وظلّ الرسّام هناك يعاني الضيق الشديد لمدّة 18 شهرا. ولكن ذات يوم، وبينما كان في صحبة سيّده المغربي، خطرت له فكرة رسم صورة له. فأخذ فحما مطفأً من النار ورسمه بكامل طوله وبزيّه المغربي على جدار أبيض. وبدا لسيّده ومرافقيه أن ما فعله الرسّام كان معجزة، حيث لم يكن الرسم يمارَس في تلك المناطق.
وكانت تلك الصورة البسيطة سببا في مكافأة "ليپي" بتحريره من السلاسل التي قيّدته لفترة طويلة ومن ثم نقله بأمان إلى نابولي. وهذه القصّة تثبت ما للفنّ من قوّة عظيمة ومؤثرة. فبسبب صورة، مُنح رسّام جائزة لا تُقدّر بثمن! وبدلاً من معاقبته، وُهبت له الحرّية بدل الموت.
❉ ❉ ❉
ورهاب الأماكن يتعلّق بالجانب المظلم من التجربة البيئية. ولأنه ليس أقوى المشاعر البشرية، فإنه من السهل جدّاً أن ننحّيه جانباً أو نتجنّبه أو نتجاهله، حتى نتمكّن من تحويل انتباهنا إلى تجارب أكثر متعةً. لكن من المفيد أن نعرف المزيد عن الأسباب التي تجعلنا نتجنّب الأماكن التي لا نريد أن نكون فيها.
والعلماء يشيرون الى أن أغلب العبارات السلبية التي تتحدّث عن المكان كالاقتلاع والديستوبيا (المجتمعات المخيفة واللاإنسانية) والنزوح وعدم التوطين والانفصال عن الواقع، كلّها تتعلّق بعمليات تمّ فيها قمع وتقويض التجارب الإيجابية المتعلّقة بهذا المكان أو ذاك.
وينطبق الحال على المستوطنات الفقيرة التي تقطنها شعوب أصلية وعلى المدن المدمّرة في بعض الدول. وفي مثل هذه الحالات يبدو أن قبح المكان نفسه والتحدّيات اليومية التي يواجهها السكّان للبقاء على قيد الحياة فيه والاكتئاب والقلق الذي يعانون منه، كلّها عوامل يعزّز بعضها بعضاً.
والعديد من التجارب التي نمرّ بها في أماكن بعيدة كلّ البعد عن أن تكون ممتعة مردّها لأسباب تتعلّق بمزاجنا أو الأحداث البيئية أو طبيعة المكان. فإذا ما أصابك الاكتئاب أو الانزعاج لسبب ما، فلن تبدو لك المناظر الطبيعية مبهجة، مهما كانت جميلة. كما أن تجارب البيئة الطبيعية، التي غالباً ما تكون مفيدة وممتعة، قد تمتلئ بالقلق وحتى الذعر، في حال تدهور الأحوال الجويّة أو سماع تحذيرات من الأعاصير أو اقتراب حرائق الغابات أو اشتداد الجفاف أو وقوع الزلازل.
وفي المدن يعتاد الناس تجنّب الأحياء الحضرية الخطرة لأنها مناطق عصابات، أو لأنها ببساطة غير مألوفة وتنطوي على تهديد. والمكان المعزول، الذي يقع في قلب نوع من العمل الشاق وبعيداً عن مراكز التحديث، مع افتقاره إلى أيّ شعور بالتغيير المحتمل أو فرص النموّ الشخصي، يشكّل مصدر إحباط لآمال أغلب الشباب.
ومعظم الناس يرفضون الأماكن التي كانوا يعيشون فيها في طفولتهم باعتبارها عبئا لا يطاق ويفضّلون الابتعاد عنها. ومع ذلك فالكثير ممّن تركوا الأماكن التي نشأوا فيها، كالمدن الصغيرة والمزارع والأحياء الفقيرة، كثيرا ما يتحوّل نفورهم منها في وقت لاحق من حياتهم إلى حنين إليها.
