:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


الجمعة، مايو 16، 2025

خواطر في الأدب والفن


  • لم يكن المصوّر الفوتوغرافي جون بلاكمور (1955 - 2010) يهتمّ بتصوير تضاريس المنظر الطبيعي، بل سعى بدلا من ذلك إلى نقل الإحساس بالطاقة والديناميكية الكامنة في المشهد الطبيعي وتأثيراته والشعور الروحي بالمكان. وكان يفضّل أن يُنظَر إليه كصانع صور وليس كمصوّر فوتوغرافي، ولهذا السبب أصبح أستاذا بارعا في حرفة التصوير الفوتوغرافي أحاديّ اللون.
    في صور بلاكمور هناك دائما شعور بالاستكشاف وعلاقة معمّقة مع الموضوع. وبالنسبة له فإن أيّ شيء قد يُثير الدهشة ويُحفّز على البحث، من الأشواك في حديقة مهملة إلى آنية من أزهار الزنبق أو النرجس الخ.
    وقبل أن يلتقط صورة، كان يجلس مغمض العينين لعشرين دقيقة تقريبا، يسمح لنفسه أثناءها بالشعور بملامسة الأرض وسماع أصوات الطبيعة التي لا تُحصى والإحساس بحركة الهواء والنموّ الطفيلي للطحالب والتحام الأشجار والصخور. وكان لهذا هدفان: التناغم مع المكان وتبديد أيّ تصوّرات مسبقة عن الصور التي يمكن التقاطها.
    صُوَر بلاكمور شخصية ومكثّفة مع صدى شعري وجمال خاص، كمثل تصويره جروح الأشجار على اللحاء المثقوب والمشوّه والأغصان المتشابكة والمعقّدة والأشجار العارية التي تحتضر بين أوراق الشجر المحيطة. وفي مناظره للبحر وشروق الشمس، ينقل المصوّر حزنا غريبا وساكنا وحادّا. ولطالما كان التصوير بالنسبة له شغفا بالاستكشاف، وقد التقط بعضا من أشهر صور المناطق البرّية في إنغلترا وويلز. ولكن مع تآكل الأرض بفعل الإنسان، لم يعد يشعر بالحرّية في البرّية، وصار يفضّل رسم مناظره الطبيعية من الحطام الذي يجده في الحدائق.
    قال ذات مرّة: قضيتُ وقتا طويلا أتأمّل الزهور، والكاميرا بعيدة عن أفكاري. واستمتعتُ بحضور الزنبق الأخّاذ. ولاحظت أن النرجس، برغم جماله الأخّاذ، يتّسم بجمود عنيد في الشكل. أما الزنبق ففي تحوّل دائم، إذ يمتدّ نحو النور ويشير إلى احتلال المكان. هذه الفترات من التأمّل والمتعة البصرية، تُعدّ دائما جزءا لا يتجزّأ من عملي، إذ تُعمِّق تجربتي وعلاقتي بالموضوع".
  • ❉ ❉ ❉


