"رأيت قسوة لم يرَ مثلها ولا يتوقّع رؤيتها أيّ كائن حيّ".
بارتولومي دي لاس كاساس
❉ ❉ ❉
وصل كريستوفر كولومبوس إلى كوبا في أكتوبر 1492 أثناء رحلته الأولى إلى العالم الجديد. وسرعان ما أعلن تابعية الجزيرة للعرش الإسباني وأطلق عليها اسم "خوانا" تيمّنا باسم الأمير خوان نجل الملك فرديناند والملكة إيزابيلا.
وفي عام 1514، عُيّن دييغو ڤيلاسكيز دي كويّار أوّل حاكم لكوبا، وهو المنصب الذي شغله لعدّة سنوات. وقد انخرط المستعمرون الإسبان في مواجهات عنيفة مع السكّان الأصليين الذين قوبلت محاولاتهم لمقاومة الحكم الإسباني بأعمال وحشية. كما أُجبروا على العمل في المزارع والمناجم، ما أدّى إلى ظروف قاسية ومعدّلات وفيات عالية بينهم.
وكان من أهمّ من كتبوا عن تاريخ تلك الفترة بارتولومي دي لاس كاساس (1484 - 1566) الذي كان رجل دين وكاتبا ومؤرّخا إسبانيّا. وبصفته راهبا، شارك "لاس كاساس" في غزو دييغو دي كويّار لكوبا، وشهد العديد من الفظائع التي ارتكبها الإسبان ضد الهنود.
وقد اشتهر "لاس كاساس" باعتباره أوّل "مدافع عن الهنود" يعيّن رسميّا. وكان قد وصل مع أوائل المستوطنين الإسبان في الأمريكتين، لكنه شعر في النهاية بأنه مضطرّ لمعارضة الانتهاكات التي ارتُكبت ضدّ السكان الأصليين، مدفوعا بقلقه على أرواح الشعوب الأصلية وخوفه من تعرّض إسبانيا "للعقاب الإلهي". وتتناول كتاباته الكثيرة وصفا وشجبا للفظائع التي رآها.
وأحد أهمّ كتب "لاس كاساس" هو كتابه "تاريخ موجز لتدمير جزر الانديز" الذي كان واحدا من أولى المحاولات التي بذلها كاتب إسباني من العصر الاستعماري لتصوير المعاملة غير العادلة التي تحمّلها السكّان الأصليون خلال المراحل المبكّرة من الغزو الإسباني.
السطور التالية عبارة عن فقرات مترجمة من الكتاب..
وفي عام 1514، عُيّن دييغو ڤيلاسكيز دي كويّار أوّل حاكم لكوبا، وهو المنصب الذي شغله لعدّة سنوات. وقد انخرط المستعمرون الإسبان في مواجهات عنيفة مع السكّان الأصليين الذين قوبلت محاولاتهم لمقاومة الحكم الإسباني بأعمال وحشية. كما أُجبروا على العمل في المزارع والمناجم، ما أدّى إلى ظروف قاسية ومعدّلات وفيات عالية بينهم.
وكان من أهمّ من كتبوا عن تاريخ تلك الفترة بارتولومي دي لاس كاساس (1484 - 1566) الذي كان رجل دين وكاتبا ومؤرّخا إسبانيّا. وبصفته راهبا، شارك "لاس كاساس" في غزو دييغو دي كويّار لكوبا، وشهد العديد من الفظائع التي ارتكبها الإسبان ضد الهنود.
وقد اشتهر "لاس كاساس" باعتباره أوّل "مدافع عن الهنود" يعيّن رسميّا. وكان قد وصل مع أوائل المستوطنين الإسبان في الأمريكتين، لكنه شعر في النهاية بأنه مضطرّ لمعارضة الانتهاكات التي ارتُكبت ضدّ السكان الأصليين، مدفوعا بقلقه على أرواح الشعوب الأصلية وخوفه من تعرّض إسبانيا "للعقاب الإلهي". وتتناول كتاباته الكثيرة وصفا وشجبا للفظائع التي رآها.
وأحد أهمّ كتب "لاس كاساس" هو كتابه "تاريخ موجز لتدمير جزر الانديز" الذي كان واحدا من أولى المحاولات التي بذلها كاتب إسباني من العصر الاستعماري لتصوير المعاملة غير العادلة التي تحمّلها السكّان الأصليون خلال المراحل المبكّرة من الغزو الإسباني.
