم بنا نجلس في الإيوان في الليل البهيمِ، ندرك السُؤْل ونجني، منه لذّات النعيمِ".
    على الرغم من أن حافظ الشيرازي عاش في القرن الرابع عشر الميلادي، إلا أن قصائده ما تزال تحظى بشعبيّة كبيرة. حكمته ولغته التعبيريّة وتقديره العميق للجمال جعلت منه شاعرا مفضّلا للعشّاق، وبخاصة محبّي الله.
    وعلى مدى قرون، استُخدمت قصائد حافظ للتدريس بطرق متنوّعة. وكثيرا ما وُظّفت في الأغاني والمسرحيّات ولجأ إليها الناس كنوع من محاولة التنبّؤ بالغيب.
    الشاعر الأميركي دانيال لادينسكي يقدّم في هذا الكتاب بعنوان "عام مع حافظ : تأمّلات يوميّة" وجهة نظر فريدة ومتبصّرة عن حكمة الشاعر الفارسيّ من خلال أكثر من 350 من قصائده. كما يُفرد قسما خاصّا عن ترجمة رالف إيمرسون لشعر حافظ. والقصائد في مجموعها تُمسك بروح العاطفة ومعاني الرحمة اللانهائية والحبّ والشوق والروعة الإلهية كما تتجلّى في الكون.
    في مقدّمة الكتاب، يشير لادينسكي إلى انه يقدّم تفسيرات وشروحات لقصائد الشاعر بدلا من الترجمات الحرفية. وهو يستند في عمله على نقل الروح الحيّة لحافظ بأمانة، مؤكّدا أن لبعض هذه القصائد أجنحة تأخذ المتلقّي خارج الفضاء الثقافي والزمني الذي كُتبت ضمنه لتسمو بقارئها وتنقله إلى مساحة حرّية أوفر وأكبر".
    ولد دانيال لادينسكي عام 1948 في سانت لويس بولاية ميسوري. وقضى في شبابه عشرين عاما بصحبة طائفة روحية في غرب الهند، حيث عمل هناك في عيادة ريفية تقدّم خدماتها مجّانا للفقراء وعاش مع مجموعة من التلاميذ والأتباع.
    ومنذ إصدار أوّل كتاب له بعنوان "سمعت الله يضحك"، تُرجمت كتب لادينسكي إلى اللغات الألمانية والتركية والإندونيسية والعبرية والسلوفينية. كما تصدّرت مؤلّفاته قائمة أفضل كتب الشعر الدينيّ والصوفيّ مبيعا وانتشارا. ونقل عنه الكثير من الكتّاب، كما رخّصت العديد من المنظّمات الإسلامية والمسيحية والبوذية والهندوسية واليهودية والصوفية استخدام مؤلّفاته وإعادة طبعها.
    اطلّع لادينسكي على شعر حافظ في مرحلة مبكّرة من حياته. كما وقف على الترجمة الحرفية لأشعاره التي وضعها الدكتور جواد نوربخش كبير أطبّاء علم النفس في جامعة طهران ورئيس إحدى الطرق الصوفية.
    السمة المميّزة لحافظ، بنظر المؤلّف، هي الحرّية. وشعره يمكن اعتباره محاولة للإفلات من كلّ قفص ومساعدة للروح في أن ترتفع بأجنحتها وتتحرّر من كلّ قيد. وقد نجح في ذلك في كثير من الأحيان بفضل عبقريّته الشعرية وصوره الجميلة ولغته الجزلة والرفيعة.
    حافظ يعتبره الكثيرون واحدا من أفضل شعراء الفارسية غنائية وصوفية. وقد اثّر في العديد من شعراء عصره والعصور اللاحقة. إليزابيث غيلبيرت ، مؤلّفة كتاب طعام وصلاة وحبّ ، اعتبرت حافظ النسخة الفارسية من والت ويتمان شاعر النشوة الإلهية الأميركي. كما أشاد به غوته والرومانسيون الألمان وامتدحه ايمرسون الذي نقل بعض غزلياته إلى الانجليزية، بينما مثّل بالنسبة لنيتشه نموذجا لدايونيسوس وللحكمة المشرقية.
    ولادينسكي ينظر إلى أشعار حافظ باعتبارها دليلا يوميّا للاستنارة والحكمة. وهو يشبّهها "بالمطر المبارك الذي يهمي على الأرض العطشى فيمنحها الحياة". وبرأيه أن أهمّية أشعار حافظ تكمن في أنها تحوي بداخلها أسرارا حكت عنها من قبل الكتب المقدّسة. لكن المؤسف أن الكثير من أسرار حافظ الشعرية إمّا ضاعت مع غبار الزمن أو أنها اختفت بسبب الترجمات المغرضة أو غير الدقيقة.
    ويضيف: لحافظ الشيرازي عينا معلّم روحاني بارع وذكيّ. وهو، وجميع الشعراء العظماء، يساعدوننا على دقّ جرس المعبد؛ الجرس الذي يساعدنا على استدعاء المحبوب ويضربنا بخفّة على الضلوع كي ننتبه ونصحو. حافظ يدعونا لرؤية نظرات الحبيب في أنفسنا وفي بعضنا البعض، ويوقظ عطشنا للتوحّد مع هذا الحبيب من خلال الرقص المنتشي بحبّ الحياة".