    ❉ ❉ ❉

  • تأليف موسيقى لفيلم سينمائي مهمّة صعبة وتتطلّب كثيرا من الجهد والإبداع. يقول الموسيقيّ الألماني هانز زيمر أحد أشهر مؤلّفي موسيقى الأفلام اليوم: أوّل خطوة في مشروع تأليف موسيقى لفيلم هي أن أطلب الخروج لتناول العشاء مع المخرج، وبعد ذلك أساله عن قصّة الفيلم. وطبعا لن يقرأ عليّ النص، بل سيخبرني بالقصّة مع التركيز على الأجزاء التي يعتبرها مهمّة. من هنا، تبدأ الموسيقى بالتشكّل ونبدأ بالحديث عن الأنغام والألوان.
    وبعض الناس يظنّون أن المقطوعات الموسيقية يجب أن تكون قصيرة، لأن لا وقت للموسيقى الطويلة. وهذا كلام غير صحيح. فالناس يشاهدون البرامج التلفزيونية الطويلة. كما أن موسيقى الأفلام متفاوتة في طولها، فلحن فيلم "قراصنة الكاريبي" كاملا كان حوالي 14 دقيقة، بينما لحن فيلم "فارس الظلام" كان 22 دقيقة.
    ويضيف: كثيرا ما أستمتع بتقديم كلّ ما هو غير متوقّع. خذ "الأسد الملك" مثلا، هذا الفيلم لم يحقّق نجاحا كبيرا في شبّاك التذاكر فحسب، بل ضَمِن لي أوّل جائزة أوسكار لأفضل موسيقى تصويرية. وفيلم "المصارع" واجه عددا هائلا من المشاكل، لكن العمل عليه كان ممتعا، ولم أتوقّع أن يحقّق نجاحا باهرا. وعند كتابتي موسيقى فيلم "شيرلوك هولمز" عام ٢٠٠٩، استندتُ إلى فوضى لندن الفيكتورية وملأت الموسيقى التصويرية بإيقاعات البانجو والكمان، ما أثار قلق الاستوديو. ومع ذلك حقّق الفيلم نجاحا معتبرا.
    ويختم زيمر كلامه بالقول: يمكنك أن تقول الكثير من الأشياء السيّئة عن صناعة السينما، وكلّها صحيحة، لكنها المكان الوحيد على وجه الأرض الذي لا يزال يكلّف الملحّنين بتأليف موسيقى أوركسترالية. وإذا اختفت الأوركسترا، فسنخسر جزءا كبيرا ممّا يجعلنا بشرا، أي الإنجاز الإنساني المتمثّل في قدرتنا على الابداع. وأحد الأشياء التي أسعى إليها هو جعل أمريكا تنظر إلى نفسها من جديد، أحيانا بدهشة وأحيانا برعب".
  • ❉ ❉ ❉

  • أحيانا نسمع بعض الناس يقولون: بعد كذا سنة من الآن، سأجد الوظيفة المناسبة وستصبح ظروفي على أفضل ما يُرام. وبعدها سأتزوّج وأنجب أطفالاً. وعندما أتقاعد، سأفعل كلّ ما أريد وأعيش الحياة التي كنت أحلم بها، أسافر وأرفّه عن نفسي وآخذ الحياة بجدّية أقلّ".
