المشاركات

عرض المشاركات من 2025

خواطر في الأدب والفن

صورة
يذكر ويليام كروغر في إحدى رواياته قصّة ضابط شرطة في بلدة تقع في براري مينيسوتا، وهو من أصول أمريكية أصلية، وتربطه علاقة وثيقة مع شامان محليّ يعلّمه الصيد بالطريقة القديمة. في الخريف التالي، اصطاد الجنديّ والشامان غزالا أبيض الذيل. وكان صيد غزال يتطلّب من الجندي أن يكون قريبا بما يكفي لسماع أنفاس الفريسة. كانت تجربة غريبة، فبعد أن اصطاد غزاله الأوّل، أدرك ضرورة أن يغنّي لروح الحيوان الذي اصطاده وأن يشرح له سبب عنفه معه، وأن يَعِد هذا المخلوقَ الجميل بأن جسده سيُطعَم لأناس سيكونون ممتنّين له كثيرا. وهذه الصلاة المغنّاة تأخذ في الغالب هذه الصيغة: شكرا لك أيّها الروح الأعظم على هذا الصيد المشرّف. سيكرِّم أهلي وأصدقائي تضحيتك بالتغذّي على لحمك. وستبقى ذكرى يومك الأخير في نفسي للأبد. عسى أن يحتضن الخالق روحك، إذ يعلم أنك قد أنجزتَ غايتك وحقّقتَ قدرك. شكرا لك يا ربّي على مشاركتي في طبيعتك الرائعة ومخلوقاتك. هب لي دائما الحكمة والاحترام في السعي واحفظني متواضعا في الحصاد. وأرجوك أن تحتضن روح هذا الحيوان وأن تبارك هذه الهبة من اللحم لعائلتي وأصدقائي. وأرجوك أن تُبقي هذه الذكرى معي ل...

خُطى الآخرين

صورة
في قصيدته "درب العِجل" (١٨٩٥)، يتحدّث الشاعر الأمريكي سام فوس عن قصّة معبّرة تتضمّن حكمة عميقة. وملخّص القصيدة/القصّة أن عِجلا سار ذات يوم عبر غابة بدائية. واستمرّ يسلك ذلك الطريق صباح كلّ يوم، ثم يعود منه في المساء الى حظيرته. ومع توالي الأشهر والسنوات، ترك العجل أثرا على شكل طريق متعرّج. وبعد أن مات، تبع أثره كلب، ثم خروف يجرّ أجراسا ويسحب بقيّة القطيع خلفه كل يوم. وسار في إثرهم العديد من الخيول والدوابّ تحت أشعة الشمس. ثم مشى عبر ذلك الطريق أناس كثيرون. وكانوا يعبّرون عن ضيقهم من تعرّجاته وانحناءاته بكلمات غاضبة. لكنهم برغم ذلك واظبوا على اتّباع مسار العجل ورأوا أن من الأسهل عليهم استخدام ذلك الطريق المعتاد بدلا من شقّ طريق جديد. ومرّت الأعوام وأصبح الطريق شارع قرية، ثم شارع مدينة مزدحما. وسرعان ما أصبح شارعا رئيسيا لمدينة مشهورة وقامت على اطرافه المتعرّجة بنايات وصروح شاهقة. واستمرّ الناس يمشون على خطى ذلك العِجل. وهكذا قاد أناساً كثيرين عجل واحد مات منذ زمن يصعب تذكّره. واستمرّوا يتبعون طريقه الملتوي دون أن يفكّروا في تغييره. وفي نهاية القصيدة، يشير الشاع...

خواطر في الأدب والفن

صورة
"وإذ أنزلُ من الجبال، يمتدّ الوادي أمامي وأسمع هدير أمواج البحر. وأتجوّل بصمت وأنا غير سعيد إلى حدّ ما. وأتساءل "إلى أين؟". هذا هو رثاء المتجوّل من أغنية لحّنها فرانز شوبيرت البالغ من العمر وقتها تسعة عشر عاما على شعر لـ ج. شميدت يقول فيه: الغريب يبحث عن موطن روحيّ في كلّ مكان، لكنه محكوم بالتجوال إلى الأبد". ألّف شوبيرت موسيقاه عام 1821. وقبل ذلك بثلاث سنوات، رسم كاسبار دافيد فريدريش لوحته المشهورة "المتجوّل فوق بحر الضباب"، والتي يمكن اعتبارها تفسيرا للحن شوبيرت. وكثيرا ما ظهرت اللوحة على أغلفة الكتب التي تتحدّث عن الرسم الرومانسي الألماني. ويظهر فيها رجل يقف على صخرة عالية، معطياً ظهره للناظر وحاملا عصا ومرتدياً معطفا. وعند قدميه نرى مشهداً طبيعيّا، إذ تنبثق السحب عن الوادي كاشفةً عن تلال صخرية. وعلى مسافة أبعد، في الأفق، تلوح سلسلة جبال يلفّها ضباب الصباح. أجزاء الضباب في الصورة لا تكشف عن التلال الخضراء والغابات الكثيفة، بل عن سفوح الجبال الكثيفة والصخور المتعرّجة. ويبدو الرجل كما لو أنه سيّد هذا المكان وفي الوقت نفسه خاضع له. المعروف ...

