المشاركات

عرض المشاركات من 2010

نهر النسيان

صورة
لا أعرف مدى صحّة العبارة التي تقال أحيانا من أن الإنسان لم يُسمّ إنسانا إلا بسبب انه كثير النسيان. ولكنْ ممّا لا شكّ فيه أن النسيان يُعتبر صفة ملازمة للإنسان وجزءا لا يتجزّأ من طبيعته وتكوينه. وفي السنوات الأخيرة لاحظت أنني أصبحت أنسى كثيرا. والمشكلة أن مظاهر هذا النسيان كثيرة ومتعدّدة. يحدث أحيانا أن أقابل شخصا لأوّل مرّة فيعرّف كل منّا نفسه بالآخر. لكن ما أن أقابل نفس الشخص بعد بضعة أيّام حتى أقع في الحرج عندما اكتشف أنني نسيت اسمه. وقبل أيّام كنت في زيارة لموظّف بإحدى الشركات الخدمية. وبعد أن غادرت مكتبه ووصلت إلى سيّارتي، اكتشفت أنني نسيت هاتفي المحمول عنده. وكنت متأكّدا من أنني تركت الهاتف في مكان ما على مكتبه لأنني تذكّرت أنني أجريت آخر مكالمة وأنا جالس هناك. وعندما عدت إليه لأساله ما إذا كان قد رأى الهاتف، أجاب بالنفي. ومع ذلك بحث على المكتب وفتّش كثيرا بين الأوراق فلم يجد شيئا. ثم قال: عندي فكرة. كم رقم هاتفك حتى اتصل به من هاتفي لنستدلّ على مكانه؟ قلت وأنا اشعر ببعض الحرج: للأسف لا أحفظ الرقم. ضحك من ردّي ثم قال بأدب: بسيطة، لست وحدك من لا يتذكّر رقم هاتفه. لكنْ هناك حلّ آخر، ...

ميغرين: مزوّر اللوحات الأشهر

صورة
وُلد هان فان ميغرين في هولندا عام 1889 وكان مفتونا بالرسم منذ طفولته. كان من عادته أن ينفق كلّ ما في جيبه من نقود على شراء مستلزمات وعدّة الرسم. وقد كوفيء وهو صبيّ على موهبته الفنّية بمنحه ميدالية ذهبية بعد انتهائه من رسم ديكور إحدى الكنائس. وفي احد الأيّام رأته زوجته وهو يستنسخ لوحة كي يبيعها على أساس أنها أصلية. وقد ثنته الزوجة عن ذلك العمل. لكن تلك الحادثة كانت أوّل مؤشّر على اهتمام ميغرين الجدّي بالتزوير. وانتقل ميغرين وزوجته بعد ذلك إلى لاهاي حيث درس فيها ونال درجة البكالوريوس في الفنّ عام 1914م. وخلال العشر سنوات التالية كان يرسم ويبيع لوحاته بأثمان معقولة. وكانت رسوماته وقتها عبارة عن مناظر داخلية ولوحات دينية وأحيانا بورتريهات. وكان اتجاهه السياسي كاثوليكيا ومعاديا لليهود ومتحفّظا إلى درجة الفاشيّة. كما كان معارضا لكافّة الاتجاهات الحديثة في الفنّ. ورغم انه لم يكن غير ناجح كفنّان، إلا أن النقّاد كانوا سلبيين تجاه أعماله. لذا نفر منهم وأصبح يشعر بالمرارة تجاههم وتجاه مروّجي الرسم الحديث. وبعد فترة أدرك ميغرين انه لن يحقّق كرسّام ما كان يصبو إليه من نجاح ومجد. لذا قرّر أن يحترف...