    لـغـز لـقـد أعـيا الـورى حـلّه " ... " فـحـيّـر الـزنـديـق والـمـؤمـنا
    يا ربّ ما الحكمة في ما نرى " ... " يــا مـن تـحجّبتَ وراء الـسنا
    جــراحــنـا خــافـيـة جــمّــة " ... " ولـيس لـلشكوى مـجال هنا

    الشعر، بنظر المؤلّف، هو تعبير بكلمات القلب. وقراءته قد تحرّك في داخلك شعورا عميقا بالارتباط مع الشاعر. وكما هو الحال مع حافظ، قد يحوّل شعره نظرك إلى الاتجاه الذي يأتي منه مزيد من الضوء ويسمح للكلمات بأن تغرق في قلبك مثل أغنية تلهم السامعين.

    تاجي علي رأس من أهواه تاجانِ " ... " هـو المليك ولي حجبي وإذعاني
    عـيـناه فـتـنته فـي الأرضِ سـائرة " ... " مـن معبد الهندِ حتى عرشِ إيران
    وكـــم تــراءت بـتـركستانَ طـلـعته" ... " وكـــم تـجـلّـى مـحـيّـاه بـجـرجانِ
    جـرى الـفرات خـفيفا تـحت وطأته " ... " وفــي الـعـراق لــه صــرح وبـابـانِ
    تـأتـي الـعـذارى إلـيه مـن مـنابعها" ... " فــي الـنـيل تـرفـل ألـوانـا بـألوانِ
    وكـيـف أخــرج مـن أطـراف دولـته " ... " وهــو الـمـمجّد سـلطانا بـسلطانِ

    ويؤكّد لادينسكي على أن قصائد حافظ ليست بقايا أدب من الماضي البعيد، ولكنها تحف مليئة بالحكمة العزيزة والخالدة. كما يذكّر بأنه خلال الفترة التي كتب فيها حافظ قصائده، كانت تلك القصائد كثيرا ما تُغنّى في الطرقات ويحفظها الناس عن ظهر قلب.

    لــي حـبـيب لـو انـه رام قـتلي " ... " بـسـهام لـمـا اتـقـيتُ سـهـامه
    أو رمـى مـهجتي بـسهم حديد " ... " لــتـقـبّـلـت شـــاكــرا أنــعــامـه
    إرمِ عــــن حـاجـبـيـك فـــؤادي " ... " بسهام فلست أخشى سهامه
    أمس أعلنت طاعتي وخضوعي " ... " لـحـبـيـبـي مــقــبّـلا أقـــدامــه
    حــانـي الــرأس لا أريــد بـراحـا " ... " عـن مقامي حتى تقوم القيامة