خواطر في الأدب والفن

صورة
"الرينكو" أو الشعر المترابط هو شكل أدبيّ فريد من نوعه في اليابان ولعبة صالون. حيث يجتمع عدد من الشعراء في أجواء مسترخية، يتناولون الشراب والعشاء معا. ثم يشرعون في تأليف قصيدة طويلة. يبدأ القائد بكتابة هايكو. ثم يسلّمه للشاعر الذي بجانبه، فيضيف له سطرين مكوّناً مقطعا. ويُعطى هذا المقطع للشاعر التالي الذي ينسخ هذين السطرين الإضافيين. وباستخدامهما كأسطر افتتاحية والانطلاق في اتجاه جديد، يؤلّف المقطع الثاني. وتستمرّ اللعبة. يساهم كل شاعر بمقطع تكون أسطره الافتتاحية دائما هي الأسطر الختامية للمقطع السابق. ويستمرّ هذا حتى يكتمل 36 مقطعا أو أكثر. وكلّ مقطع مستقل هو نوع من القصيدة المصغّرة، لكنه مرتبط بالمقاطع الأخرى. يقتصر الرينكو فقط على خيال المشاركين، ويستمرّ في تغيير المشهد والموضوع والمزاج مع تقلّبات غير متوقّعة. ويمكن أن ينتقل الموضوع فجأة من الجبل إلى المدينة، من السامي إلى السخيف. كلّ شيء وارد، مع مراعاة قواعد معيّنة. مثلا في نقاط محدّدة، يجب الإشارة إلى القمر أو أزهار الكرز. وتُقرأ الأبيات بصوت عالٍ أثناء كتابتها، مع هتافات تقدير وضحك ومزيد من النبيذ. ❉ ❉ ...

خواطر في الأدب والفن

صورة
كان علي باشا، المعروف أيضا باسم أصلان أي "الأسد"، حاكما ألبانيّا مسلما شغل منصب الباشا العثماني للجزء الغربي من روميليا التابعة للإقليم الأوروبّي من الإمبراطورية العثمانية. في شبابه، كان باشا لصّا مكلّفا بالتعامل مع لصوص. وكان جنوده ومرتزقته من الألبان هم من استولوا في النهاية على بعض البلدات المستقلّة. ومن تلك الحملة، نشأت أسطورة تقول إن 22 امرأة من إحدى القرى ألقين بأنفسهن وأطفالهن من فوق جرف لكيلا يقعن بأيدي قوّات باشا عام ١٨٠٣. في اللوحة التي فوق من عام 1850، يرسم بول إميل جاكوبس علي باشا وزوجته المفضّلة كايرا فاسيليكي في لحظات حميمة قبيل إعدامه. كانت فاسيليكي قد ذهبت، وهي في سنّ الخامسة عشرة، الى بلاط علي باشا للتوسّط من أجل الإبقاء على حياة أبيها. وبعد أن استطاعت الحصول على عفو عنه، طلبها باشا للزواج فوافقت وانضمّت إلى حريمه. وبفضل جمالها وذكائها، أصبحت الزوجة الأثيرة عنده وسَمح لها بممارسة طقوس دينها المسيحي ورعاية بعض المبادرات الخيرية. وقد استخدمت نفوذها لإنقاذ حياة العديد من مواطنيها من اليونانيين. وبحلول عام ١٨٢٠، أزعجت طموحات علي باشا المتزايدة السل...