    لكن مع مرور السنوات، يفقد الإنسان قوّته وصحّته والأشخاص الذين كانوا حوله. ونتيجةً لذلك، تصبح حياته كلّها انتظارا لا نهاية له. يقول أحدهم: كنت مشغولاً جدّاً بعملي لدرجة أنني كنتُ أضطرّ لتناول وجباتي بسرعة. كان كلّ همّي جمع المال والحصول على الترقية والزيادة في الراتب. الآن، غالباً لا أجد ما أفعله، لكنّني أجد السعادة عندما أحلم أو أقرأ أو أكتب أو أتحدّث مع عائلتي. قلّة المال لا تُنقِص من سعادتي، لأنني بدأتُ أعيش كلّ لحظة بمتعة وحماس".
    ذات مرّة طلب طفل من أمّه أن تقطف له بعض العنب من على شجرة. لكن الأم تردّدت في قطف العنب الأخضر وأرادت الانتظار حتى ينضج. وعندما نضج جاء الطفل ليطلبه مرّة أخرى. لكن الأم كانت قد قرّرت أن تترك العنب على الشجرة بانتظار أن تصنع منه حلوى ومربّيات.
    وعندما بدا أن كلّ شيء صار جاهزا لقطف الثمار، جاءت الطيور باحثةً عن طعامها، وهبّت عاصفة قويّة وغير متوقّعة، وأتت الشمس المحرقة على البقيّة، ولم يبقَ على الأغصان سوى القليل من العنب.
    في الواقع، ليس لدينا سوى الحاضر، أما المستقبل فبعيد المنال وفي علم الغيب.
    الحياة مثل الفصول الأربعة. الربيع له جماله الدافئ الخاص، والصيف له جماله الساخن الخاص، والخريف له جماله الناضج الخاص، والشتاء له جماله البارد الخاص. أزهار الربيع تجعل الناس يشعرون بالسعادة، والقمر في الخريف يجعلهم يشعرون بالاسترخاء، ونسمات الصيف تجعلهم يتخّففون من الحرارة، وثلوج الشتاء تجعلهم يشعرون بالانتعاش. وكلّ هذا يخلقه العقل. فإذا كنت في مزاج سيئ، فإن ما تراه وتشعر به يكون مختلفا. وكلّ مرحلة في الحياة جميلة طالما أنك تدرك كلّ ما لديك الآن.
    هناك صنف من الناس الذين يعلّقون كلّ متعهم الجيّدة على المستقبل. فهم يعتقدون أنهم يجب أن يعانوا أكثر الآن لكي يستمتعوا بالأيام الجميلة القادمة، لكنهم لا يعرفون كيف يستمتعون بالحاضر وينسون أن القلق المستمرّ بشأن المستقبل يمكن أن يؤدّي إلى فقدان الصحّة أو حتى الحياة، وأن الحاضر هو كلّ ما لدينا.
    الأشياء في هذا العالم لا يمكن التنبّؤ بها. فنحن لا نعلم إن كنّا سنستيقظ غدا بعد أن نمنا، ولا نعلم ما إذا كنّا سنعود إلى المنزل بأمان بعد خروجنا منه، ونعتقد أن لدينا عمراً كاملاً لنضيّعه. لكن في الحقيقة كلّ ما لدينا هو اليوم فقط. والشيء الذي نحتاج إلى التفكير فيه أكثر من أيّ شيء آخر هو كيف نعيش حياتنا بشكل جيّد في هذه اللحظة.
    أن تجعل كلّ لحظة من حياتك رائعة وذات معنى هو أسلوب الحياة الذي ينبغي أن يتمتّع به كلّ واحد منّا. لذا لا تعش حياتك في حالة انتظار إلى ما لا نهاية!

