:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


السبت، مايو 10، 2025

خواطر في الأدب والفن


  • پابلو پيكاسو اسم مرادف للإبداع الفنّي. والناس يتذكّرونه بمساهماته الثورية في عالم الفن. وبعيدا عن أعماله الرائدة، هناك قصّة أسطورية تجسّد، ليس فقط براعته الإبداعية، بل أيضا فهمه للقيمة الحقيقية للخبرة الفنّية.
    ذات يوم، كان پيكاسو يرسم على منديل في مقهى في پاريس. وكان من عادته أن يرسم أيّ شيء كي يسلّي نفسه في مثل تلك اللحظات. وكانت هناك امرأة تجلس بالقرب منه وتنظر الى ما يفعله بترقّب بعد أن عرفته. وبعد لحظات قليلة، أنهى بيكاسو قهوته ثم طوى المنديل الذي كان يرسم عليه بينما كان يهمّ بمغادرة المكان.
    لكن المرأة استوقفته وقالت له: هل يمكنني الحصول على هذا المنديل الذي كنت ترسم عليه للتوّ؟ سأدفع لك ثمنه". وطلب پيكاسو من المرأة مليون فرنك مقابل المنديل المرسوم. غير أنها صُدمت من هذا المبلغ الباهظ لأنه لم يَلزمه أكثر من بضع دقائق من الرسم. وبدا لها أن قيمة تلك الصورة مبالغ فيها ولا تتناسب مع الوقت الذي استغرقته.
    لكن پيكاسو ردّ بعبارة أصبحت شهادة دائمة على رحلته الفنّية وعلى إتقانه، عندما قال للمرأة: يا عزيزتي! لقد استغرق الأمر منّي عمرا كاملا حتى أتمكّن من رسم هذا الاسكتش البسيط". ثم وضع المنديل في جيبه وغادر المقهى.
    وبتلك العبارة البسيطة والعميقة، جسّد بيكاسو جوهر تطوّره الفنّي. فهو لم يكن يطلب مجرّد مكافأة على الرسم على منديل، بل كان يطلب تقديرا لسنواته وممارسته ومنظوره ومسيرته الإبداعية وتجاربه وآلاف الإخفاقات الصغيرة ومثابرته التي مكّنته من امتلاك المهارة اللازمة لإبداع تلك التحفة الفنّية الصغيرة في دقائق معدودة.
    طبعا لا يُعرف إن كانت هذه القصّة حقيقية أم لا. لكنها ليست بعيدة تماما عن الروايات التي قدّمها أولئك الذين عرفوا هذا الفنّان عن قرب. فقد كان شخصا استعراضيا وكوميديّا راقيا. وكان يستمتع بردود الفعل التي كان يثيرها حضوره في أيّ مكان. كما كان معروفا أيضا بتوزيع بعض رسوماته البسيطة على عمّال وعاملات المقاهي ممّن يستحقّونها.
    هذه القصّة توفّر أكثر من مجرّد حكاية ساحرة، فهي تقدّم درسا قيّما في إدراك القيمة الفنّية للعمل والفنّان. وردُّ پيكاسو يوضح أن الإتقان الحقيقي لا يكمن في الوقت اللازم لإبداع شيء ما أو الجهد المبذول لإنجازه، بل في محصّلة حياة كاملة من التعلّم والنموّ والخبرة والتجربة والشغف والسعي الدؤوب نحو التميّز والتجاوز.
    ولم يكن طلب پيكاسو لذلك المبلغ الكبير تعبيرا عن الغطرسة أو الجشع، بل كان بمثابة تذكير بأن الخبرة تُبنى على ساعات وأشهر وسنوات لا حصر لها من الممارسة والدراسة والتحسين المستمرّ لمهارات الفرد.
    ظلّ پيكاسو ينتج فنّا طوال حياته وعاش حتى التسعينات من عمره، واستمرّ في الإنتاج حتى أيّامه الأخيرة. ولو كان هدفه الشهرة أو جني ثروة طائلة في عالم الفن، لكان قد تجمّد في مرحلة ما من رحلته ولسيطرَ عليه القلق أو شكّ في نفسه. وسبب نجاحه الكبير هو نفس السبب الذي جعله يكتفي في شيخوخته برسم صور بسيطة على المناديل أثناء احتسائه القهوة بمفرده.
    إننا كثيرا ما نقلّل من قيمة ما نقدّمه لأننا نعتقد أنه أمر مألوف أو أنه بسيط أو سهل. لكن الحقيقة هي أننا اكتسبنا، على مدى زمن طويل، المهارات والمعرفة والخبرة اللازمة لجعله بسيطا أو سهلا. لذا تذكّر ألا تستهين بتجاربك ومعرفتك التي راكمتها على مرّ السنين وألا تقلّل أبدا من قيمة ما تفعله.
  • ❉ ❉ ❉


