المشاركات

عرض المشاركات من أغسطس 4, 2024

حبّ المكان

صورة
تبدَّت لنا وسطَ الرّصافةِ نخلةٌ : تناءتْ بأرضِ الغَرب عن بلدِ النخْلِ فقلت: شبيهي في التغرّبِ والنّوَى : وطولِ اكتئابي عن بنيَّ وعن أهلِي نشأتِ بأرضٍ أنتِ فيها غريبةٌ : فمثلكِ في الإقصاء والمُنتأى مثلي هل سبق أن اشتقت الى مكان ما أو الى السير في طرق تعرفها مثل راحة يدك؟ ربّما تتمنّى أن ترى شمس المساء في مسقط رأسك مرّة أخرى. وقد تأخذك نفحة سريعة من عطر أمّك إلى الوقت الذي كانت فيه تحملك بين ذراعيها. هذه الحوّاس المألوفة عن الأماكن هي ما يُعرف بالتوبوفيليا Topophilia أو حبّ المكان. وأصل الكلمة يوناني، ويتكوّن من توبوس بمعنى المكان وفيليا بمعنى الحبّ. والكلمة تجسّد بشكل جميل حالة الناس وعلاقتهم بالمكان. وهي تشبه العديد من صفاتنا الإنسانية التي تعيش طالما أن غريزتنا القديمة تسمح لنا بتشكيل الأماكن ومن ثمّ تشكيل أنفسنا بها. وقد استخدم هذا المعنى العديد من الفنّانين والكتّاب مثل "غاستون باشلار" و"أودن" و"يو فو توان". وكلّ منهم خرج بنظريّته الخاصّة. ونقيض حبّ المكان هو الخوف من المكان او التوبوفوبيا Topophobia، ومثاله المكان الذي يُلقي عليه ا...

معلّم لجميع العصور

صورة
على مدى قرون، كانت تقام في الصين احتفالات سنوية بذكرى ميلاد كونفوشيوس. لكن تلك الاحتفالات اُلغيت خلال القرن العشرين بسبب موقف الحزب الشيوعي الذي كان يرى أن الكونفوشية تمثّل أفكار الإقطاع الرجعي الذي كان يريد إخضاع الشعب للأرستقراطية وجعلها جزءا من النظام الثقافي للبلاد. لذا أمر ماو وحزبه بحظر جميع الطقوس والاحتفالات التي تُحيي ذكرى كونفوشيوس وتمجّد أفكاره. لكن بعد موت ماو أعيد الاعتبار للفيلسوف الصيني وعادت الاحتفالات السنوية التي تُحيي ذكراه. والمفارقة أن العديد من أعضاء الحزب الحاكم الذي سبق أن حاول شطب كونفوشيوس من تاريخ الصين أصبحوا يشاركون في هذه الفعاليات، بل ويؤكّدون على المكانة المركزية للرجل في الثقافة الصينية. طبقا للسجلات التاريخية، عندما ولد كونفوشيوس كان رأسه "على قمّة الأرض"، وكانت أسنانه مكشوفة خارج شفتيه ومنخراه مواجهين للسماء وأذناه كبيرتين للغاية وعيناه جاحظتين. ويبدو هذا الوصف غريبا جدّا، وربّما مخيفا. لكن كان من عادة القدماء في كلّ مكان أن يخلعوا على الأشخاص العظام أوصافا شاطحة ومبالغا فيها. كان كونفوشيوس، أو المعلّم كونغ كما كان يُعرف في زم...

جيروم والشرق

صورة
من الأعمال الفنيّة الجميلة التي تنطبع تفاصيلها في الذهن بسهولة اللوحة التي فوق، واسمها "صلاة العصر في القاهرة"، للرسّام الفرنسي جان ليون جيروم (1824-1904). ظهرت هذه اللوحة على أغلفة العديد من الكتب وأصبحت رمزا للشرق القديم الذي طالما حلم به الشعراء والفلاسفة وهيمن على مخيّلة الأوربيّين لزمن طويل. كان جيروم رحّالة وأستاذا جامعيا ورجل أعمال. وكان من أنصار الكلاسيكية الجديدة (Neoclassicism) والأكاديمية (Academicism)، وهما حركتان فنيّتان رئيسيتان في أوروبّا القرن التاسع عشر. غير أن أحدا لا يتذكّره اليوم إلا بالكاد. ومع ذلك فإن صوره عن الشرق القديم ما تزال رائجة، لأنها تذكّر الناس بالماضي والسنين الخوالي. كان الرسّام مفتونا بصلاة المسلمين وبمعمار الجوامع القديمة. وكان من عادته أن يضيف إلى رسوماته للجوامع تفاصيل من خياله لجعلها تبدو كالصروح الفخمة. لكنه في هذه اللوحة اختار أن يرسم مجموعة من الناس يؤدّون الصلاة على سطح منزل بسيط في قاهرة القرن التاسع عشر. كلّ التفاصيل في الصورة بديعة: منظر السماء الضبابية التي تضفي على المنظر طابعا من المهابة والجلال، منارات مسجد محمّد ع...