وبحسب بعض العلماء، فإن رهاب الأماكن يمكن أن يكون جماليّاً، مثل عدم الإعجاب بالمباني الحديثة أو رسومات الغرافيتي. وقد يكون فكرياً مثل كراهية التوسّع الحضري والمديني. وقد يكون فسيولوجيّاً كأن يعاني شخص من الصداع النصفي كلّما دخل مركزاً تجارياً مغلقاً. وقد يكون رهابا إيديولوجياً مثل نفور بعض الأشخاص من البيوت الريفية الكبيرة باعتبارها مظاهر للتضييق والكبت والقمع. وأشكال رهاب الأماكن لا تقلّ تنوّعاً عن أشكال الرهاب الأخرى، وإن كان الأكاديميون والفنّانون يولونها قدراً أقلّ من الاهتمام.
إن معرفة بعض جوانب رهاب الأماكن يمكن أن يكون وسيلة لتجنّب الأماكن التي لا نريد أن نكون فيها. وهناك فنّانون يستخدمون مشاعر الخوف والارتباك المرتبطة بالأماكن لإثارة السؤال الوجوديّ حول كيفية العثور على مكاننا في العالم. وهدفهم هو نقل فكرة مفادها أننا ننتهي إلى حيث نحن من خلال تجنّب الأماكن التي لا نريد أن نكون فيها.
يقول آلان واتس: إذا نظرت إلى نفسك بالطريقة الصحيحة، فستجد أنك ظاهرة طبيعية غير عادية، تماما مثل الأشجار والسحب والمياه الجارية ووميض النار وترتيب النجوم وشكل المجرّة. أنت كلّ هذه الأشياء جميعا.
لا يمكن للزهرة أن تكون بمفردها. أن تكون فارغا ليس أمرا سلبيّا. الزهرة فارغة فقط من ذات منفصلة، لكنها مليئة بكلّ شيء آخر. يمكن رؤية الكون بأكمله ويمكن التعرّف عليه ويمكن لمسه في زهرة واحدة. لذا فإن القول بأن الزهرة فارغة من ذات منفصلة يعني أيضا أن الزهرة مليئة بالكون.
ومثل هذا قول الموسيقيّ جون كيج المشهور بموسيقاه الصامتة: أخرج نفسك من أيّ قفص تجد نفسك فيه. هناك عطايا مجزية بانتظارك بمجرّد أن تدرك أنك لا تملك أيّ شيء.
"فاتا مورغانا Fata Morgana"، أو فتى مرجانة بالعربية، مصطلح إيطالي الأصل يعني حرفيّا "الجِنيّة مورغان"، وقد ظهر المصطلح أواخر القرن الثامن عشر ليشير إلى السراب الذي يظهر في البحر على هيئة سفينة أو جبل شبحي. ويقال إن هذا هو مصدر أسطورة الهولندي الطائر.
الاسم الايطالي يُرجّح انه مشتقّ من اسم "مورغان لي فاي" إحدى بطلات الأساطير الآرثرية، وهي ساحرة كانت تستخدم ذلك السراب لاستدراج البحّارة إلى حتفهم. وقد لوحظ ظهور ظاهرة السراب مرارا في أكثر من مكان وعلى فترات متفرّقة.
ففي القرن التاسع عشر، روى المستكشفون في القطب الشمالي قصصا عن رؤيتهم سفنا بعيدة وكتلا أرضية كانت تختفي عند الاقتراب منها. وفي القارّة القطبية الجنوبية، كثيرا ما كانت الجبال الجليدية تبدو للبحّارة وكأنها ترتفع بشكل كبير فوق الأفق، ما يخلق مناظر طبيعية سوريالية. كما أفاد بحّارة في أماكن أخرى، غالبا خلال أيّام الصيف الدافئة، عن رؤيتهم صورا شبحية لجزر وسفن، بل وأحيانا أساطيل كاملة من السفن الغامضة.
وحتى في الصحراء الكبرى، حيث لا بحار ولا مسطّحات مائية واسعة، أفاد مسافرون برؤية سراب لواحات ومدن بعيدة، وعندما يقتربون منها تختفي. ويبدو أن خطأ البحّارة والرحّالة القدماء في اعتبار هذه الأوهام أرضاً هو الذي أدّى إلى ظهور أساطير وخرافات حول الجزر أو المدن المفقودة.