    ❉ ❉ ❉

  • في عالم اليوم، ينمو العشب باتجاه السماء وتطارد الزواحف الشمس أثناء النهار والقمر أثناء الليل. الريح نهر شفّاف والمطر نيزك بارد. وقلبي لا ينعم بالسلام أبدا. مشيتُ في آخر حقل لعبّاد الشمس كان على وشك أن يُهجر، متذكّرا الأساطير المؤلمة والرائعة المتعلّقة بأصل البشرية. ومع ذلك، قد لا يهتمّ هذا الكوكب بما إذا كان البشر سيبقون على قيد الحياة أم لا.
    تتوالى السحب في السماء مثل الأنهار، والهواء عند الغسق يكون مشرقا كسائل. حتى لو كنتُ هنا عشرة آلاف مرّة، فإن حواسّي لن تتعب على الإطلاق ولسوف يكون الشعور بالوحدة مثاليّا. الليل والنهار في البرّية مختلفان بالتأكيد. يجب أن يكون هناك فرق بين ضوء وظلام الحقل يقدَّر بسنوات ضوئية. الأرنب فقط هو الذي يستطيع التحرّك بحرّية بين الاثنين، ومسار الأرنب فقط هو الذي لا يُعيقه شيء.
    في أرض الشمال الشاسعة، من أواخر الصيف إلى أوائل الخريف، كلّ قرية غنيّة بما يكفي لمنافسة بلد. الذهبيّ والأزرق في حالة جمود على هذا الكوكب القديم. الأشخاص الذين يسيرون بين هذين اللونين يشعرون فجأة أنهم نظيفون تماما. الشعور بالأمان يأتي من الظلام. العالم الخارجي مشرق للغاية، حتى في الليل. كلّ شيء مكشوف دون أيّ غطاء أو عائق. قبل أن تشرق الشمس، يكون العالم كلّه مثل حلم، إلا أن القمر هو الحقيقي. وبعد شروق الشمس، يصبح العالم كلّه حقيقيّا، إلا أن القمر يكون مثل حلم.
    كانت والدتي تتفاخر في القرية بأنني أكتب. لكن أهل القرية لم يروا إلا أنني أطارد الطيور في أنحاء القرية بشعر أشعث ووجه متّسخ طوال اليوم، وقد أبدوا جميعهم تشكّكهم في كلام أمّي. وبينما كانت تتحدّث إليهم، استدارت ورأتني أعدو على طول الخندق وأصرخ وألوّح بعصا أثناء ركضي. كان الأمر غير لائق حقّا وشعرت بالحرج. وفي وقت لاحق، صدّق شخص قصّة الكتابة تلك.
    إن أعظم قوّة في الأرض ليست الزلزال، بل نموّ جميع الأشياء. على بعد 30 كيلومترا أسفل النهر، بُنيت قرية جديدة لرعاة الماشية. لا يوجد شيء اسمه بيت. فقط تَحفر حفرة في الأرض، تضع دعائم وتبني سقفا وتعيش تحته. هذه حياة بسيطة، ومريحة. لم يُجبر هؤلاء الناس على المجيء الى هنا، بل أتوا طواعيةً لأنهم يحبّون الحياة، محاطين بآلاف الجبال والأنهار وشغوفين بجمال هذه الأرض.
    خارج الباب، كانت هناك رمال صفراء ورياح وثلوج لا نهاية لها. ومهما كان الاتجاه الذي تسير فيه، فلن تتمكّن من الوصول إلى الطريق حتى بعد أسبوع. ثم يجب عليك أن تسحب حقيبة أكبر منك. وبالإضافة إلى ذلك، هناك ذئاب. لم يكن أمامي من خيار سوى ابتلاع خيبتي.
    السماء دائما مرتبطة بالأرض بشكل وثيق، زرقاء داكنة، رتيبة ولا تتغيّر. أشرقت الشمس على العشب فتوهّج بشكل استثنائي. كان أجمل العشب في ذلك الوقت هو نوع من العشب الأبيض النحيف يقف منتصباً في الشفق.