فاتح العالم

صورة
لم يكن الفيلان اللذان أحضرهما خادما الإمبراطور للتسرية عن سيّدهما مستعدّين للتعاون في ذلك اليوم. ففي مواجهة حشد من رجال الحاشية المطواعين، استدار أحد الفيلين وحاول الفرار، بينما هجم الآخر بعنف على أبناء الملك الأربعة الذين كانوا يستمتعون بالمشهد على صهوات خيولهم العربية الأصيلة. وبالكاد تمكّن ثلاثة من الأمراء من تحفيز جيادهم والهرب. لكن أورانغزيب بقي حيث هو. وبيده الممسكة باللجام، ثبّت حصانه في مكانه، بينما سدّد بالأخرى ضربة قاضية من رمحه الى جبين الفيل. وفي نوبة غضب أخيرة، سَحقَ الفيل حصان الأمير بضربة من نابه، لكن الأمير نجح في تفادي الضربة وأنقذ نفسه بحركة استدارة رشيقة. الحشد الذي كان يحبس أنفاسه بانتظار نتيجة المبارزة انفجر مردّدا هتافات النصر، بينما نزل الإمبراطور وسط اضطراب شديد من درجات الشرفة التي تابع منها المشهد. وركض خادمه المخلص "اعتماد خان" للقاء الأمير الذي كان يقترب من والده القلق بخطوات بطيئة ومحسوبة. وصرخ الخادم مذهولا: تمشي ببطء بينما أبوك الإمبراطور في حال يُرثى لها؟! تجمّد ردّ الأمير في فمه قليلا ثم قال: لو كان الفيل لا يزال يطاردني، لمشيت أسرع...

نصوص مترجمة

صورة
○ في بلاط السيّد العظيم هوريكاوا، يعيش رسّام مشهور يُدعى يوشيهيدي، يولي فنّه أهميّة أكبر من أيّ شيء آخر تقريبا. هذا الرجل العجوز المتذمّر لا يسمح للسيّد أو العادات المتعارف عليها أو حتى للآلهة نفسها بأن تقدَّم على فنّه. ويتّفق كلّ من يراه على أن عمله مبهر، إلا أنه دائما ما يبثّ فيه شعورا بالغرابة والحزن. وبينما استطاع رسّامو العصور القديمة العظماء الآخرون أن يجعلوا الناظر الى لوحاتهم يشمّ عبير أزهار البرقوق العطرة في ليلة مقمرة، فإن لوحة يوشيهيدي للمراحل الخمس لتناسخ الأرواح التي تزيّن بوابة معبد رايوغي، تجعل المارّة يسمعون تنهّدات الأرواح ونحيبها، ويشمّون رائحة الجثث. والناس يخشون يوشيهيدي ويكرهونه في آن لقوّة فنّه وغروره المفرط. وبسبب طريقة وقوفه ووجهه الدميم، يطلقون عليه لقب ساروهيدي أو "جلد القرد". وليس هناك سوى شيء واحد في العالم يهتمّ به يوشيهيدي إلى جانب الرسم، ألا وهو ابنته يوزوكي ذات الخمسة عشر ربيعا. إنه يحبّها كثيرا ويُغدق عليها المال والهدايا الباذخة. وهي بالطبع جميلة العقل والجسد، بقدر قبحه هو. وكما يقول الراوي، فإن عاطفته تجاه ابنته هي الدليل الحقيقيّ ال...

نصوص مترجمة

صورة
○ يقدّر الياباني الصمت كثيرا، ويميل الى قياس الكلمات بدقّة، فلا يتكلّم إلا بما هو ضروريّ ومفيد، وبالتالي يحترم قيمة الكلمات وخطورتها. أنت بمجرّد أن تقول شيئا، فإن الكلمات لا تعود ملكك. ويمكن تفسيرها بطرق لم تقصدها. وقد يؤدّي الاندفاع والتحدّث عن المشاعر إلى إيذاء الآخرين ونفسك. قد تتمكّن من الاعتذار أو تصحيح سوء الفهم، لكن الناس يتذكّرون كلماتك بغضّ النظر عن كلّ شيء. مشكلة الكلام تكمن في كيفية تحوّله إلى مرجعية لقائله. إننا جميعا عالقون في عقولنا، لا ندرك إلا ما نفكّر فيه مباشرة. لا نملك القدرة على الوصول إلى أفكار الآخرين المباشرة. الكلام والكتابة تَواصُل غير مباشر مقارنةً بالتفكير. وبسبب هذه الطبيعة المقيّدة، نميل إلى الإشارة إلى أنفسنا كثيرا في الكلام. فهو في النهاية تعبير عن كيفية فهمنا للواقع. إذا كنتَ ملِمّا بفلسفة الزِن، فستدرك أن الأنا وهم؛ بُنية عقلية تحاول إثبات ذاتها بانتحال شخصية الشخص، أي هويّته. لذا، فإن الإشارة إلى الذات في الحديث تخاطر بتغذية الأنا والتباهي. وبمجرّد أن تسيطر الأنا على لسانك، تتدفّق الكلمات. والكلمات التي غالبا ما تندم عليها هي تلك التي تؤذي الآخ...