نافذة على فنّ كميل بيسارو

صورة
يُعتبر كميل بيسارو (1830 – 1903) احد آباء الانطباعية الفرنسية الأوائل. وكان له تأثير دائم على فان غوخ وغوغان وسيزان. وفي سنواته الأخيرة ارتبط بعالَم جورج سورا والنُقطيّة باعتبارها التطوّر الطبيعي للانطباعية. ورغم أن الكثيرين يعتبرون بيسارو انطباعيّا فرنسيّا، إلا انه ولد في جزر العذراء لأب برتغالي وأمّ من جمهورية الدومينيكان. ولم يذهب إلى باريس إلا في عام 1855 عندما قصدها لتعلّم الرسم حيث تتلمذ على يد كميل كورو وغوستاف كوربيه. وقد تركت لوحات كورو وغيره من أعضاء مجموعة باربيزون عن الطبيعة انطباعا عميقا في نفس بيسارو. كان منجذبا بوضوح نحو رسم الطبيعة. وطوال العشر سنوات التالية، درس في كلّية الفنون الجميلة التي كانت تقدّم دروسا مجّانية في الرسم. وفي عام 1857 شجّعه كورو على التخلّي عن أسلوب الرسم التقليدي وأن يرسم بدلا من ذلك في الهواء الطلق وفي الطبيعة المفتوحة. ورغم أن لوحاته المبكّرة كانت صدى لأسلوب كوربيه، إلا انه كان فيها روح انطباعية لا تخطئها العين. وربّما بسبب تنوّع خلفيّته العرقية، فإن بيسارو كان دائما شخصا غريبا إلى حدّ ما عن الجماعة الانطباعية. ومثل العديد من الانطباعيين، ترك بيس...

سرب يمام

صورة
"سبحان الله الذي أبدع كلّ شيء صنعا". قلت مردّدا بيني وبين نفسي وأنا أتطلّع عبر نافذة الطائرة إلى المنظر تحتنا. كنّا قد اقلعنا وقت السحر. وها نحن نقترب من اللحظة التي ستشرق فيها الشمس. الأرض التي نعرفها لم نعد نراها. كلّ ما يمكن رؤيته كان عبارة عن تشكيلات غريبة من الغيوم في الأسفل. كان هناك منظران يعلو كلّ منهما الآخر. المنظر السفلي بدا شديد الشبه بالصحراء مع مرتفعات هنا وهناك تشبه إلى حدّ كبير جبال الملح الضخمة. والمنظر الذي تحتنا مباشرة كان يشبه بحرا عظيما تتوزّع وسط مياهه الزرقاء جزر أشبه ما تكون بجبال الجليد الهائلة. وأحيانا تتحوّل الصورة لتأخذ شكل أكوام ضخمة من القطن الناصع البياض. وبين كلّ كومة وأخرى انتشرت بقع متوهّجة كأنها حبّات ضوء في مغارات صامتة. مرأى الغيوم من هذا الارتفاع يدفعك إلى النظر بعمق في ما وراء الطبقات. كلّ طبقة تخفي خلفها ما يشبه الجبل أو النهر أو الشجرة أو البحر. وكلّ واحد من هذه العناصر يبعد عن الآخر بما يكفي لأن يعطي المنظر عمقاً اكبر. خامرني في تلك اللحظة شعور ساذج. تمنّيت لو أن قوانين الفيزياء تتعطّل بضع دقائق كي اخرج إلى هذا الفضاء الرحيب فأتنفّس ...

المرأة التي ألهمت كليمت

صورة
كانت المرّة الأولى التي اسمع فيها باسم اميلي فلوغي عندما كنت أدرس تاريخ الفنّ. وأعتقد أن ذلك كان نوعا من القدَر. كنت قد بحثت طويلا عن فنّان مناسب كي ادرسه، شخص ما يمكن أن يلهمني ويثير اهتمامي. وقد وجدت هذا في غوستاف كليمت. إن سرّ شعبية كليمت الدائمة هو قدرته على اخذ الحياة الداخلية لشخصياته وإسقاطها من خلال صورة خارجية. وكليمت يعمل مع الألوان الزاهية والأشكال المجرّدة لخلق صورة بصرية عن الحالة العاطفية التي تشعر بها الشخصيات التي يرسمها. ومع ذلك، عندما كنت ادرس حياة هذا الفنّان اللامع لم أكن اعرف إلا القليل عن ملهمته العظيمة اميلي فلوغي. إنها صاحبة الوجه الذي يظهر في إحدى أشهر تحف كليمت "بورتريه اميلي فلوغي" والذي تطوّر ليصبح تجسيدا للحداثة التي تمثّل جوهر الجمال في فيينّا. كان كليمت قد أنجز الكثير عندما قابل اميلي وعائلتها. وكان وشقيقه ارنست وطالب آخر قد أسّسوا مجتمعين شراكة ناجحة وكُلّفوا برسم لوحات لمسرح بورغ الذي كان قد أعيد بناؤه. وعندما انتهت اللوحات، مُنحوا وسام الاستحقاق الذهبي من قبل الامبراطور فرانز جوزيف. وقد تزوّج ارنست كليمت من "هيلين" شقيقة اميلي في عا...