    مشيتُ لفترة طويلة جدّا، وكان المكان هادئا للغاية. وعندما استدرت، ظهر فجأة قطيع أغنام على بعد عشرات الأمتار خلفي، وهو يدفن رأسه في الأرض بصمت ويتغذّى على العشب الجافّ. في النهاية، هذه برّية رتيبة، فارغة، صامتة وصعبة. حتى أصغر الزخارف هنا لا يمكن إلا أن تبدو مكثّفة ورائعة. في فصل الشتاء، كنّا ندعو الأغنام الضعيفة والمريضة والعجول حديثة الولادة إلى مخابئنا للعيش معنا وقضاء ليال طويلة وباردة. وفي أحد الأيّام، سقط هاتفي المحمول من حقيبة الظهر المعلّقة على الحائط إلى الأرض وظلّ عِجل يمضغه بصمت طوال الليل.
    هل تشعر الأغنام؟ هل تفهم ما ينتظرها؟ هذه هي الحياة التي تكبر أمام من يُذبح. الشخص الذي ذبح شاة، التقطها بنفسه من مرعى ربيعي ووضعها في كيس تمّ إعداده منذ فترة طويلة، ثم ربطها بعناية في الجزء الخلفي من سيّارته وأخذها إلى المنزل. لطالما كان يأخذ هذه الغنم بدأب الى الجبال والسهول ليختصّها بالعشب الأكثر خصوبةً وعُصارة.
    وعندما كانت تضيع، كان يتحدّى المطر ويخرج ليبحث عنها مرارا وينظّفها ويعالج جروحها الملتهبة. وفي موسم البرد، كان يقودها إلى البرّية الجنوبية المفتوحة والدافئة. هل تتذكّر الأغنام هذا؟ أيّ قسوة تسكن قلبه إذ يقرّر الآن ذبحها؟ ربّما تكون هذه هي الطريقة التي تسير بها الحياة، كلّ شخص يسلك طريقه في النهاية، لذا كن فقط في سلام. قالت كاتبة كازاخية: أنت لا تموت بسبب خطاياك، ونحن لا نعيش لنموت جوعاً".
    في الأماكن التي لا يذهب إليها سوى عدد قليل من الناس، هناك دائما شعور بالوحدة والعزلة. في صحراء غوبي مثلا، يمكنك المشي لساعة دون أن تقابل إنساناً، بل يمكن أن تمشي لسنوات دون أن ترى شخصا واحدا، لا شيء في كلّ الاتجاهات. الوقوف على الأرض أشبه بالعودة إليها وحيداً بعد دهور. نعتقد أننا أذكياء وأقوياء بما يكفي لتحمّل كلّ الصعوبات في هذا العالم. لكننا لا نستطيع منع الحروب والانتهاكات والكوارث الطبيعية.
    ربّما يكون الرعاة الكازاخيون في المناطق البدوية في الشمال هم آخر الشعوب البدوية الأنقى في هذا العالم. هذا المكان النائي مليء بالصحاري الشاسعة وغير مأهول. ليس هناك صخب ولا مدن ولا بشر يأتون ويذهبون، وكلّ ما تراه هو أبسط حالات الحياة.
    عندما يهبط الليل، أشعر ببرودة الأرض تخرج من بين الشقوق وبالرياح تهبّ من شمال المحيط الهنديّ عبر آلاف الجبال والأنهار. ثم يغمرني أعظم صمت في العالم. وعندما تتفتّح زهور عبّاد الشمس وتتحوّل غابات البتولا وأكوام القشّ إلى اللون الذهبي، فإن هذا العالم يرعى بنفس الوقت ملايين الكائنات الحيّة بأشكال مختلفة ومتنوّعة. لذا من فضلك، حاول أن تحبّ العالم أنت أيضا! لي جوان

  • Credits
    museupicassobcn.cat/en
    worldhumanitiesreport.org