    يقول المؤلّف: ذات مرّة، وبعد قراءتي لبعض أشعار حافظ في نيويورك، تحدّثت مع طبيبة إيرانية شابّة كانت بين الحضور وسألتها قائلا: أريد أن اعرف رأيك بصراحة، أيّهما تفضّلين أكثر: جلال الدين الرومي أم حافظ؟ فردّت المرأة: حسنا، بالنسبة لي، حافظ يُعتبر اقرب كما انه يبقى لفترة أطول". وتعجّبت من إجابتها الموجزة والذكيّة".
    ويضيف: أعتقد أن السبيل الوحيد للخروج من أيّ معضلة هو الاقتراب من شخص، من روح أو فنّ ما يمكن أن يساعدنا على العودة مرّة أخرى إلى السماء ويقرّبنا أكثر من روح الأرض. إن الاتصال بمعلّم روحيّ حقيقيّ أو طلب العون من صديق عنده قدر من الشفافية الروحية يمكن أن يساعدنا على الخروج من متاهة الحياة. الإنسان بحاجة إلى شخص ينظر إليه بين الحين والآخر بحبّ وتقدير حقيقيّ. ومثل هذا الاهتمام له مفعول المطر الثمين الذي نحتاجه وبدونه نموت. وحافظ يقدّم لنا الدروس التي تُعلّمنا كيف نكون سعداء في مواجهة المعاناة والفقد وخيبة الأمل. وهو يعلّمنا أيضا أن الحياة احتمال ومسار يلازمنا طول العمر لنعرف أنفسنا أفضل ولننمو".

    عـجيب أمـر هـذا الـشعر طـفلٌ عـمرهُ ليلة " ... " يـطوف الـعالم الـمعمور يـقطع وعـره سهله
    ويـمضي خـالدا فـي كـلّ قلب ملهبا شعلة " ... " وكـم مـن عـلّة يـأسو وكـم يـنقع مـن غـلّة
    فـيـا وجــدي إلــى ثـغـر الـحبيب كـأنه فـلّة " ... " ويا ظمئي إلى الصهباء تمسح لاعجي كلّه