  • Credits
    dewilewis.com
    hans-zimmer.com

    الأربعاء، مايو 14، 2025

    رمزية الماء


    لعبت الأنهار عبر التاريخ دورا مهمّا في تشكيل ثقافات العالم وكانت مصدرا للحياة والعيش على الأرض. والعديد من الحضارات القديمة، مثل مصر وبلاد ما بين النهرين، استقرّت على ضفاف الأنهار مثل النيل ودجلة والفرات، مستغلّةً قوّتها ومواردها.
    وفي الكثير من الثقافات، يُعتقد أن الأنهار مقدّسة وتسكنها آلهة أو أرواح قويّة. وغالبا ما ترتبط بالخلق والخصوبة والتطهير. على سبيل المثال، في الأساطير الهندوسية، يُعتبر نهر الغانج إلها يحظى بالتبجيل لخصائصه المطهّرة.
    كلمة نهر، أو "river" بالإنغليزية، مشتقّة من rivus"" اليونانية التي تعني الانقسام او الانفصال. والمعنى لا ينصرف للجيولوجيا فقط، بل يمتدّ لعالم الاساطير والرموز. فإذا كان النهر يقسم الأرض حرفيّا ويخلق حُفَرا وأخاديد وودياناً، فإنه أيضا يفصل العالم الذي نعيش فيه عن عالم الأموات. وبناءً عليه، فالنهر لا يهب الحياة فقط، بل يذكّرنا أيضا بدورة الطبيعة وبالتغيير الذي يؤدّي إلى الموت.
    وفي كلّ أدبيّات الأديان تقريبا، هناك دائما عنصر "نهر"، في عالم ما بعد الحياة. في البوذية الصينية مثلا، عندما يغادر الإنسان هذه الحياة، يدخل بوّابة تُدعى بوّابة الأشباح، ومنها الى طريق يُسمّى الينابيع الصفراء. وفي نهاية هذا الطريق، يوجد نهر يعلوه جسر. وعلى الجسر تقف امرأة تُمسك بإناء يحتوي على حساء يُقدّم لكلّ شخص يمرّ من هناك. وكلّ من يشرب من هذا الحساء ينسى كلّ شخص رآه وكلّ مكان عرفه وكلّ حادث وقع له في حياته السابقة، ومن ثم يستعدّ للتناسخ.
    فإن كان الشخص الميّت كثير الذنوب في حياته الماضية، فإن الأرواح الشرّيرة والكلاب والأفاعي تطارده الى أن يسقط في ماء النهر الممزوج بلون ورائحة الدم. وكلّ من ينتهي الى هذا المصير فإنه يُحرم من التناسخ. أي أنه يمكن القول إن العقاب في عالم ما بعد الموت في البوذية هو بالحرمان وليس بالعذاب.
    قد تكون إحدى أهمّ الطرق التي هيمنت بها الأنهار على عقولنا هي سرد القصص. في العديد من القصص، لا يُعتبر النهر مكانا ماديّا أو جغرافيّا فحسب، بل هو رمز أكبر بكثير لشيء آخر. والنهر في ذاته طريق مناسب تماما ليكون مثالا قويّا للرحلة التي يجب على البطل القيام بها. ولا يمكن للنهر أن يرمز فقط إلى المسار الذي يجب على المرء أن يسلكه، بل يمكن أيضا أن يكون وسيلة للنزول إلى شيء ما أو الخروج منه.
    في الأدب، تُصوَّر الأنهار على أنها استعارات لرحلة الحياة، حيث تمثّل تياراتها الطبيعة المتغيّرة باستمرار للتجارب الإنسانية. كما استُخدمت لاستكشاف مواضيع النموّ والتحوّل والبحث عن المعنى وصُوّرت على أنها بوّابات إلى عوالم أخرى وحدود بين الفاني والإلهي وكمصادر للقوى الخارقة للطبيعة.
    في رواية "قلب الظلام" لجوزيف كونراد، يبحث البطل عن تاجر عاج مراوغ في أعماق نهر أفريقي. ويتعمّق في ظلام الغابة الذي يظهر أكثر فأكثر أسفل النهر. وهو لا يروي الرحلة الداخلية للبطل فحسب، بل يسلّط الضوء على الرحلة من الحضارة إلى القسوة والبدائية.
    والرحلة على طول أيّ نهر لا بدّ أن تكون مثيرة للاهتمام دائما. ومثل الطريق الذي يؤدّي إلى عالم جديد، يمكن أن يرمز النهر إلى التغيّرات في القيم والشخصيات والأخلاق. وغالبا ما تمتلك الأنهار صفات هادئة توفّر إحساسا بالسكون والتأمّل. وقد يستخدم الأدباء والفنّانون الأنهار لإثارة مزاج تأمّلي وخلق مساحة للسلام والعزاء.
    كما يمكن أن تكون الأنهار بمثابة حدود مادّية أو مجازية تفصل بين مناطق أو عوالم مختلفة. ويمكن أن تمثّل الانقسام بين المعلوم والمجهول والمألوف وغير المألوف وبين الوعي واللاوعي. وقد أصبحت رموزا وأيقونات ثقافية في مختلف المجتمعات حول العالم. فهي لا تمثّل الوجود المادّي للمياه المتدفّقة فحسب، بل تمثّل أيضا قيم وهويّة المجتمع. مثلا، غالبا ما يرتبط نهر المسيسيبي بالتاريخ والثقافة الأمريكية، ويرمز إلى روح الاستكشاف والمغامرة والحرّية.
    وكان للأنهار تأثير كبير على عالم الموسيقى والسينما. واستُلهم عدد لا يُحصى من الأغاني والمقطوعات من جمال الأنهار وقوّتها. كما ظهرت الأنهار في الأفلام، لخلق إحساس بالجوّ والعمق ولعبت دورا حاسما في تشكيل التجربة السينمائية وإضافة طبقات من المعاني إلى السرد البصري.


