جياكوميتّي: سارتر النحت
في عام 1939، وفي احد المقاهي الليلية في باريس، كان يجلس النحّات السويسريّ البيرتو جياكوميتّي (1901-1966). كان المقهى شبه فارغ في تلك الساعة المتأخّرة من الليل. ثم جاء رجل وجلس على المائدة المجاورة. ولم يلبث أن أمال رأسه ناحية جياكوميتّي وقال: المعذرة، لقد رأيتك هنا مرارا وأظنّ أننا نفهم بعضنا جيّدا". ثم صمت قليلا وأضاف: ليس معي نقود، ولا ادري إن كان بمقدورك أن تطلب لي كوبا من القهوة". ولم يكن من عادة جياكوميتّي أن يرفض مثل ذلك الطلب. ثم تلا ذلك حديث طويل بدا أثناءه أن الرجلين يفهمان بعضهما بالفعل. كان جياكوميتّي قد سمع عن جان بول سارتر من قبل، لكن كانت تلك أوّل مرّة يراه فيها عيانا. وسارتر من ناحيته كان قد سمع الكثير عن جياكوميتّي ورأى بعضا من منحوتاته. وكان ذلك اللقاء بداية لعلاقة وثيقة وممتدّة بين الفيلسوف والنحّات. وقد كتب سارتر بعد ذلك اللقاء مقالا مشهورا بعنوان "البحث عن المطلق"، تحدّث فيه عن جياكوميتّي وامتدح فنّه وأشار إلى انه يطرح أسئلة وجودية عن البشرية وعن هشاشة وغربة الإنسان. وكان النحّات نفسه قد بدأ يرى في أفكاره وفنّه امتدادا للتقاليد ال...