المشاركات

عرض المشاركات من يونيو 1, 2025

خواطر في الأدب والفن

صورة
لغة الفنّ في بعض الأحيان غامضة. وقد تبدو التلميحات، التي تأخذ هيئة زهور وفواكه وحيوانات وأشياء أخرى، واضحة للعيان، إلا أن معناها لا يُفهم إلا إذا عرفتَ الإشارات التي تبحث عنها. وإحدى متع النظر إلى الفنّ هي اكتشاف نيّة خفيّة في اللوحة، لا تظهر إلا بعد تحديد رموزها وفكّ طلاسمها. خذ الليمون مثلا. لطالما كانت هذه الفاكهة موضوعا جذّابا للرسّامين نظرا لقدرتها على لعب دور مزدوج. فالليمون ممتلئ ونابض بالحياة من الخارج، ولكنه يحمل في طيّاته مرارة لاذعة وشيئا من اللذّة في الوقت نفسه. لذا فإن وجود الليمون في لوحة فنّية ينبغي أن ينبّهنا إلى فكرتين متعارضتين: أن الحياة قد تكون رائعة وطريّة، ولكنها قد تكون أيضا مشبعة بالمرارة. وللتأكيد على هذه النقطة، غالبا ما يصوَّر الليمون في الرسم وهو شبه مقشَّر، حيث يتلوّى قشره على حافّة طبق لامع، كما في لوحات بعض الرسّامين الهولنديين القدامى. كانت رسومات الطبيعة الصامتة الهولندية تفضّل الليمون كموضوع رئيس. ويبدو أن هذه الفاكهة كانت رائجة ومطلوبة في المجتمع الهولنديّ في القرن السابع عشر، ما جعلها نادرة ومألوفة في آن. ولأن الليمون غريب بما يكفي، فقد ك...

خواطر في الأدب والفن

صورة
عاش الشاعر "هان شان" في عهد أسرة تانغ الصينية المزدهرة، ويُعتبر من بين أهمّ شعرائها المتميّزين، وكان معاصرا للشاعرين المشهورين لي باي و دو فو. وعلى الرغم من أنه لم يكن معروفا أثناء حياته، إلا أن شهرته نمت بعد وفاته واستمرّت لآلاف السنين وحتى اليوم. ويقال إن هان شان فشل عدّة مرّات في العثور على وظيفة مناسبة في العاصمة، وفي النهاية لم يعد لديه ما يدفعه للعودة إلى بلدته. وقد لامه إخوته على سوء حظّه كما تجاهلته زوجته. ولمّا أحسّ بأن عالمه كلّه قد انهار وبأن حياته بدأت تغرق في اليأس، قطع كلّ علاقاته الإنسانية وسافر لوحده حاملاً معه الكثير من الذكريات المؤلمة. وفي النهاية اختار العيش وحيدا كناسك في الجبال. ولم يكن لديه مكان ثابت يعيش فيه، لذا كان يتجوّل بين الغابات والجبال، وكتب في عزلته الكثير من الأشعار، وأشهرها قصائد "الجبل البارد". فيما يلي بعض تلك القصائد بترجمتي مع بعض التصرّف.. ◦ تجري المياه على الدوام في الجدول المنعزل، والرياح تهزّ أشجار الصنوبر الطويلة. عندما تجلس هناك نصف يوم، ستنسى مائة عام من الحزن. الزهور جميلة في الفصل الرابع من العام، ولكن...

سينيكا في العالم المعاصر

صورة
في كتابه "إفطار مع سينيكا: دليل رواقيّ لفنّ العيش"، يشير الفيلسوف ديڤيد فيدلر إلى أنه لم يكتشف الفيلسوف الروماني إلا في مرحلة متأخّرة من حياته وأن ما أعجبه فيه، إلى جانب كونه كاتبا عظيما، هو أنه يركّز على قضايا الحياة الواقعية، مثل كيف تتعامل مع الحزن عند وفاة أحد الأحبّة، وكيف تتعامل مع الهموم أو الأفكار المقلقة، حتى تتمكّن من العودة إلى عيش اللحظة بسلام. وما هي الصداقة الحقيقية، ولماذا تعدّ مهمّة جدّا؟ وكيف يمكننا أن نساهم في خدمة المجتمع؟ ويضيف المؤلّف: منذ سنوات أصبحتْ قراءة سينيكا كلّ صباح بداية رائعة ليومي. وكلّ ما كتبه خالد وباقٍ وما يزال يؤثّر فينا الى اليوم. وهذا ما يجعله يبدو معاصرا. ولأنه كان يتمتّع ببصيرة عميقة في علم النفس البشري، فإن الكثير من قرّاء سينيكا يشعرون بأنه مرشدهم الحكيم. صحيح انه مات منذ مئات السنين، لكن أفكاره ما تزال حيّة الى اليوم. كان خبيرا في البلاغة، وكان يكتب بأسلوب أدبيّ فريد قلّده آخرون، بدءا من عصر النهضة الإيطالية إلى رالف إيمرسون. وهذا الأسلوب الجذّاب هو ما يجعل كتاباته آسرة". على مدى الألفي عام الماضية، شهد عالمنا تطوّرا ...

خواطر في الأدب والفن

صورة
بعض اللوحات تصبح رمزية لدرجة يصعب معها تذكّر أنها أعمال رسم. ومن الأعمال التي يصدق عليها هذا الوصف لوحة "القبلة" لغوستاڤ كليمت. فبسبب شعبيّتها الدائمة وتأثيرها الثقافي وإعادة إنتاجها وتقليدها على نطاق واسع على مرّ السنين، ارتقت "أو ربّما انحدرت!" اللوحة إلى عالم لا علاقة له إطلاقا بالسياق الذي رُسمت فيه. موضوع اللوحة شخصان متشابكان، رجل وامرأة، يقطران ذهباً منصهراً. الرجل الذي لا يُرى وجهه يحتضن المرأة ويقبّل وجنتها، بينما عيناها مغمضتان وتعابير وجهها جامدة. وهي تلفّ يديها حول عنقه وتتشبّث بيده عند رقبتها. بعض النقّاد لاحظوا أن جسد الرجل الذهبي مزيّن بأشكال مستطيلة، بينما جسد المرأة تمثّله أشكال منحنية، وفي هذا استعادة للأشكال الذكورية والأنثوية الكلاسيكية. كما لاحظوا أن هناك شيئا من الاستبداد والعنف في عناق الرجل وشيئا من العجز واليأس والاستسلام من جهة المرأة. هل هي فاقدة للوعي أم أن عينيها مغمضتان في سعادة غامرة؟ هل تردّ عناق الرجل أم تحاول انتزاع يديه؟ كلّما تأمّلتَ هذه الصورة الأيقونية لفترة أطول، أصبحتْ أكثر قتامةً. وهي تدعونا لتحدّي تصوّراتنا المسبقة...