    وعبر الثقافات والحضارات المختلفة، كان يُنظر الى الماء كرمز للخصوبة والتجديد والولادة والترابط بين جميع الكائنات الحيّة. كما يُعدّ الماء رمزا قويّا للتحوّل واستعارة لرحلة اكتشاف الذات والنموّ الشخصي. وكثيرا ما استُخدم كرمز للسموّ والتنوير الروحي.
    وأحد أشهر الأمثلة الأدبية على الماء كرمز للتحوّل نجده في رواية هيرمان هيسّه "سيدهارتا". في هذه الرواية، يُعتبر النهر بمثابة استعارة لرحلة اكتشاف الذات والاستنارة، حيث يجد بطلها السلام والحكمة من خلال مواجهاته مع المياه المتدفّقة.
    وفي مسرحية "العاصفة" لشكسبير، تصبح بِركة الجزيرة السحرية موقعا للتجديد الروحي والولادة الجديدة للشخصيات، ما يتيح لهم فرصة التخلّص من خطاياهم الماضية والبدء من جديد. وفي الأدب الحديث استخدم مؤلّفون مثل إيزابيل الليندي الأجسام المائية كرموز للخلاص والتجديد، كما في روايتها "بيت الأرواح". وفي شعر المتصوّفة مثل جلال الدين الرومي وحافظ وسعدي الشيرازي وغيرهم، كثيرا ما يُستخدم الماء كاستعارة للإله ورمز للرحلة الروحية.
    وفي أعمال الخيال والواقعية السحرية المعاصرة، غالبا ما يصوَّر الماء كبوّابة إلى عوالم وأبعاد أخرى ورمز للحدود بين العالم الدنيوي وعالم الغيبيات. في بعض الروايات، مثل "سيّد الخواتم"، تعمل البحيرات والمحيطات كبوّابات إلى عوالم أخرى، ما يوفّر للشخصيات الفرصة لتجاوز حدود العالم المادّي والشروع في مهام ملحمية تتّصف بالبطولة والمغامرة.
    سيولة الماء وقدرته على التكيّف تسمح له بعدد لا يُحصى من المعاني والتفسيرات وتشكيل الروايات وإثراء التجربة الإنسانية. وعندما نتعمّق أكثر في رمزية الماء في الأدب، فإننا لا نتعرّف فقط على أهميّته العميقة كمصدر للحياة والتحوّل والسموّ، ولكن أيضا قدرته على إثارة الشعور بالدهشة والرهبة والغموض.
    في أعمال شكسبير وهمنغواي وغارسيا ماركيز، يعمل الماء كرمز قويّ يُضفي العمق والتعقيد على السرد. وسواءً كان الماء بِحَارا مضطربة كما في "العاصفة"، أو أنهارا هادئة كما في "وداعا للسلاح"، أو بحيرات غامضة كما في "مائة عام من العزلة"، فإنه يلعب دورا مركزيّا في تشكيل مصائر الشخصيات وتحديد مسار الأحداث.
    ورمزية الماء والأنهار تمتدّ إلى ما هو أبعد من صفحات الأدب لتشمل أشكالا أخرى من التعبير الفنّي، بما في ذلك الرسم والموسيقى والأفلام. وعلى مرّ التاريخ، قام الرسّامون بتصوير المناظر الطبيعية الهادئة ومياه الأنهار المتدفّقة في أعمالهم الفنّية لنقل إحساس بالهدوء والرهبة.
    والعديد من الرسّامين، مثل مونيه وكونستابل وتيرنر وغيرهم، استدعوا الجمال الأثيري للماء في مناظرهم البحرية والطبيعية المشهورة. في حين استحضر مؤلّفون موسيقيون، مثل كلود ديبوسي ويوهان شتراوس، سيولة وإيقاع الماء في مؤلّفاتهم السيمفونية. وفي الأفلام، غالباً ما يُستخدم الماء بشكل رمزي لإثارة مجموعة من المشاعر والحالات المزاجية، بدءاً من الهدوء الساكن لبحيرة إلى القوّة الساحقة لعاصفة هوجاء.
    وهكذا فإن رمزية الماء في الأدب والفنون هي شهادة على القوّة الدائمة لسرد القصص والخيال البشري. ومن خلال صوره المثيرة للذكريات ورمزيّته العميقة، يدعونا الماء لنبدأ رحلة اكتشاف لأعماقه الخفيّة الكامنة تحت السطح والتفكير في ألغاز الوجود والتأمّل في الطبيعة الدورية للحياة والموت واحتضان قوّة التغيير والتحوّل.