  • الأشعار ترجمة محمّد الفراتي.
  • الخميس، يونيو 10، 2010

    بوّابات الفجر

    في إحدى اللوحات التي رُسمت لتزيّن ديوان الرباعيات، يظهر عمر الخيّام مرتقيا ربوة شاهقة وقت السحَر بينما يحدّق في السماء متأمّلا منظر النجوم المتلألئة من بعيد. الذي يتأمّل الصورة لا بدّ وان يتخيّل أن الخيّام من موضعه المرتفع ذاك، وهو الذي درس علم الفلك وبرع فيه، كان يحاول اكتشاف بوّابات أو ممرّات يمكن أن تشفّ عمّا وراء السماء القريبة من عوالم وأكوان. ذلك ما كان يشغله دائما. كان دائم البحث عن إجابات ترضي فضوله وتروّض جموح نفسه الحائرة.
    كلّما رأيت هذه اللوحة تذكّرت مقاطع بعينها من الرباعيّات وبخاصّة تلك التي يقول فيها الخيّام:
    أطال أهل الأنفس الباصرةْ، تفكيرهم في ذاتك القادرةْ. ولم تزل يا ربّ أفهامهم، حيرى كهذي الأنجم الحائرةْ.
    أفنيت عمري في اكتناه القضاءْ، وكشف ما يحجبه في الخفاءْ. فلم أجد أسراره وانقضى، عمري وأحسست دبيب الفناءْ.
    لكنّ الشاعر، في غمرة أفكاره وتساؤلاته الكثيرة، لا يلبث أن يقتنع باستحالة أن يعرف الإنسان شيئا ابعد من وجوده المباشر. وعليه فإن الحكمة تقتضي أن يفكّر الإنسان بيومه وأن يستمتع باللحظة التي هو فيها:
    لا توحش النفس بخوف الظنونْ، واغنم من الحاضر أمن اليقينْ. فقد تساوى في الثرى راحل غداً وماض من ألوف السنينْ.
    أولى بهذا القلب أن يخفقا، وفي ضرام الحبّ أن يُحرقا. ما أضيع اليوم الذي مرّ بي، من غير أن أهوى وأن أعشقا.
    الخيّام شخصية نادرة وغريبة لا ينفع معها أنصاف المواقف أو الحلول. إما أن تحبّه كثيرا وتأنس له وإما أن تكرهه وتنفر منه وتمقت شعره. وأنا انتمي إلى الصنف الأوّل. حدث هذا منذ أن سمعت الرباعيات لأوّل مرّة بصوت أم كلثوم وترجمة احمد رامي. وإلى اليوم، ما زلت افضّل ترجمة الأخير للرباعيات على ترجمة الصافي النجفي. هذا الموقف عفوي ولا علاقة له بشروط وقواعد النقد الأدبي أو معايير المفاضلة بين ترجمة وأخرى. غاية ما في الأمر أنني ألفت الرباعيات بصوت أم كلثوم وترجمة رامي وتعوّدت على سماعها بل وحفظت معظم مقاطعها عن ظهر قلب بحكم التعوّد والتكرار.
    رامي وأم كلثوم يعود إليهما الفضل الأوّل في تعريف الجمهور العربي بالخيّام وبالرباعيات. وأغلب الظنّ انه ما كان بوسع أكثر الناس أن يعرفوا عن الخيّام وشعره شيئا لولا أن غنّت أم كلثوم الرباعيات بموسيقى ملحّن عظيم مرهف الحسّ ومتذوّق للشعر مثل رياض السنباطي.
    وجزء مهم من جمال الرباعيات، القصيدة والأغنية، يكمن في أبياتها الأوّلى التي تتسلّل إلى أعماق النفس برقّة وعذوبة:
    سمعتُ صوتا هاتفا في السحَرْ، نادى من الغيب غُفاة البشرْ. هُبّوا املئوا كاس المنى، قبل أن تملأ كأسَ العمر كفّ القدَرْ.
    أفق خفيف الظلّ هذا السَحَرْ، نادى دع النوم وناغي الوترْ. فما أطال النوم عمرا، ولا قصّر في الأعمار طول السَهَرْ.
    لبست ثوب العيش لم اُستشرْ، وحرتُ فيه بين شتّى الفِكَرْ. وسوف أنضو الثوب عنّي، ولم أدرك لماذا جئت وأين المفرّ.
    وكم توالى الليل بعد النهارْ، وطال بالأنجم هذا المدارْ. فامشِِ الهوينا إن هذا الثرى، من أعين ساحرة الاحورارْ.
    أطفئ لظى القلب بشهد الرضابْ، فإنّما الأيّام مثل السحابْ. وعيشنا طيف خيال فَنَل حظّك منه قبل فوت الشبابْ.
    وتلك التي يقول فيها:
    لا تشغل النفس بماضي الزمانْ، ولا بآتي العيش قبل الأوانْ. واغنم من الحاضر لذّاته، فليس في طبع الليالي الأمانْ.
    القلب قد أضناه عشق الجمالْ، والصدر قد ضاق بما لا يُقالْ. يا ربّي هل يرضيك هذا الظمأ، والماء ينساب من أمامي زُلالْ.
    لكنّ في الرباعيات مقاطع أخرى لا تقلّ جمالا ممّا لم تغنّه أم كلثوم. وهي امتداد لفلسفة الخيام وحيرته وقلقه الوجودي الممضّ:
    عش راضيا واهجر دواعي الألمْ، واعدل مع الظالم مهما ظلمْ. نهاية الدنيا فناء فعش، فيها طليقا واعتبرها عَدَمْ.
    الخمر كالورد وكأس الشرابْ، شفّت فكانت مثل ورد مُذابْ. كأنّما البدر نثا ضوءه، فكان حول الشمس منه نقابْ.
    كنّا فصرنا قطرة في عُبابْ، عشنا وعدنا ذرّة في الترابْ. جئنا إلى الأرض ورحنا كما، دبّ عليها النمل حينا وغابْ.
    خلقتني يا ربّ ماءاً وطينْ، وصُغتني ما شئت عزّا وهَونْ. فما احتيالي والذي قد جرى، كتبته يا ربّي فوق الجبينْ.
    قبل أسابيع شاهدت برنامجا وثائقيا رائعا أعدّته إحدى محطّات البي بي سي عن حياة وشعر الخيّام. معدّ ومقدّم البرنامج، وهو أديب إيراني يعمل في القسم الفارسي بالإذاعة البريطانية، ظهر في بداية البرنامج وهو يحتسي كأسا من النبيذ في إشارة إلى إحدى السمات الفارقة التي تميّز الخيام وشعره. ثم تحدّث المذيع عن أهمّية مدينة نيسابور، أو نيشابور كما ينطقها الإيرانيون، مسقط رأس الخيّام التي كانت زمن الشاعر تضاهي القسطنطينية في مكانتها السياسية والثقافية. بعد ذلك انتقلت الكاميرا إلى كيمبريدج وظهر في الصورة عدد من الأكاديميين الانجليز والإيرانيين الذين تحدّثوا عن أهميّة الخيّام وبراعته في تصوير الروح الإنسانية والتعبير عن هشاشة الحياة وحيرة الإنسان.