السطور التالية عبارة عن فقرات مترجمة من الكتاب..
❉ ❉ ❉
في عام 1511، عبَر الإسبان إلى جزيرة كوبا، التي يبلغ طولها من بلد الوليد إلى روما. كانت هناك مقاطعات جميلة ومزدهرة يمكن رؤيتها، مليئة بأعداد هائلة من الناس، الذين لم يلقوا معاملة حسنة أو لائقة من الإسبان. وعلى العكس من ذلك، يبدو أن الإسبان ضاعفوا قسوتهم على الكثير من السكّان الأصليين.
وقد حدثت أشياء مختلفة في هذه الجزيرة تستحقّ الملاحظة. فقد تراجع زعيم ثريّ وقويّ يُدعى هاتبوي إلى إحدى الجزر لتجنّب الاستعباد والموت اللذين هدّده بهما الإسبان. ولما علم أن مضطهديه على وشك النزول في الجزيرة، جمع كلّ رعيّته وخدمه وألقى عليهم خطابا مؤثّرا قال فيه: لقد علمتم بالأخبار التي انتشرت في الخارج عن أن الإسبان مستعدّون لغزو بلادنا. وأنتم لا تجهلون سوء المعاملة التي لقيها معارفنا ومواطنونا على أيديهم والوحشية التي عوملوا بها. وهم سيأتون الآن إلى هنا لكي يرتكبوا ضدّنا نفس تلك الفظائع".
ثم سألهم: هل تجهلون النوايا السيّئة للشعب الذي أتحدّث عنه؟ فقالوا جميعا بصوت واحد: نحن لا نعرف لماذا أتوا إلى هنا. لكننا نعرف أنهم مجموعة شرّيرة وقاسية". فقال الزعيم: سأقول لكم إن هؤلاء الأوروبيّين يعبدون إلها جشعا للغاية ومن الصعب إرضاؤه. ولكي يؤدّوا عبادتهم لهذا الصنم، سيستولون على كنوزنا وسيبذلون قصارى جهدهم لإخضاعنا لحالة بائسة من العبودية أو قتلنا".
وقد حدثت أشياء مختلفة في هذه الجزيرة تستحقّ الملاحظة. فقد تراجع زعيم ثريّ وقويّ يُدعى هاتبوي إلى إحدى الجزر لتجنّب الاستعباد والموت اللذين هدّده بهما الإسبان. ولما علم أن مضطهديه على وشك النزول في الجزيرة، جمع كلّ رعيّته وخدمه وألقى عليهم خطابا مؤثّرا قال فيه: لقد علمتم بالأخبار التي انتشرت في الخارج عن أن الإسبان مستعدّون لغزو بلادنا. وأنتم لا تجهلون سوء المعاملة التي لقيها معارفنا ومواطنونا على أيديهم والوحشية التي عوملوا بها. وهم سيأتون الآن إلى هنا لكي يرتكبوا ضدّنا نفس تلك الفظائع".
ثم سألهم: هل تجهلون النوايا السيّئة للشعب الذي أتحدّث عنه؟ فقالوا جميعا بصوت واحد: نحن لا نعرف لماذا أتوا إلى هنا. لكننا نعرف أنهم مجموعة شرّيرة وقاسية". فقال الزعيم: سأقول لكم إن هؤلاء الأوروبيّين يعبدون إلها جشعا للغاية ومن الصعب إرضاؤه. ولكي يؤدّوا عبادتهم لهذا الصنم، سيستولون على كنوزنا وسيبذلون قصارى جهدهم لإخضاعنا لحالة بائسة من العبودية أو قتلنا".
ثم تناول الزعيم صندوقا مليئا بالذهب والمجوهرات الثمينة كان معه ورفعه أمامهم وقال: هذا هو إله الإسبان الذي يجب أن نكرّمه بألعابنا ورقصاتنا، لنرى ما إذا كان بإمكاننا استرضاؤه حتى يأمر الإسبان بعدم إيذائنا". صفّق الجميع لخطاب الزعيم، وأخذوا يقفزون ويرقصون حول الصندوق حتى استهلكوا قواهم. ثم استأنف الزعيم هاتبوي حديثه وقال: إذا احتفظنا بهذا الإله إلى أن يُنتزع منّا، فلسوف يتسبّب في قتلنا. لذا أرى أن أفضل طريقة هي إلقاؤه في النهر". ووافق الجميع على هذا الرأي وذهبوا معا لرمي ذلك الإله المزعوم في النهر.
