عولمة من زمن آخر
اللوحة، فوق، لا ُيعرف تاريخها ولا من رَسَمَها على وجه التحديد. غير أنها ُرسمَت في أوربّا، وعلى الأرجح في أوائل القرن الثامن عشر أو ما قبله بقليل. والتفاصيل فيها بسيطة بل وعادية، إذ تصوّر مظهرا من مظاهر الحياة اليومية في أوربا في ذلك الحين. وفيها نرى امرأة شابّة تجلس على كرسي وتنظر إلى وجهها في المرآة. ومن خلال ما تقوله المرآة، نفهم أن المرأة معجبة بهيئتها وجمالها بدليل علامات الرضا والسرور البادية على محيّاها. لكن لو تمعّنا في الصورة بشيء من التركيز فسنلاحظ فيها بعض التفاصيل اللافتة. فشعر المرأة وقدماها وأناملها مخضّبة بالحنّاء الذي كان يستورد من تركيا. وأرضّية الغرفة مغطاة بقطعة من السجّاد الفارسي. والكرسي الذي تستند عليه المرأة يدلّ طرازه وتصميمه على انه من صنع شرقي. في ذلك الوقت كان الأوربّيون مفتونين بسحر الشرق وغموضه. وكانت النساء الأوربيات والأمريكيات يتهافتن على اقتناء السلع والأدوات الشرقية ويقرأن الروايات والكتب التي تتحدّث عن الشرق ونسائه الجميلات الغامضات. وكان يساورهن توق لأن يعشن حياة نساء الشرق المليئة بالسحر والترف والعاطفة، أي كلّ ما كنّ يعتبرنه ناقصا أو مفقودا من حياته...