قراءات في أدب وسينما الرعب

صورة
شاهدت مؤخّرا أكثر من ترجمة سينمائية لرواية برام ستوكر "دراكيولا". وتذكّرت ما قاله لي صديق من قبل من انه قرأ الرواية بشغف وانه اكتشف أن بعض تفاصيلها، وإن كانت مخيفة بعض الشيء، إلا أنها لم تكن مرعبة بالشكل الذي تصوّره المعالجات السينمائية التي تناولت الرواية المشهورة. ومنذ أيّام استمتعت بقراءة بعض الكتابات التي تتحدّث عن الموتيفات والأفكار التي تظهر بشكل متواتر في أدب وسينما الرعب. مثلا، هل خطر ببالك أن تساءلت من قبل عن الوظائف الدرامية والمدلولات السيكولوجية التي يؤدّيها ظهور البوم والمرايا والضباب والقلاع والحصون القديمة والقمر المكتمل والضباب والماء والكلاب وغيرها من الصور في أدب وسينما الرعب؟ الحديث في هذا الموضوع ممتع وذو شجون. كما انه يثير بعض التفكير والتأمّل. الضباب: يلعب الضباب دورا مهمّا في هذا النوع من الروايات والأفلام. وظيفة الضباب في الأساس أنه يخفي الأسرار التي قد لا يكون مسموحا لنا بمعرفتها. وبعض الحضارات القديمة كانت تؤمن بأن "أمّنا الطبيعة" يمكن أن تستخدم الضباب كي تبعدنا عن أشياء معيّنة لا ينبغي لنا أن نعرفها أو ندركها. وهناك العديد من أفلام الرعب ا...

بيرنيني: عندما ينطق الحجَر

صورة
من يستطيع النظر إلى تمثال جيان لورنزو بيرنيني نشوة القدّيسة تيريزا (1644-1647) بعينين بريئتين؟ منذ بضع سنوات، وفي ظهيرة يوم قائظ من أيّام روما، جاءت ثلاث راهبات إلى كنيسة ديلا سانتا ماريا فيتوريا المظلمة. وكنت جالسا في إحدى المقصورات المواجهة أفكّر بانتشاء في ما كنت أراه. ومن وقت لآخر، كانت قطع عملات معدنية توضع داخل خانة الدفع مقابل الإنارة. وعندما أتى الضوء، ظهر اغرب منظر فنّي يمكن للمرء أن يراه. رأس القدّيسة مائل إلى الخلف. فمها، الشفة العلوية مشدودة إلى الوراء، العينان نصف مغلقتين، والكتفان مشدودان إلى الأمام في حالة نكوص وشغف. وإلى جانبها، يقف ملاك صغير يكشف عن صدرها برفق وهو يبتسم قبل أن يمرّر سهمه إلى قلبها. بقيت الراهبات لمدّة عشر دقائق، ساكنات ومتذلّلات، قبل أن يغادرن. وجلست الراهبة الثالثة في مقصورة أخرى وهي تخفض رأسها في صلاة طويلة. ومن وقت لآخر كنت استرق النظر باتجاهها وأنا أحاول التفكير فيمَ عساها تفكّر وكيف تشعر. تمثال بيرنيني عبارة عن مشهد يقع على الحدّ الفاصل بين الغموض المقدّس والصورة الفاحشة. وقد سعى الخبراء طويلا كي يقنعونا بأن ما نراه قد لا يكون لحظة من لحظات الاست...