    وعلى خلفية من موسيقى الملحّن الإيراني محمّد رضا شجريان الذي وضع موسيقى الرباعيات بالفارسية، ظهرت صورة ادوارد فيتزجيرالد أوّل من ترجم الرباعيات إلى الانجليزية والرجل الذي جعل اسم الخيّام مشهورا في الغرب. ثم تحدّث شاعر إيراني عن الملامح المميّزة للرباعيات مشيرا إلى أنها تتّسم بالبناء النغمي الأخّاذ وقوّة التعبير والجرس الموسيقي وبكثرة الصور الخيالية والبلاغية والروحية. وهناك فكرة تتكرّر باستمرار في شعر الخيّام وتتمثّل في شعور الإنسان باليأس أمام القوى الغيبية والخفيّة التي يصعب على الإنسان كبحها أو التحكّم بها مثل الزمن والمصير أو القدر. وأضاف أن إشارات الخيّام المتواترة عن الموت الذي يحصد الأرواح بلا تمييز تثير في النفس قدرا غير قليل من الأسى والحزن. ثم تحدّث عن ترجمة فيتزجيرالد للرباعيات مذكّرا بحقيقة أنها ظهرت في نفس السنة التي نشر فيها تشارلز داروين كتابه الشهير أصل الأنواع، وهو ما يعتبر مفارقة لافتة. ثم قال الشاعر مخاطبا المذيع: تأمّل هذه الأبيات من الرباعيات، وقرأ:
    هات اسقني كأس الطِلا السلسلِ، وغنّني لحنا مع البلبلِ. فإنما الإبريق في صَبّهِ، يحكي خرير الماء في الجدولِ.
    كان الذي صوّرني يعلمُ، في الغيب ما أجني وما آثمُ. فكيف يجزيني على أنني، أجرمت والجرم قضا مبرمُ.
    لم يجنِ شيئا من حياتي الوجودْ، ولن يضير الكون أنّي أبيد. وا حَيرتي ما قال لي قائل، ماذا اشتعال الروح كيف الخمودْ.
    لو أنّني خُيّرت أو كان لي، مفتاح باب القدَر المقفلِ. لاخترت عن دنيا الأسى أنني، لم أهبط الدنيا ولم أرحلِ.
    يا طالب الدنيا وُقيتَ العثارْ، دع أمل الربح وخوف الخَسَارْ. واشرب عتيق الخمر فهي التي، تفكّ عن نفسك قيد الإسارْ.
    وقال الشاعر معلّقا: الذي استطاع ترجمة هذه الأبيات بروحها ومضمونها الفلسفي والوجودي لا بدّ وأن يكون هو نفسه شاعرا مبدعا ومترجما متميّزا. ثم استمرّ يقرأ مقاطع أخرى من الرباعيات وهو يبتسم ويهزّ رأسه تأثّرا وطرباً:
    حار الورى ما بين كفر ودينْ، وأمعنوا في الشكّ أو في اليقينْ. وسوف يدعوهم منادي الردى، يقول ليس الحقّ ما تسلكونْ.
    الخمر توليك نعيم الخلودْ، ولذّة الدنيا وأنس الوجودْ. تحرق مثل النار لكنّها، تجعل نار الحزن ماءاً برودْ.
    قالوا امتنع عن شرب بنت الكرومْ، فإنها تورث نار الجحيمْ. ولذّتي في شربها ساعة، تعدل في عيني جنان النعيمْ.
    لو كان لي قدرة ربّ مجيدْ، خلقتُ هذا الكون خلقا جديدْ. يكون فيه غير دنيا الأسى، دنيا يعيش الحرّ فيها سعيدْ.
    خير لي العشق وكأس المدامْ، من ادّعاء الزهد والاحتشامْ. لو كانت النار لمثلي خلتْ، جنّات عدن من جميع الأنامْ.