وما أن وصل الإسبان إلى جزيرة الرجل وقومه حتى بدأ هذا الزعيم الذي كان يعرفهم جيّدا في التفكير في الانسحاب لحماية نفسه من غضبهم. كان قد قرّر الدفاع عن نفسه بقوّة السلاح لو التقى بهم وجها لوجه، غير انه وقع للأسف في أيديهم. ولأنه اتخذ كلّ الاحتياطات الممكنة لتجنّب اضطهادهم له وحمَل السلاح للدفاع عن حياته وحياة رعيّته، فقد أصبحت تلك جريمة كبرى في عُرف الغزاة، فقرّروا إحراقه وهو حيّ.
وبينما كان الزعيم الهندي مقيّدا إلى عمود بانتظار أن يُحرق، تولّى راهب إسباني عظيم التقوى والفضيلة مهمّة التحدّث مع الزعيم عن الله والدين وشرح بعض مقولات الإيمان الكاثوليكي التي لم يسمع عنها من قبل. ثم وعده بالحياة الأبدية إذا آمن، وهدّده بالعذاب الأبدي إن استمرّ في عناده و"كفره".
فكّر هاتبوي في الأمر بقدر ما سمح له المكان والظرف الذي كان فيه. ثم وجّه سؤالا للراهب: هل بوّابة السماء مفتوحة للإسبان أيضا؟ فأجاب الراهب: الإسبان أناس صالحون ويأملون في دخول الجنّة". فردّ عليه الزعيم على الفور: إذن لا أريد الذهاب إلى جنّة يوجد فيها مثل هؤلاء، بل إنني أفضّل الذهاب إلى الجحيم على رؤية هؤلاء القساة في الجنّة".
الأفعال الشرّيرة والقاسية التي ارتكبها الإسبان أساءت إلى اسم الله ودينه في أذهان الأميركيين الأصليين. في أحد الأيّام، جاء إلينا عدد كبير من سكّان مدينة تقع على بعد كيلومترات من المكان الذي أقمنا فيه. كانت غايتهم إطراءنا ومدّنا بكلّ أنواع المؤن التي نحتاجها. وقد جاملونا كثيرا وداعبونا بأكثر الطرق تودّدا وإرضاءً.
لكن الروح الشرّيرة التي استحوذت على الإسبان جعلتهم في حال من الغضب المفاجئ ضدّهم، حتى أنهم هاجموهم وقتلوا أكثر من 3 آلاف منهم من الرجال والنساء على مدى أيّام، دون أن يُستفزّوا أو يتعرّضوا لأدنى إساءة منهم. وقد كنت شاهد عيان على هذه الوحشية. ومهما كانت الجهود المبذولة لاسترضاء الإسبان، فقد كان من المستحيل إخضاعهم للعقل. فقد كانوا مصمّمين على إشباع غضبهم بهذا العمل الشرّير والهمجي.
وبعد ذلك بفترة، بعثتُ رسلاً إلى أعيان الهنود في مقاطعة هاڤانا، لتشجيعهم وإقناعهم بالبقاء في أرضهم وعدم إزعاج أنفسهم بالبحث عن أماكن نائية للاختباء فيها. كما نصحتهم بالقدوم إلينا مع ضمان منّا بحمايتهم. كانوا يعرفون جيّدا مدى سلطتي على باقي الإسبان وقد وعدتهم بألا يتعرّضوا لأذى. كانت المذابح التي عانى منها مواطنوهم في الماضي قد نشرت الخوف والرعب في جميع أنحاء البلاد. وكان ذلك الضمان الذي قدّمته لهم بموافقة من القادة والضبّاط.
وعندما دخلنا تلك المقاطعة، جاء إلينا 22 من زعمائهم. وفي صباح اليوم التالي، بادر قائد قوّاتنا، ودون أيّ اعتبار للوعد الذي قُطِع لهم، بالحكم عليهم بالموت حرقا. وقد زعم أن من الأفضل إعدام هؤلاء الناس لأنهم قد يلجئون في وقت ما لبعض الحيل لمفاجأتنا وتدميرنا. وللأسف واجهتُ كلّ صعوبة في العالم لمنعهم من إلقائهم في النار.