كرسيّ

صورة
"أريد أن ازرع فيك ولو جزءا بسيطا من إيماني الكبير بأننا سننجح في أن نبتكر شيئا يمكن له أن يدوم ويستمرّ". كتب فان غوخ هذه الكلمات إلى صديقه غوغان قبل ثلاثة أسابيع من انتقال الاثنين للعيش معا في المنزل الأصفر في آرل. في لوحتَي فان غوخ المشهورتين والتي رسم في كلّ منهما كرسيّا، نرى بوضوح رؤيته عن نفسه وعن صديقه غوغان كما تعكسها قطعة من القماش رسم عليها أثاثا ساكنا. وقد رسم كرسيّه مواجها اليمين، بينما رسم كرسيّ غوغان مواجها اليسار. وبالتالي، عندما توضع هاتان اللوحتان معا فإنهما تُحدثان تأثيرا متناغما. وبرؤية كلا الكرسيين معا، نستطيع أن نتبيّن بوضوح ما الذي كان يقصده فان غوخ عندما رسمهما. صحيح أن الاثنين يُعتبران اليوم رسّامَين مشهورين. إلا أنهما اكتشفا فرقا هائلا في طريقة تعامل كلّ منهما مع الرسم. النقاشات الساخنة التي كانت تجري بينهما ترسم صورة لشخصين يائسين لم يجدا أبدا أرضية للتفاهم والوئام. وكان ذلك يثير فيهما التعب والإحساس بالمرارة. ومع ذلك كانت خلافاتهما ومشاكلهما الصاخبة تتلاشى أحيانا لتظهر الرابطة الروحية الكامنة بينهما. وفي احد الأوقات، بدا أن النار التي كانت تشتعل بالقر...

رحلة على طريق الحرير

صورة
هناك من العبارات ما يستدعي للذهن عوالم كاملة من صور ورحلات وذكريات، سواءً كانت حقيقية أو متخيّلة. وطريق الحرير هو إحدى هذه العبارات. مجرّد ذكر اسمه يستحضر مناظر لقوافل تمرّ عبر صحارٍ وواحات خالدة، وجِمالٍ محمّلة بنفائس الحرير، ورجالٍ وسيمي الوجوه، تشعّ أعينهم بالبريق يرتدون العمائم ويحملون الياقوت واللآليء والتمور والزعفران والفستق من بلاد فارس، والزجاج من مصر، والصِبر وخشب الصندل وشتّى أنواع العطور من الجزيرة العربية. طريق الحرير، أيضا، ما أن يُذكر اسمه حتى تتوارد إلى الذهن إيحاءات وأفكار عن التسامح وامتزاج الحضارات. أصبحت هاتان المفردتان نوعا من مصطلحات العصر الجديد وباتت دلالتهما تخترق كلّ شيء، من الموسيقى العالمية إلى كتب الطبخ النباتي. صورتنا الذهنية عن طريق الحرير قد تكون تشكّلت، إلى حدّ كبير، من خلال مكتشفين جغرافيين من أمثال اوريل ستين وسفن هيدين اللذين أعادا اكتشاف كنوز المنطقة في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين. تلك القصص المثيرة ألهمت في ما بعد سلسلة المغامرات التي يقوم ببطولتها علماء آثار أسطوريون من قبيل ما عرضه فيلم انديانا جونز لـ ستيفن سبيلبيرغ. الرومانسية ا...