    ثم استضاف البرنامج فيلسوفا إيرانيا قال إن ما حبّب الغرب في شعر الخيّام هو فهمه للروح الإنسانية والنفس الداخلية من قبيل حديثه عن الألم والموت والحبّ والسعادة والمصير والشكّ واللا يقين. وأضاف: الانجليز من جهتهم وجدوا في الرباعيات أشياء من شكسبير والإنجيل وكارلايل وتينيسون. وكانت الرباعيات تتحدّث إلى انجلترا الفيكتورية في العديد من أجزائها. وأضاف: إن من الخطأ أن نحصر الخيّام في الصور واللوحات التي تصوّره مع الخمر والنساء. فالنبيذ في الرباعيات يرمز للمتع الجمالية والفكرية وليس مقتصرا على المتعة الحسّية فحسب. وختم حديثه بالقول: انتشار الخيّام وشهرته المدويّة يصعب أحيانا تفسيرها أو فهمها. لقد غطّت شهرته على شعراء إيرانيين كبار ولا يقلّون أهمّية، مثل نظامي والرومي وسعدي وحافظ الشيرازي والعطّار وسواهم.
    ثم استضاف البرنامج رسّاما تحدّث عن الرسوم التصويرية التي صاحبت الطبعات المختلفة من الرباعيات بدءاً من لوحات ادموند ديولاك الساحرة ومرورا برسومات ايليو فيدر واتش جي فورد وانتهاءا برسومات العديد من الفنانين الإيرانيين.
    وظهر بعد ذلك أكاديمي بريطاني تحدّث عن بعض خصائص شخصية الخيّام فقال: الخيّام التاريخي لا يُعرف عنه الشيء الكثير، ومن الصعوبة بمكان إعادة بناء ملامح شخصيّته بدقّة. هو حينا شاعر وحينا آخر متصوّف، في حين يعتبره آخرون لا أدرياً أو لا دينياً. لكن الثابت انه كان شخصا متعدّد الاهتمامات، وكانت له إسهاماته البارزة في الرياضيات وعلم الفلك. وقد أطلق اسمه على احد الكواكب البعيدة تكريما له وتقديرا لاكتشافاته المهمّة في ميدان الفلك. وأضاف: كانت الرباعيات تُعطى دائما تفسيرات رمزية ومجازية تناسب الظروف السياسية والاجتماعية لكلّ عصر. وقد أحبّ الناس هذه القصائد لأنهم كانوا يرون فيها مصدرا من مصادر الحكمة القديمة، بالإضافة إلى تصويرها الساحر لبعض متع ومباهج الحياة مثل الإشارات المتكّررة فيها إلى الحدائق الغنّاء والنساء الغامضات، وهو ما أسهم في تشكيل نظرة الغربيين لطبيعة الثقافة الإسلامية عموما.
    ثم انتقلت الكاميرا إلى مدينة نيسابور، وبالتحديد إلى المقبرة التي يقوم فيها ضريح عمر الخيّام. المناسبة كانت الاحتفال بإقامة تمثال لـ فيتزجيرالد إلى جوار ضريح الخيّام بمناسبة مرور 150 عاما على ترجمة الرباعيات إلى الانجليزية. الملفت للنظر أن أكثر من حضروا المناسبة كانوا من النساء. وقد صاح الجميع لحظة رفع الستار عن التمثال مردّدين: لا اله إلا الله.
    المفارقة هي أن إيران الرسمية لم تتصالح بعد مع الخيّام، مع انه يمثل جزءا لا يتجزّأ من هويّة إيران التاريخية والأدبية والثقافية. غير أن نفوذ الشاعر في المجتمع الإيراني كبير بما لا يوصف. وقد ظهرت في البرنامج صور لفتيات محجّبات وهنّ يضعن الزهور على ضريحه ويحملن كراريس ملوّنة تضم أشعاره.
    على موسيقى النهاية لاح لي طيف الخيّام مرّة أخرى. كان ما يزال يرنو ببصره نحو الأفق البعيد وقد أحاطته غلالة من نور بينما كانت النجوم ترسل بريقها الشاحب الأخير قبل أن تختفي خلف بوّابات الفجر. كان يردّد بصوت خاشع متبتّل آخر أبيات الرباعيات:
    يا من يحار الفهم في قدرتكْ، وتطلب النفس حمى طاعتكْ. أسكرني الإثم ولكنّني، صحوت بالآمال في رحمتكْ.
    إن لم أكن أخلصت في طاعتكْ، فإنّني اطمع في رحمتكْ. وإنّ ما يشفع لي أنني قد عشت لا أشرك في وحدتكْ.
    يا عالِم الأسرار علم اليقينْ، يا كاشف الضرّ عن البائسينْ. يا قابل الأعذار عدنا إلى ظلّك، فاقبل توبة التائبينْ.