    Credits
    wisdomlib.org
    riversarelife.com

    الاثنين، مايو 12، 2025

    خواطر في الأدب والفن


  • ذات مرّة طرح كاتب على قرّائه السؤال التالي: إذا سقطت شجرة في غابة لا يوجد بها بشر، فهل سيكون هناك أيّ صوت؟". ثم أجاب على السؤال بقوله: لا، لأن الصوت هو الإحساس الذي تثيره الأذن عندما يتمّ تحريك الهواء أو أيّ وسيط آخر".
    ثم أثار كاتب آخر الجانب الفنّي لهذا السؤال بينما أغفل الجانب الفلسفي عندما طرح السؤال بصيغة مختلفة قليلاً: إذا سقطت شجرة على جزيرة غير مأهولة، فهل سيكون هناك أيّ صوت؟" وأعطى إجابة أكثر تقنيةً بقوله: الصوت هو اهتزاز ينتقل إلى حواسّنا من خلال آليّة الأذن، ولا يتمّ التعرّف عليه كصوت إلا في مراكز أعصابنا. سيؤدّي سقوط الشجرة أو أيّ اضطراب آخر إلى إحداث اهتزاز في الهواء. وإذا لم تكن هناك آذان تسمع، فلن يكون هناك صوت".
    في إحدى جولات آينشتاين اليومية مع زميل له، توقّف فجأة والتفتَ إلى الزميل قائلا: هل تعتقد حقّا أن القمر موجود فقط إذا نظرت إليه؟". هل يمكن لشيء أن يوجد دون أن يُدرَك بالوعي؟ وهل الصوت لا يكون صوتا إلا إذا سمعه شخص ما؟!
    الموضوع الفلسفي الذي يطرحه السؤال يتعلّق بوجود الشجرة "والصوت الذي تنتجه" خارج الإدراك البشري. فإذا لم يكن هناك أحد حول الشجرة ليراها أو يسمعها أو يلمسها أو يشمّها، فكيف يمكن القول إنها موجودة؟! وماذا يعني أن نقول إنها موجودة عندما يكون هذا الوجود غير معروف؟ من وجهة نظر علمية، هي موجودة والبشر هم القادرون على إدراكها.
    الصوت يمكن تعريفه بأنه إدراكنا لاهتزازات الهواء. وبالتالي، لا وجود للصوت إذا لم نسمعه. وعندما تسقط شجرة، تتسبّب الحركة في اضطراب الهواء وإرسال موجات هوائية. هذه الظاهرة الفيزيائية، التي يمكن قياسها بأدوات أخرى غير آذاننا، موجودة بغضّ النظر عن إدراك الإنسان لها بالرؤية أو السماع. وإذا جمعنا هذه الخطوط الفكرية معا، يمكننا القول أنه على الرغم من أن الشجرة الساقطة ترسل موجات هوائية، لكنها لا تنتج صوتا إذا لم يكن هناك إنسان على مسافة، بحيث تكون موجات الهواء قويّة بما يكفي ليتمكّن ذلك الإنسان من إدراكها. ومع ذلك، إذا عرّفنا الصوت بأنه الموجات نفسها، فسيوجد صوت.
    هل يمكننا أن نفترض أن العالم غير الملاحَظ يعمل بنفس الطريقة التي يعمل بها العالم الملاحَظ؟ إذا توقّف البشر عن الوجود، فإن الصوت سيستمرّ في الانتقال وستسقط الأجسام الثقيلة على الأرض بنفس الطريقة تماما، على الرغم من أنه من المفترض أنه لن يكون هناك من يعرف ذلك.
  • ❉ ❉ ❉