محطّات

صورة
ألوان مائيّة عندما تنظر إلى لوحات الرسّام الصيني تشي يونغ يو تحتار إلى أيّ مدرسة فنّية يمكن أن تعزوها. هل ما تراه لوحات تجريدية؟ صحيح أن بعض نماذج الرسم التجريدي يمكن أيضا أن تكون مصدرا للمتعة البصرية. لكنّك هنا لا تجد كتلا لونية كبيرة مثل تلك التي تظهر في الرسوم التجريدية عادة. كما أن الرسّام لا يكتفي باستخدام الخطوط والأشكال والألوان والأنماط كي يعبّر عن مشاعره الخاصّة ولكي يستثير انفعالات المتلقي. بل يملأ لوحاته بصور الأسماك الصغيرة الشفّافة والملوّنة والنباتات البحرية والفواكه والأزهار التي يسهل تمييزها. ألوان يونغ يو المائية باذخة ومناظره البدائية تجذب العين بجمالها وأناقتها. كما أنها تثير في النفس إحساسا شاعريا غريبا من خلال هذا الامتزاج والذوبان المتولّد عن حركة فرشاته الدائرية. هنا نماذج من أعماله. ❉ ❉ ❉ الفنّ التجريدي: كيف نفهمه ؟ كم مرّة نظرت إلى لوحة تجريدية قد يصفها الناس بالتحفة الفنيّة، فلم تستطع أن تفهم اللوحة ولم تميّز رأسها من ذيلها؟ لا داعي لأن تهتمّ أو تقلق، فهذا يحصل كثيرا. لكن عليك أن تتصالح أوّلا مع أهمية الف...

الصين الجميلة

صورة
هناك الكثير من الأشياء التي تتبادر إلى الذهن عندما يرد ذكر اسم بيجين عاصمة الصين: المدينة المحرّمة، تجديد المراكز الحضرية، كثافة حركة المرور وارتفاع نسبة التلوّث. وعلى الأرجح لن يكون الفنّ الحديث احد تلك الأشياء. لكن على الرغم من ذلك، فإن بيجين تشهد الآن حركة فنون نشطة ومزدهرة. كما أنها أصبحت مركزا كبيرا للفنّ الطليعي، بالإضافة لاحتضانها العديد من الورش والغاليريهات الفنّية. مشهد الفنّ الصيني المعاصر تطوّر بسرعة خلال العشر سنوات الماضية. وكان لحرّية السوق وتوظيف التكنولوجيا الحديثة وازدياد هامش حرّية التعبير دور مهم في ازدهار الفنّ في البلاد. وفي السنوات الأخيرة أصبح الفنّ الصيني المعاصر يحظى بشعبية واسعة في الغرب. في الصين نفسها اشتهر اسم ضاحية داشانزي شرق العاصمة بكونها منطقة جذب للفنّانين والتجّار وأصبحت مكانا مزدحما يعجّ، ليس بالفنّ فقط، وإنما بالمقاهي العصرية ومتاجر التحف القديمة والملاهي الليلية الغريبة.     وداشانزي تواجه اليوم آلام النموّ ومشاكل البحث عن هويّة، شأنها شأن مناطق مماثلة من العالم. وهناك الآن من ينتقد المنطقة لأنها استسلمت لاستشراء النزعة التجارية، يدف...

نافذة على عالم بول كْلِي

صورة
تمتلئ لوحات بول كْلي بالرموز الخفيّة التي قد تبدو للوهلة الأولى معقّدة أو خالية من أيّ معنى. لكن عندما نقترب من تلك الرموز محاولين تفسيرها في سياق الأسلوب الذي كان الفنّان يستخدمه في لوحاته، فإن فهم فنّه يصبح مهمّة سهلة وبسيطة. جينيفر شيبون تتحدّث في المقال المترجم التالي عن الزمن والأسماك والمربّعات السحرية في فنّ الرسّام السويسري المشهور. لكي نفهم لوحات بول كْلِي والمعاني والرموز الكامنة في صوره، علينا أوّلا أن نعرف شيئا عن حياته وشخصيّته. كان كْلِي رسّاما تعبيريا سويسريا عاش من عام 1879 إلى عام 1941م. وقد نشأ في كنف عائلة تهتمّ بالموسيقى وكان يعزف الكمان في شبابه. في الجامعة لقي كْلِي صعوبة في الاختيار بين أن يتخصّص في الموسيقى أو الفنّ. لكنّه في النهاية قرّر أن يختار الفنّ. ولهذا السبب كان يميل إلى وصف لوحاته بتعابير ومفردات موسيقية. كما كان، بوعي، يرسم لوحاته بطريقة تثير شعورا بالأنغام والإيقاعات الموسيقية. وقد مات بول كْلِي في عام 1940، أي عند بداية الحرب العالمية الثانية متأثّرا بمضاعفات إصابته بمرض تيبّس الجلد الذي عانى منه طويلا وشوّه ملامحه وشلّ أطرافه. وفنّه يحتوي على مزيج ...