    الأحد، أغسطس 07، 2005

    ديوان حافظ الشيرازي

    ألا يا أيَها الساقي
    أدرْ كأسا وناولها
    فإنّ الكأس للملدوغ
    بالعشق هو الراقي
    قد استسهلتُ أمرَ العشق
    فانهالتْ على قلبي
    مشاكلُ قيّدتْ عقلي
    فلا ُيؤملُ إطلاقي
    متى ما تلقَ من تهوى
    دع الدنيا وأهملها
    فيا حافظُ
    جمع الشمل
    بالذكرى
    هو الباقي

    ولد حافظ في شيراز عاصمة إقليم فارس بإيران حوالي العام 1320 م أي بعد حوالي خمسين سنة من وفاة جلال الدين الرومي أكثر شعراء إيران الصوفيين شهرة.
    ترعرع حافظ في وقت كانت افضل الآداب الفارسية قد كتبت وفي ظلّ السمعة التي تمتّع بها مواطنه المتميّز الشاعر سعدي.
    في تلك الأثناء كان الشعر الفارسي قد بلغ ذروته خلال المرحلة الرومانسية.
    وقد وصلت شهرة حافظ أوجها وجذبت أشعاره المترجمين لقرون عديدة، وقد أسئ فهم حافظ وظنه الناس رجلا مجنونا ومتهوّرا لا يهتم بشيء قدر اهتمامه بالشراب.
    كان أبوه التاجر قد هاجر من اصفهان إلى شيراز هربا من غزاة المغول ومات الأب فيما يبدو وحافظ ما يزال شابّا.
    تلقى الشاعر تعليما تقليديا في اللغة العربية والقرآن الكريم والعلوم والأدب، ويشي شعره بمعرفة عميقة بالشعر الفارسي طيلة القرون الخمسة التي سبقته كما تكشف أيضا عن معرفة بالعلوم الإسلامية وعن تمكّنه من العربية.
    ولا يتوفّر سوى النزر اليسير عن حياة أشهر شاعر غنائي فارسي في التاريخ، وكثير من الاستشهادات والاشارت والتفاصيل التي تحفل بها المعاجم وكتب التاريخ عن حياة حافظ الشيرازي ليست مؤكّدة تماما.
    وبعد وفاته مباشرة نسجت الكثير من القصص والأساطير عن حياته.
    تقول بعض الروايات إن حافظ عمل بعد وفاة أبيه صبيّا في أحد المخابز وكان مكلفا بإيصال الخبز للحيّ الموسر من المدينة عندما رأى امرأة شابّة راعه جمالها وحسن خلقتها. وكثير من أشعاره موجّهة إلى تلك المرأة بالذات.
    وفي نهاية العقد الثاني وبداية الثالث من حياته أصبح حافظ شاعرا في بلاط أبي اسحاق وكسب المزيد من الشهرة والنفوذ في شيراز، وتلك كانت مرحلة الرومانسية الروحية في شعره.
    في سنّ الثامنة والأربعين فرّ حافظ من شيراز خوفا على حياته بعد أن لاحظ أن الشاه شجاع لم يعد يستسيغه كثيرا.
    وبعد ذلك بأربع سنوات وبناءً على دعوة من شجاع، أنهى حافظ فترة النفي وعاد إلى شيراز ليواصل عمله كمدرّس في كليتها.
    في سنة 1356 استولى على شيراز الأمير مبرّز، وهو شخص متزمّت دينيا وقاسي القلب.
    هذه الحادثة لم تجلب السعادة إلى قلوب الشعراء مثل حافظ وغيره وانما سهّلت على المتعصبّين تعزيز مراكزهم وسلطتهم فاضطهدوا الناس باسم الدين. وهناك العديد من قصائد حافظ تنتقد تملق ونفاق المتديّنين المتزمّتين واستبداد القضاة والحكّام.
    وقد تسبّب طغيان الأمير مبرّز في انفضاض الناس من حوله واندلاع تمرّد ضده. فأطيح به وُسملت عيناه واصبح ابنه الشاه شجاع حاكما لشيراز. وأعاد الحاكم الجديد المكانة التفضيلية لحافظ في البلاط.
    وفيما بعد تلقى حافظ دعوة من محمّد شاه لزيارة الهند. ويقال أن حافظ سافر برّا إلى منطقة مضيق هرمز ومن هناك صعد إلى ظهر سفينة أبحرت به إلى الهند، وكان البحر عاصفا فاضطر إلى مغادرة السفينة والعودة إلى شيراز لانه كما يقول كان يفضّل "جهنم اليابسة على جنان البحر الموعودة".