  • كان كمال الدين بهزاد (ق 15/16) يُلقّب بـ "رافائيل الشرق". ولا يَعرف التاريخ رسّام منمنمات آخر من العصور الوسطى ذاع صيته كاسم هذا الرسّام. وقد كتب عنه الفنّان الروسي كاندينسكي بعد أن رأى بعض صوره فقال: لا أصدّق أن هذا من صُنع يد إنسان"!
    لا يُعرف الكثير عن حياة بهزاد. وما نعرفه هو أنه وُلد في هيرات بأفغانستان وعرف اليُتم في سنّ مبكّرة. ثم تعلّم الرسم على يد الرسّام البارز ميراك الذي علّمه من الأساليب الفنّية ما يناسب أذواق الطبقة الراقية آنذاك.
    وعندما ظهرت موهبته أكثر، نال إعجاب كبير وزراء هيرات الشاعر المشهور مير علي شير نوائي. وبدأ يرسم دواوين الشعر المشهورة، ما لفتَ انتباه سلطان هيرات حسين بايقرا الذي اشترى هو ورعاة البلاط أعماله لتُعرض في القصر. وفيما بعد، أصبح بهزاد مديرا للمرسم الملكي للشاه إسماعيل الأوّل الصفوي في تبريز.
    وقد أصبح اسم هذا الرسّام مرادفا للبراعة الفنيّة الرفيعة التي أظهرها الفنّانون في عهد التيموريين، ولاحقا في عهد الصفويين فيما يُعرف اليوم بأفغانستان وإيران. ومن الأمثلة الرائعة على براعته طريقة تجسيده للعمارة وكيفية خلق المنظور.
    كما أن صوره تنقل إحساسا بالحالة المزاجية للشخصيات بطريقة أكثر دقّة وتعبيرا من المخطوطات الفارسية التقليدية. وتُظهِر لوحاته أيضا قدرته على جعل إيماءات الشخصية مليئة بالحيوية والحركة. ومع ذلك، فإن دقّة الرسم والتحكّم في التنفيذ رائعة أيضا، وهذه كانت سمة مميّزة للرسم في هيرات في القرن الخامس عشر.
    وتُعدّ الدقّة في النمط والخطّ والتصميم أهمّ إرث لبهزاد. لكن الأجيال اللاحقة انفصلت عنه ورسمت أشكالا جامدة وبلا حياة. وحاليّا، تزيّن أعماله المخطوطات المحفوظة في متاحف ومكتباتٍ عدّة حول العالم، بما في ذلك دول مثل المملكة المتحدة وسويسرا والولايات المتحدة وروسيا وتركيا وإيران ومصر. ورغم أن العديد من المخطوطات والرسومات الفردية نُسبت له، إلا أن القليل منها فقط مُعتمَدة رسميّاً على أنها من أعماله.
  • ❉ ❉ ❉

  • عندما كان جوزيف ستالين (1879-1953) على فراش الموت، استدعى اثنين من المرشّحين لخلافته، لاختبار أيّهما أقدر من الآخر على حكم البلاد. ثم أمر بإحضار عصفورين صغيرين، وقدّم لكلّ مرشّح عصفورا.
    أمسك الأوّل بالطائر، لكنه كان خائفا جدّا من أن يتمكّن من التحرّر من قبضته والطيران بعيدا، لذا ضغط على العصفور بقوّة، وعندما فتح راحة يده، كان العصفور قد مات. وعندما رأى المرشّح الثاني الامتعاض على وجه ستالين، خاف من تكرار خطأ منافسه، فخفّف قبضته كثيراً حتى تَحرّر العصفور وطار بعيداً.
    نظر ستالين إلى الإثنين بازدراء، وأمر مساعديه أن يحضروا له عصفورا! ثم أمسك بالطائر من ساقيه، وببطء قام بنزع كلّ الريش من جسمه الصغير، ريشةً بعد أخرى. ثم فتح كفّه، فإذا بالطائر متكوّم هناك، يرتجف عاريا وبحال من العجز واليأس. نظر ستالين الى العصفور بشفقة مصطنعة ثم قال لمن حوله وهو يبتسم: كما ترون، إنه حتى ممتنّ للدفء الإنساني الذي وجده في يدي!".
  • ❉ ❉ ❉


    ❉ ❉ ❉

  • توصف الاقتباسات بأنها جوهر الحكمة وخلاصة الفكر. وهي جُمل موجزة ومكثّفة وملهِمة وسهلة التذكّر. ومشاركتها مع الآخرين دليل على أن المقتبس يحبّ القراءة وينشر الفائدة والإيجابية وإعمال العقل. وكالعادة، ومن وقت لآخر، أضع هنا بعض الاقتباسات التي قرأتها هنا أو هناك وأثارت اهتمامي أو إعجابي، راجياً أن تُعجب القارئ.

    ◦ ربّما لم يوجد لاو تزو قطّ، وحتى لو وُجد فمن المؤكّد أنه لم يؤلّف كتاب الطاو "تاو تي تشينغ"، وهو الكتاب الذي يُنسب إليه عادةً. قد يكون لاو تزو شخصية خيالية، وحتى لو وُجد، فإن الكتاب الذي يحمل اسمه لا يحتوي إلا على القليل من كلماته الحقيقية، وربّما كُتب بعد حوالي ستمائة عام أو أكثر من حياته المفترضة.