دردشة مع فرناندو بوتيرو

صورة
الرسّام الكولومبي فرناندو بوتيرو شخص مثير للجدل. النقّاد لا يستسيغونه كثيرا. بينما يتنافس جامعو الأعمال الفنية على شراء واقتناء لوحاته. شهرته في بلده كولومبيا لا تختلف عن شهرة مواطنه الروائي غارسيا ماركيز. ورغم ارتباطه الكبير بوطنه، إلا انه لا يقضي فيه أكثر من شهر واحد في السنة لأسباب أمنية. وفي كلّ الأحوال، لا ينام بوتيرو في بيته إلا بصحبة شخصين أو ثلاثة، كما يستخدم في تنقّلاته اليومية سيّارة مضادّة للرصاص. بوتيرو حلّ مؤخّرا في لندن، وكانت تلك مناسبة للحديث معه وسماع بعض الحكايات منه عن الاختطاف والفساد وسرّ حبّه للنساء البدينات. بوتيرو رجل غاضب غالبا. وقد أتى إلى لندن لحضور أوّل معرض يقام للوحاته في المملكة المتّحدة منذ 26 عاما. "لا أحد دعاني إلى هنا. وإحساسي أن هذا الأمر قد يكون مجرّد مصادفة". غير أن بوتيرو يعتقد انه محظور. "لقد ظلّ النقّاد يكتبون عنّي طوال حياتي بغضب وحنق". لوحات بوتيرو، التي يصوّر فيها جنرالات كولومبيا وصالات الرقص ومحلات الدعارة والرهبان والأساقفة وأفراد الطغمة العسكرية الحاكمة، معروفة في جميع أنحاء العالم. بعض نقّاد الفنّ المعاصر يصفون لوحا...

الانطباعية الزُخْرفية

صورة
في بدايات القرن الماضي، تحوّلت قرية جيفرني الفرنسية إلى قبلة للرسّامين الذين قصدوا القرية بحثا عن فرص الرسم في الهواء الطلق والحياة الاجتماعية. وكان هناك عامل إضافي اجتذبهم إلى ذلك المكان وتمثّل في وجود كلود مونيه رائد الانطباعية الذي استقرّ في جيفرني منذ مطلع العام 1883م. ورغم أن مونيه لم يشجّع الآخرين على أن يقتفوا أثره إلى القرية التي أقام فيها ابتداءً من عام 1883، إلا أن جيفرني أصبحت بسرعة حاضنة للرسّامين من جميع أرجاء العالم. وكان من بين من قصدوها مجموعة من الرسّامين الأمريكيين الذين عبّروا عن رؤيتهم الفريدة عن الطبيعة الفرنسية من خلال أسلوب جديد في الرسم سُمّي في ما بعد بالانطباعية الزخرفية. ويرجع الفضل في صياغة مصطلح "الانطباعية الزخرفية" للكاتب كريستيان برينتون الذي استخدمه لأوّل مرّة عام 1911. وقد اختاره برينتون عنوانا لمقال كتبه عن مواطنه الرسّام الأمريكي فريدريك كارل فريسيكا احد أعضاء مستعمرة جيفرني المشهورة للانطباعيين الأمريكيين. ومع ذلك، فقد تمّ إحياء استخدام هذا المصطلح في العقود الأخيرة من قبل مؤّرخ الفنّ وليام غيرتس ليصف به اللوحات التي تصوّر أشخاصا والتي رس...