    بعد ذلك بعدّة سنوات حلّ غضب الرب على شيراز واهلها، وتجسّد ذلك الغضب في تيمورلنك.
    تقول الأسطورة انه حدث لقاء بين رجل السيف المغولي ورجل القلم حافظ، وأن تيمورلنك وبّخ حافظ بعنف لانه كتب في إحدى قصائده الغنائية: إذا أخذت تلك الشيرازية قلبي في يدها، فمن اجل تلك الشامة على وجنتها سأهبها بخارى وسمرقند". وسأل تيمورلنك الذي ينتمي إلى سمرقند حافظ كيف طاوعه طيشه لان يهب تلك المدينتين العظيمتين فقط من اجل شامة على خدّ امرأة شيرازية. ويقال أن حافظ ردّ عليه قائلا: يا جلالة الإمبراطور! كان ذلك بسبب الإسراف الذي أورثني حالة الفقر والعوز".
    ومن اوجه السخرية أن شعبية الشاعر الكاسحة كانت السبب في المصاعب التي ارتبطت بشعره. ويذكر في هذا الصدد أن حافظ سئل ذات مرة: من هو الشاعر؟ فأجاب: الشاعر هو الذي يسكب الضوء في كأس، ثم يرفع الكأس ليسقي به ظمأ الشفاه المقدّسة".
    وفي العقود الأخيرة لجأ بعض الشعراء إلى نشر شعرهم المثير للجدل ممهورا باسم حافظ لكي يتجنّبوا الاضطهاد والتضييق. والغريب أن حافظ ينظر إليه في البلدان الناطقة بالفارسية اليومية كإيران وافغانستان والجمهوريات الجنوبية من الاتحاد السوفياتي السابق ليس فقط باعتباره شاعرا عظيما بل متنبئ أيضا أو ما يطلقون عليه لسان الغيب وترجمان الأسرار، بمعنى أن لشعره نكهة لها طابع القداسة والإلهام.
    ورغم أن شعر حافظ الذي يتضمنّه ديوانه يتحدّى التصنيف المألوف إلا انه يمكن تقسيمه إلى أربعة مواضيع:
    قصائد تتعامل أساسا مع الحبّ الصوفي ومع النبيذ والأزهار والعشّاق كرموز.
    وقصائد يعمد فيها الشاعر إلى الانتقال السريع من فكرة أو صورة لأخرى.
    وقصائد شبيهة بالنوع الثاني غير أنها اكثر تكثيفا وعمقا من الناحية الفلسفية ويغلب عليها الغموض والأفكار البالغة التعقيد.
    واخيرا قصائد تحتوي على جرعة كبيرة نسبيا من النبرات السياسية والاجتماعية ويمكن أن نعزو هذا الملمح إلى المراحل المتعدّدة في حياة الشاعر.
    والحقيقة أن انتقادات حافظ كانت موجّهة في الغالب ضدّ رجال الدين والقضاة، وهذا يفسّر نقمة هذه الفئات عليه وتدنيس قبره بعد وفاته. وليس مستغربا أن يكون أعداء الشاعر بمثل هذه الشراسة والقسوة خاصة وقد قال فيهم ما لم يقله مالك في الخمرة.
    ويتفق نقاد كثيرون على أن شعر حافظ الشيرازي يمثل أعلى ذرى الشعر في بلاد فارس، ويستخدم ديوانه كدليل يومي للإلهام والانعتاق الروحي. وهناك أشخاص عديدون كرّسوا حياتهم كلها لقراءة وفهم قصائد الشاعر.
    تجدر الإشارة إلى أن الرحالة والكاتبة البريطانية غيرترود بيل قامت بترجمة ديوان حافظ من الفارسية إلى الانجليزية. كما ُترجم الديوان إلى معظم لغات العالم، وتحدّث عنه مفكّرون وفلاسفة كبار من أمثال غوته و ايمرسون و ادوارد فيتزجيرالد مترجم رباعيات الخيـام الذي وصف الشاعر بقوله: حافظ افضل عازف على الكلمات".
    توفي حافظ الشيرازي سنة 1391م ودفن في حديقة ُسميت فيما بعد بالحافظية تكريما له.
    وضريحه هو اليوم أحد مراكز الجذب الكبرى في شيراز حيث يؤمّه الكثير من المعجبين بالشاعر وبشعره.