العلم اليوم يعزو ظاهرة "فتى مرجانة" أو الصور المشوّهة التي يمكن أن تشبه الأشياء أو المباني أو المناظر الطبيعية التي تظهر فوق الأفق أو المسطّح المائي والتي لا وجود لها في الواقع الى مرور طبقة من الهواء البارد فوق الأرض التي تكون درجة حرارتها أعلى. وعندما ينتقل الضوء عبر الهواء البارد نحو الهواء الساخن القريب من الأرض، ينكسر الضوء او ينحني. وما نراه عندئذ ليس الانكسار أو الانحناء، بل ظاهرة السراب تلك.
إن معرفة بعض جوانب رهاب الأماكن يمكن أن يكون وسيلة لتجنّب الأماكن التي لا نريد أن نكون فيها. وهناك فنّانون يستخدمون مشاعر الخوف والارتباك المرتبطة بالأماكن لإثارة السؤال الوجوديّ حول كيفية العثور على مكاننا في العالم. وهدفهم هو نقل فكرة مفادها أننا ننتهي إلى حيث نحن من خلال تجنّب الأماكن التي لا نريد أن نكون فيها.
❉ ❉ ❉
لا يمكن للزهرة أن تكون بمفردها. أن تكون فارغا ليس أمرا سلبيّا. الزهرة فارغة فقط من ذات منفصلة، لكنها مليئة بكلّ شيء آخر. يمكن رؤية الكون بأكمله ويمكن التعرّف عليه ويمكن لمسه في زهرة واحدة. لذا فإن القول بأن الزهرة فارغة من ذات منفصلة يعني أيضا أن الزهرة مليئة بالكون.
ومثل هذا قول الموسيقيّ جون كيج المشهور بموسيقاه الصامتة: أخرج نفسك من أيّ قفص تجد نفسك فيه. هناك عطايا مجزية بانتظارك بمجرّد أن تدرك أنك لا تملك أيّ شيء.
❉ ❉ ❉
الاسم الايطالي يُرجّح انه مشتقّ من اسم "مورغان لي فاي" إحدى بطلات الأساطير الآرثرية، وهي ساحرة كانت تستخدم ذلك السراب لاستدراج البحّارة إلى حتفهم. وقد لوحظ ظهور ظاهرة السراب مرارا في أكثر من مكان وعلى فترات متفرّقة.
ففي القرن التاسع عشر، روى المستكشفون في القطب الشمالي قصصا عن رؤيتهم سفنا بعيدة وكتلا أرضية كانت تختفي عند الاقتراب منها. وفي القارّة القطبية الجنوبية، كثيرا ما كانت الجبال الجليدية تبدو للبحّارة وكأنها ترتفع بشكل كبير فوق الأفق، ما يخلق مناظر طبيعية سوريالية. كما أفاد بحّارة في أماكن أخرى، غالبا خلال أيّام الصيف الدافئة، عن رؤيتهم صورا شبحية لجزر وسفن، بل وأحيانا أساطيل كاملة من السفن الغامضة.
وحتى في الصحراء الكبرى، حيث لا بحار ولا مسطّحات مائية واسعة، أفاد مسافرون برؤية سراب لواحات ومدن بعيدة، وعندما يقتربون منها تختفي. ويبدو أن خطأ البحّارة والرحّالة القدماء في اعتبار هذه الأوهام أرضاً هو الذي أدّى إلى ظهور أساطير وخرافات حول الجزر أو المدن المفقودة.
العلم اليوم يعزو ظاهرة "فتى مرجانة" أو الصور المشوّهة التي يمكن أن تشبه الأشياء أو المباني أو المناظر الطبيعية التي تظهر فوق الأفق أو المسطّح المائي والتي لا وجود لها في الواقع الى مرور طبقة من الهواء البارد فوق الأرض التي تكون درجة حرارتها أعلى. وعندما ينتقل الضوء عبر الهواء البارد نحو الهواء الساخن القريب من الأرض، ينكسر الضوء او ينحني. وما نراه عندئذ ليس الانكسار أو الانحناء، بل ظاهرة السراب تلك.
Credits
alanwatts.org
gutenberg.org
alanwatts.org
gutenberg.org