وفي هاڤانا بدأ الهنود الذين رأوا أنفسهم في حال من العبودية الشديدة وأنه لم يعد أمامهم من حلّ آخر، في اللجوء إلى الصحاري والجبال لتأمين أنفسهم من الموت. فخنق بعضهم أنفسهم في يأس، وشنق الآباء أنفسهم مع أطفالهم لوضع نهاية أسرع لبؤسهم ومعاناتهم. وقد هلك أكثر من 200 هندي بهذه الطريقة لتجنّب قسوة الإسبان.
وحَكم الكثير منهم بعد ذلك طواعيةً على أنفسهم بهذا النوع من الموت، على أمل أن يضعوا بذلك حدّا للبؤس الذي ألحقه بهم مضطهدوهم. وكان لدى شخص إسباني كان يحمل لقب "سيّد" في هذه الجزيرة 300 هندي في خدمته. وقد دمّر حياة 160 منهم في أقلّ من 3 أشهر بسبب العمل المرهق الذي فرضه عليهم باستمرار.
وقد رأيت بأمّ عيني أكثر من ستّة آلاف طفل يموتون في غضون ثلاثة أو أربعة أشهر، حيث أُجبر آباؤهم على التخلّي عنهم وحُكم عليهم بالعمل في المناجم. وبعد ذلك، قرّر الإسبان ملاحقة الهنود الذين انسحبوا إلى الجبال، فقتلوا أعدادا كبيرة منهم حتى أصبحت هذه الجزيرة خرابة خالية من السكّان في وقت قصير للغاية. ومن المؤسف حقّا أن نرى بلدا جميلا يعامَل بهذا القدر من التدمير والوحشية.
وما أن وصل الإسبان إلى جزيرة الرجل وقومه حتى بدأ هذا الزعيم الذي كان يعرفهم جيّدا في التفكير في الانسحاب لحماية نفسه من غضبهم. كان قد قرّر الدفاع عن نفسه بقوّة السلاح لو التقى بهم وجها لوجه، غير انه وقع للأسف في أيديهم. ولأنه اتخذ كلّ الاحتياطات الممكنة لتجنّب اضطهادهم له وحمَل السلاح للدفاع عن حياته وحياة رعيّته، فقد أصبحت تلك جريمة كبرى في عُرف الغزاة، فقرّروا إحراقه وهو حيّ.
وبينما كان الزعيم الهندي مقيّدا إلى عمود بانتظار أن يُحرق، تولّى راهب إسباني عظيم التقوى والفضيلة مهمّة التحدّث مع الزعيم عن الله والدين وشرح بعض مقولات الإيمان الكاثوليكي التي لم يسمع عنها من قبل. ثم وعده بالحياة الأبدية إذا آمن، وهدّده بالعذاب الأبدي إن استمرّ في عناده و"كفره".
فكّر هاتبوي في الأمر بقدر ما سمح له المكان والظرف الذي كان فيه. ثم وجّه سؤالا للراهب: هل بوّابة السماء مفتوحة للإسبان أيضا؟ فأجاب الراهب: الإسبان أناس صالحون ويأملون في دخول الجنّة". فردّ عليه الزعيم على الفور: إذن لا أريد الذهاب إلى جنّة يوجد فيها مثل هؤلاء، بل إنني أفضّل الذهاب إلى الجحيم على رؤية هؤلاء القساة في الجنّة".
الأفعال الشرّيرة والقاسية التي ارتكبها الإسبان أساءت إلى اسم الله ودينه في أذهان الأميركيين الأصليين. في أحد الأيّام، جاء إلينا عدد كبير من سكّان مدينة تقع على بعد كيلومترات من المكان الذي أقمنا فيه. كانت غايتهم إطراءنا ومدّنا بكلّ أنواع المؤن التي نحتاجها. وقد جاملونا كثيرا وداعبونا بأكثر الطرق تودّدا وإرضاءً.
لكن الروح الشرّيرة التي استحوذت على الإسبان جعلتهم في حال من الغضب المفاجئ ضدّهم، حتى أنهم هاجموهم وقتلوا أكثر من 3 آلاف منهم من الرجال والنساء على مدى أيّام، دون أن يُستفزّوا أو يتعرّضوا لأدنى إساءة منهم. وقد كنت شاهد عيان على هذه الوحشية. ومهما كانت الجهود المبذولة لاسترضاء الإسبان، فقد كان من المستحيل إخضاعهم للعقل. فقد كانوا مصمّمين على إشباع غضبهم بهذا العمل الشرّير والهمجي.
