المشاركات

عرض المشاركات من مايو 4, 2025

خواطر في الأدب والفن

صورة
پابلو پيكاسو اسم مرادف للإبداع الفنّي. والناس يتذكّرونه بمساهماته الثورية في عالم الفن. وبعيدا عن أعماله الرائدة، هناك قصّة أسطورية تجسّد، ليس فقط براعته الإبداعية، بل أيضا فهمه للقيمة الحقيقية للخبرة الفنّية. ذات يوم، كان پيكاسو يرسم على منديل في مقهى في پاريس. وكان من عادته أن يرسم أيّ شيء كي يسلّي نفسه في مثل تلك اللحظات. وكانت هناك امرأة تجلس بالقرب منه وتنظر الى ما يفعله بترقّب بعد أن عرفته. وبعد لحظات قليلة، أنهى بيكاسو قهوته ثم طوى المنديل الذي كان يرسم عليه بينما كان يهمّ بمغادرة المكان. لكن المرأة استوقفته وقالت له: هل يمكنني الحصول على هذا المنديل الذي كنت ترسم عليه للتوّ؟ سأدفع لك ثمنه". وطلب پيكاسو من المرأة مليون فرنك مقابل المنديل المرسوم. غير أنها صُدمت من هذا المبلغ الباهظ لأنه لم يَلزمه أكثر من بضع دقائق من الرسم. وبدا لها أن قيمة تلك الصورة مبالغ فيها ولا تتناسب مع الوقت الذي استغرقته. لكن پيكاسو ردّ بعبارة أصبحت شهادة دائمة على رحلته الفنّية وعلى إتقانه، عندما قال للمرأة: يا عزيزتي! لقد استغرق الأمر منّي عمرا كاملا حتى أتمكّن من رسم هذا الاسكتش ال...

أسفار الرومي/6

صورة
"في داخلك ينبوع، فلا تتجوّل بدلو فارغ". في 29 نوفمبر 1244، ظهر شخص غريب في قونية. كان في حوالي الستّين من عمره، يرتدي عباءة مصنوعة من لباد أسود خشن ويلفّ حول رأسه عصابة. وقد اختار أن يقيم في أحد النُزل التي يديرها صنّاع الحلوى وبائعو الأرز داخل منطقة السوق، غير بعيد عن مدرسة الرومي. كان اسمه شمس الدين أو شمس التبريزي. عشرات السنين من السفر المضطرب في جميع عواصم العالم الإسلامي أكسبت "شمس" لقب "باراندي" أو "الطائر". وقد اختار البقاء متنكّرا بهيئة تاجر، حتى أنه وضع قفلا ضخما على بابه للتلميح إلى أنه يحمل بضائع ثمينة تحتاج إلى حماية، مع أن ما بالداخل لم يكن سوى حصيرة من القشّ. قال شمس أن العناية الإلهية هي التي دفعته إلى السفر إلى قونية للبحث عن الرومي، الذي سمع عن ذكائه وبلاغته وإخلاصه وموهبته. وما كاد الرومي يراه حتى نزل عن بغلته، تاركا حاشيته وأعرافه الاجتماعية. ولم يكن اللقاء بأقلّ أهمية بالنسبة لشمس الذي قال: لقد أصبحتُ بركة راكدة، وقد حرّكتْ روحُ مولانا روحي فبدأت المياه تتدفّق بفرح وثمر". سريعاً أدرك شمس، الأكبر سنّاً و...

أسفار الرومي/5

صورة
"لم تُخلق لتزحف في هذه الحياة. لديك أجنحة، تعلّم استخدامها وحلّق." في رسالة كتبها بعد هروبه بفترة وجيزة، رثى ياقوت بأسلوب مفعم بالعاطفة القصورَ والبيوت التي رآها وهي تُمحى من على وجه الأرض "كما تُمحى أسطر الكتابة من الورق، وتصبح مسكنا للبوم والغربان". لكن بينما كان جنكيز خان يؤسّس دولته الوحشية في آسيا الوسطى، كانت الممارسات الصوفية التي أحياها المهاجرون الخراسانيون، بمن فيهم بهاء الدين وعائلته، تقوى وتتجذّر. وأصبحت المحافل الصوفية مراكز ثقافية للتهذيب، حيث قدّم الشيوخ رسائل الأمل والتعالي والصداقة والحبّ، بالإضافة إلى الحفلات الموسيقية والشعر والرقص. الباحثة الألمانية آن ماري شيمل لخّصت ذلك التباين بقولها: شهدت تلك الفترة أفظع كارثة سياسية، وفي الوقت نفسه أعلى مستويات النشاط الديني والصوفي". وقد تعاملَ الرومي الأب مع الاضطرابات الناجمة عن غزو المغول، إمّا متجاهلا، أو متألّما بسبب المعاناة التي جلبها لعائلته ومجتمعه. وصاغ القضية بشكل أكثر وضوحا لدائرته من المهاجرين من خراسان بقوله: إذا كنتم خائفين من التتار فأنتم لا تؤمنون بالله". ولعلّ...