نصوص مترجمة

صورة
○ عندما توفّي "لي باي"، كان قد أصبح شاعرا عظيما، وأطلق عليه معجبوه لقب "الخالد المنفيّ". ويشير هذا اللقب إلى أنه قد أرسل إلى الأرض كعقاب له على سوء سلوكه في السماء. وعلى مدار الإثني عشر قرنا منذ وفاته، بُجّل في الصين باعتباره شاعرا خالدا. ولإدمانه على الكحول، أُطلق عليه أيضا اسم "الخالد كالنبيذ". ولا يزال من الشائع اليوم أن يقطع أتباع شعره مئات الأميال، متّبعين بعض مسارات تجواله كنوع من الحجّ. وتحمل العديد من المشروبات الكحولية والنبيذ اسم لي باي. بل إن اسمه علامة تجارية شائعة تُعرض في الفنادق والمطاعم والمعابد وحتى المصانع في الصين. في يناير عام 764، أصدر إمبراطور الصين الذي تولّى العرش حديثا مرسوما باستدعاء لي باي للعمل مستشارا في البلاط. ولم يكن لهذا المنصب سلطة فعلية، على الرغم من مسمّاه الرنّان. ومع ذلك، كان هذا التعيين تشريفا كبيرا ودليلا على التكريم الإمبراطوري. وفي حالة لي باي، كان بمثابة استعادة لبعض المكانة الرفيعة التي كان يتمتّع بها في البلاط. لكن عندما وصل المرسوم الملكي إلى مقاطعة دانغتو حيث كان من المفترض أن يكون لي باي موجودا، ارت...

نصوص مترجمة

صورة
○ في مطار كابول، وبعد الحصول على بطاقة الصعود إلى الطائرة، ذهبت لاستصدار تصريح أمني. وقال لي أفراد الأمن: تأكّد من أنك لا تحمل أيّ شيء خطير". حدث هذا منذ ثمان سنوات. كنت مسافرا إلى دلهي. وكنت خائفا وأنا أغادر منزلي ووطني لأوّل مرّة. فلم يسبق لي أن ذهبت إلى أيّ مطار أو صعدت أيّ طائرة أبدا. وللمرّة الأولى أيضا تعلّمت معاني المصطلحات، مثل تسجيل الوصول والمغادرة وبطاقة الصعود والهجرة وحزام الأمتعة والصالة. بعد وصولي إلى دلهي، اضطررت إلى الإقامة في بيت ضيافة، قبل الانتقال إلى النزل الدولي بالجامعة، حيث حصلت على بعثة لمدّة عامين لدراسة الماجستير. داخل بيت الضيافة، كانت معظم الغرف بحجم كابينة، وكانت غرفتي مماثلة. لم تكن الليلة الأولى ممتعة. مغادرة الوطن أمر مؤلم دائما. من أنت ومن أين أتيت يحدّدان وجودك. وكونك من الهزارا وأفغانيّا في نفس الوقت يمثّل لعنة. فليس أمامك سوى خيارات قليلة للغاية. إما أن تصبح مسلما سنيّا أو تغادر أفغانستان أو تخاطر بأن تُقتل. ونفس الشيء ينطبق على الهزارا الذين يعيشون في وادي كويتا في باكستان. يولد الهزارا حاملين معهم الكثير من المصائب. ويتعيّن عل...

خواطر في الأدب والفن

صورة
اسم اللوحة التي فوق "فون في ضوء القمر". والـ "فون" مخلوق معروف في الأساطير، نصفه إنسان ونصفه الآخر ماعز. ويظهر في وسط الصورة وهو يعزف على مزمار أو ناي أمام قطيع من الماعز في حقل شبه مظلم. وفي السماء فوق، يسطع قمر يضيء المشهد بنور خافت. وظلام الحقل وضوء القمر يحوّلان المشهد إلى شيء شبحي تقريبا. يقول الكاتب ايريك غيرالدو أنه عندما بحث عن هذه اللوحة، اكتشف أنها غير موجودة في أيّ متحف معروف، كما أنها لا تظهر في كتب الفنّ الشائعة. ثم تبيّن أنها مخفيّة في إحدى مجموعات الفنّ الخاصّة، أي أن قلّة قليلة من الناس هم الذين رأوها عيانا. ويضيف: إنها واحدة من تلك اللوحات التي تشعر عند اكتشافها وكأنك تعثّرت بسِرّ. وهنا يكمن الجزء المثير للاهتمام فيها. فالفنّان الذي رسمها لم يكن مجرّد رسّام. كان ليون سبيليارت (1881-1946) شابّا بلجيكيّا لا يتجاوز عمره 18 عاما عندما رسم الصورة. وقد عاش في أرقٍ دائم، وكان مهووسا بنيتشه وإدغار آلان بو". كان سبيليارت يرسم لوحات ليلية يضمّنها رؤى غريبة كانت مرايا لعقله. وقد نتج عن ذلك المزيج الغريب من الشباب والمرض والهوس صور غير عاديّة...