وبعد ذلك بفترة، بعثتُ رسلاً إلى أعيان الهنود في مقاطعة هاڤانا، لتشجيعهم وإقناعهم بالبقاء في أرضهم وعدم إزعاج أنفسهم بالبحث عن أماكن نائية للاختباء فيها. كما نصحتهم بالقدوم إلينا مع ضمان منّا بحمايتهم. كانوا يعرفون جيّدا مدى سلطتي على باقي الإسبان وقد وعدتهم بألا يتعرّضوا لأذى. كانت المذابح التي عانى منها مواطنوهم في الماضي قد نشرت الخوف والرعب في جميع أنحاء البلاد. وكان ذلك الضمان الذي قدّمته لهم بموافقة من القادة والضبّاط.
وعندما دخلنا تلك المقاطعة، جاء إلينا 22 من زعمائهم. وفي صباح اليوم التالي، بادر قائد قوّاتنا، ودون أيّ اعتبار للوعد الذي قُطِع لهم، بالحكم عليهم بالموت حرقا. وقد زعم أن من الأفضل إعدام هؤلاء الناس لأنهم قد يلجئون في وقت ما لبعض الحيل لمفاجأتنا وتدميرنا. وللأسف واجهتُ كلّ صعوبة في العالم لمنعهم من إلقائهم في النار.
وفي هاڤانا بدأ الهنود الذين رأوا أنفسهم في حال من العبودية الشديدة وأنه لم يعد أمامهم من حلّ آخر، في اللجوء إلى الصحاري والجبال لتأمين أنفسهم من الموت. فخنق بعضهم أنفسهم في يأس، وشنق الآباء أنفسهم مع أطفالهم لوضع نهاية أسرع لبؤسهم ومعاناتهم. وقد هلك أكثر من 200 هندي بهذه الطريقة لتجنّب قسوة الإسبان.
وحَكم الكثير منهم بعد ذلك طواعيةً على أنفسهم بهذا النوع من الموت، على أمل أن يضعوا بذلك حدّا للبؤس الذي ألحقه بهم مضطهدوهم. وكان لدى شخص إسباني كان يحمل لقب "سيّد" في هذه الجزيرة 300 هندي في خدمته. وقد دمّر حياة 160 منهم في أقلّ من 3 أشهر بسبب العمل المرهق الذي فرضه عليهم باستمرار.
وقد رأيت بأمّ عيني أكثر من ستّة آلاف طفل يموتون في غضون ثلاثة أو أربعة أشهر، حيث أُجبر آباؤهم على التخلّي عنهم وحُكم عليهم بالعمل في المناجم. وبعد ذلك، قرّر الإسبان ملاحقة الهنود الذين انسحبوا إلى الجبال، فقتلوا أعدادا كبيرة منهم حتى أصبحت هذه الجزيرة خرابة خالية من السكّان في وقت قصير للغاية. ومن المؤسف حقّا أن نرى بلدا جميلا يعامَل بهذا القدر من التدمير والوحشية.
❉ ❉ ❉
عندما عاد "لاس كاساس" إلى إسبانيا كانت كتاباته قد سبقته إلى هناك، فقوبل بسيل من الاتهامات التي وجد فيها العديد من معارضيه فرصة لاتهامه بإنكار شرعية الحكم الإسباني للمستعمرات، وبالتالي شكلا من أشكال الخيانة. وفي عام 1548، أصدر التاج مرسوما يقضي بحرق كتابه. وقد دافع عن نفسه بقوله إن الشرعية الوحيدة التي يمكن للإسبان من خلالها المطالبة بسلطة على ممالك العالم الجديد هي سلطة التبشير السلمي وليس الحروب غير القانونية وغير العادلة.
وقد أسهمت كتابات وشهادات "لاس كاساس" عن الطبيعة السلمية للأمريكيين الأصليين على تشجيع انتهاج سياسات أقلّ عنفا وتطرّفا تجاه الهنود لجلبهم الى المسيحية.
وقد أسهمت كتابات وشهادات "لاس كاساس" عن الطبيعة السلمية للأمريكيين الأصليين على تشجيع انتهاج سياسات أقلّ عنفا وتطرّفا تجاه الهنود لجلبهم الى المسيحية.
Credits
suite101.com
suite101.com