أسفار الرومي/4

صورة
"حيثما يوجد خراب، هناك أمل بالعثور على كنز". باعتبارها ملتقى للحجّاج من جميع أنحاء العالم الإسلامي، كانت مكّة أيضا مركزا للأخبار والمعلومات، حيث كان الرومي وعائلته يتابعون آخر الاخبار من شهود العيان. وفي تلك السنة، أي 1218، كان الخبر العاجل في أوساط المسافرين من آسيا الوسطى يتعلّق بتهديد المغول. فمنذ رحيل عائلة الرومي من خراسان، ازدادت التوتّرات والهجمات بين جنكيز خان وشاه خوارزم. وكان مصير الحجّاج غير واضح وقرار العودة إلى المدن المهدّدة مثل بلخ أو سمرقند غير مؤكّد. بعد مكّة، رحلت عائلة الرومي إلى دمشق واستغرقت الرحلة بأكملها حوالي شهرين. كانت دمشق وقتها غير مستقرّة أيضا وسوريا لا تزال متأرجحة بسبب الحروب الصليبية. وكان حاكم دمشق هو "المعظّم" الذي كان والده يقاتل في الحملة الصليبية الخامسة. لم تدُم إقامة جلال الدين ووالده وعائلته طويلا في دمشق. وانتقلوا هذه المرّة من سوريا إلى الأناضول خلال صيف ذلك العام. كانت الأناضول في خيال المسلمين تمثّل الحدود الخارجية لحضارتهم وحدود روما المسيحية أو الروم. وكان مصطلح "رومي" يُستخدم أحيانا كمرادف للمس...

أسفار الرومي/3

صورة
"بِعْ ذكائك واشترِ الحَيرة"! كان شاعر الجيل السابق الذي تجنّبه العطّار هو عمر الخيّام الذي دُفن بجوار سور حديقة على بعد أميال قليلة من نيشابور، حيث تتناثر بتلات أشجار الكمّثرى والخوخ على قبره. وقد اشتهر الخيّام في حياته بأنه عالم رياضيات وفلك، كما كتب رباعيّات موجزة عن الحياة كمثل قوله: سواءً في نيشابور أو بابل، تستمرّ أوراق الحياة في التساقط واحدة تلو الأخرى". ومع ذلك، فإن رياح الشكّ والتشاؤم المنعشة في شعر عمر أزعجت العطّار "الصوفي". كانت نيشابور تُعرف باسم "بوّابة الشرق". وبعد المرور عبر تلك البوّابة، تنقسم الطريق الى فرعين. كان المسافرون، مثل عائلة جلال الدين، قد اتخذوا طريق القوافل الشمالي بدلاً من طريق البريد الجنوبي. ويمرّ هذا الطريق بالرّي ويستمرّ إلى بغداد. وعلى طول الطريق، أفسحت الألحان الفارسية الطريق تدريجيّا لأغاني الحبّ العربية. وقد كتب الرومي عن حياة قضاها في التنقّل بين هاتين اللغتين قائلا: تحدّث بالفارسية، على الرغم من أن العربية أجمل". شُيّدت بغداد كمدخل رئيسيّ إلى مكّة، وكانت المدينة مواجهة تقريبا للقبلة. وقد ...

أسفار الرومي/2

صورة
"عليك أن تستمرّ في كسر قلبك حتى ينفتح." للسفر من سمرقند إلى بلخ، كان على جلال الدين وعائلته المسير بمحاذاة نهر جيحون. كانت نقطة العبور الطبيعية إلى جانب بلخ من النهر هي مدينة "تِرمذ" المحصّنة، مسقط رأس "برهان" معلّم جلال الدين، الذي قرّر البقاء هناك. في منتصف الأربعينات من عمره، كان برهان معلّما مكلّفا بمهمّة محدّدة، وهي رعاية جلال الدين علميّا وروحيّا. فكان بذلك شخصيةً محبّبةً ومهمّةً في طفولة الرومي ولم ينافسه في التأثير عليه سوى والده. في المرحلة الأولى من رحلتهم على طول حدود آسيا الوسطى، كانت قوافل طويلة لا حصر لها من الإبل والبغال تشقّ طريقها عبر الصحاري والسهول المحاطة بالجبال المغطّاة بالثلوج، وتتوقّف في مدن الواحات المحاطة بأشجار النخيل. كانت الأسواق المزدحمة تعجّ بالتجّار الذين يبيعون البطّيخ أو الخيول للمسافرين. في صباه، استوعب جلال الدين إيقاع تلك الإبل وهي ترسم خطوطها المتعرّجة بين الأعشاب وفي الرمال. كما أصبح يعرف عن ظهر قلب الألحان التي تنتشر في كلّ مكان أثناء الرحلة وتُغنّى لإزجاء الوقت أو تسريع القافلة، مصحوبةً في كلّ خطوة بج...