    ومن بين جميع الشخصيات التي تدّعي الطاوية أنها جزء منها خلال فترة الازدهار الفكري الاستثنائية بين القرنين السادس والثالث قبل الميلاد، وحده تشوانغ تزو يبرز من بين الضباب كشخصية مميّزة، بل وإحدى أكثر الشخصيات إثارةً للاهتمام وفكاهةً ومتعةً في الفكر والفلسفة الصينية ككل. مارتن بالمر

    ◦ قال ستيفن هوكينغ ذات مرّة بأن البشر لم يتبقَّ لهم سوى ألف عام على الأرض، وأننا إذا أردنا البقاء على قيد الحياة، فسوف نضطرّ إلى الانتقال إلى مكان آخر".
    وأنا آمل أن يحدث ذلك، ليس فقط للبشر، بل للحياة ككلّ. هل سنظلّ بشرا في تلك المرحلة؟ هذه مسألة انتخاب. فالمسار الطبيعي للأحداث وعلم الأحياء، إمّا أن ينقرض نوع ما أو ينقسم إلى أنواع عديدة ناجحة، فينتهي به الأمر إلى عشرة أنواع أو مئة. هذا هو جوهر التطوّر. لذا أعتقد أنه من المرجّح أن يحدث هذا للبشر أيضا. ولو كنت سأعيش على المرّيخ، لوددت أن أعيش فيه أوّلا لأتمكّن من التجوّل في مناخ شديد البرودة. فريمان دايسون

    ◦ الألم والمعاناة أمران لا مفرّ منهما دائما للأذكياء وأصحاب القلوب الرحيمة. أعتقد أن العظماء حقّا لا بدّ أن يحزنوا كثيرا في حياتهم على هذه الأرض. دوستويفسكي

    ◦ أمّة محارِبة كالألمان، بلا مدن ولا آداب ولا فنون ولا مال، وجدت تعويضا عن هذه الحالة الوحشية في التمتّع بالحرّية. لقد ضمن لهم فقرهم الحرّية، لأن رغباتنا وممتلكاتنا هي أقوى قيود الاستبداد. إدوارد غيبون

    ◦ بعد قليل سأرحل عنكم. لا أدري إلى أين. من العدم أتينا وإلى العدم نذهب. ما الحياة سوى وميض فراشة في الليل، أنفاس جاموس في الشتاء، ظلّ صغير يركض على العشب ويختفي عند الغروب. الزعيم بلاك فوت
  • ❉ ❉ ❉

  • على سفح جبل، عاش أسد شرس القلب، وكان يُكثر من قتل الحيوانات البرّية. وساء الوضع كثيرا لدرجة أن الحيوانات عقدت اجتماعا فيما بينها وقدّمت اعتراضا مهذّبا للأسد ختمته بهذه الكلمات: لماذا يهلكنا جلالتكم هكذا؟! إن شئت فسنجهّز لك بأنفسنا كلّ يوم حيوانا لوجبة جلالتك." فقال الأسد: إن كان هذا الترتيب يُرضيكم، فليكن."
    ومنذ ذلك اليوم، خُصّص للأسد حيوان يفترسه يوميّا. وفي أحد الأيّام، جاء الدور على أرنب عجوز ليُجهّز للمائدة الملكية، ففكّر في مآل أمره وهو يسير الى عرين الأسد وقال في نفسه: ما دمتُ سأموت على أيّ حال فسأذهب إلى موتي على مهل."
    كان الجوع قد عضّ الأسد ونفذ صبره وهو ينتظر الأرنب. ولما رآه يقترب منه زأر بغضب وقال: كيف تجرؤ على التأخير في المجيء كلّ هذا الوقت؟" أجابه الأرنب: سيّدي، لستُ أنا المذنب. لقد أوقفني أسد آخر على الطريق ولم يتركني أمضي إلا بعد أن أقسمت له بأنني سأعود بعد أن أبلغ جلالتك."
    وهنا صاح الملك ذو القلب الشرس بغضب وقال: سنذهب أنا وأنت من فورنا لتريني أين يعيش ذلك الأسد الوقح." وسار الاثنان معا حتى وصلا إلى بئر عميقة، فتوقّف عندها الأرنب وقال للأسد: فليأتِ سيّدي الملك وينظر إليه." ولما اقترب الأسد، ورأى انعكاس صورته في ماء البئر، تملّكه الغضب وهاج وماج، ثم ألقى بنفسه في البئر. ولم يخرج منها أبدا.

  • Credits
    musee-orsay.fr/en
    physicsworld.com