المشاركات

عرض المشاركات من مايو 18, 2025

أساطير الصحراء

صورة
تحمل الصحراء دهشة الواحات الخضراء ووعدا بالأسرار الكامنة وراء حُجُبها، وتخيّم عليها أساطيرُ القوافل التي لم تعُد والجيوش التي ابتلعها صمتها والمدن الشاسعة المدفونة تحت الرمال. وبينما لا ترى العين من الصحراء سوى القليل، فإن أكثر الأشياء إثارةً للرعب فيها هي تلك التي سمعتها الأذن: موسيقى تتسلّل من تحت حوافّ الكثبان الرملية، أصوات ساخرة أو فاتنة تنادي مشردّي القوافل، قرع طبول شبحية واشتباكات بالأسلحة تُسمع من بعيد. إن أيّ مسح لصحارى التاريخ يكشف عن العجائب. هناك، كلّ رجل يقاتل أخاه، ومع ذلك في كلّ خيمة الجميع آمنون، رجال القبائل الملثّمون يجوبون القفار، جماعات المهرّبين المتخفّين يجتازونها عبر مفازات مهجورة، النسّاك يذبلون ببطء في زنازين الصخر، المتشدّدون يجوبون الهضاب، الحباري والجمال البرّية تظهر في الأفق الغامض، وبقايا شعوب منسيّة تجوب الأرض التي تحته. الأساطير أنجزت الكثير بأقلّ جهد. يحدث أحيانا أن يرى المسافرون العطشى فجأة بحيرات ماء تتلألأ في الأفق، تحيط بها أشجار النخيل وتنعكس فيها صور المعابد. الرحّالة الڤينيسي ماركو بولو، مثلا، دوّن الكثير من تقاليد الأماكن المهجور...

خواطر في الأدب والفن

صورة
في مرحلة ما من حياة أيّ إنسان، قد يرغب في التخفّف من وظيفة مملّة أو علاقة سامّة أو التخلّي عن عالم غالباً ما نفقد فيه السيطرة على ما يحدث لنا. ربّما لهذه الأسباب، أصبحت الثقافة المعاصرة مهووسة بفكرة تجاوز حدود هذا العالم بحثاً عن هواء نقيّ ومنعش من عالم آخر. وسواءً تحقّقَ ذلك عن طريق كبسولة حمراء أو خزانة ملابس سرّية أو مرآة أو حتى جُحر أرنب، فإن ذلك لا يهمّ حقّا، فقد نقبل به. وهناك لحظات نقف فيها أمام الأبواب، أحيانا نُمسك بمقبض غير مناسب، أو بمزلاج صدئ، أو نرى مجرّد ثقب مفتاح معوّج. الأبواب العالية والغامضة التي تلوح في الأفق فوقنا تثير فينا تأمّلات كثيرة وتُطلق العنان لدوّامة من الأسئلة. وقد استُخدمت الأبواب في العديد من القصص كمنافذ إلى عوالم من الدهشة والانبهار. فكّر مليّا فيما تعلّمته، وفي الأسئلة التي كانت تراودك حول عالمك. وستدرك أن الإجابات كانت متناثرة على طول درب الحياة. في قصّة "أليس في بلاد العجائب"، كانت هناك أبواب في جميع أنحاء القاعة، لكنها كانت جميعها مغلقة. وعندما كانت أليس تنزل من جانب واحد وتصعد من الجانب الآخر، محاولةً فتح كلّ باب، مشت حزينة ...

خواطر في الأدب والفن

صورة
كان "وانغ وي" (699 - 761) شاعرا وموسيقيّا ورسّاما صينيّا. ويُعدّ من أبرز رجال الفنون والآداب في عصره. واشتهر بموهبته المزدوجة كشاعر طبيعة ورسّام مناظر طبيعية. وقد وصف أديب من عصره نتاجه بأنه "لوحات داخل قصائد". وعُرف بشكل خاص بأشعاره عن الجبال والجداول والأنهار وغابات الخيزران. والعديد من قصائده تصوّر مشاهد للماء والضباب مع حضور بشريّ ضئيل. في الأسطر التالية بعض مفردات وصور من عالم "وانغ وي" الشعري.. ◦ كان الطقس هادئا وصافياً، لذا قرّرت التجوّل في سفح الجبل، استرحتُ في معبد قديم وتناولتُ العشاء مع بعض النُسّاك هناك. وبعد العشاء عدت إلى البيت مرّة أخرى. اتّجهت شمالا، وعبرت النهر الذي انعكس فوق مياهه ضوء القمر الصافي بحافّة مبهرة. ◦ عندما تقدّمَ الليل كثيرا، تسلّقتُ أحد التلال ورأيت نور القمر يعلو ويهبط بفعل أمواج النهر المتدافعة. وعلى الجبل البارد، كانت الأضواء تتلألأ من بعيد ثم تختفي. وفي ممرّ عميق خلف الغابة، نبح كلب في البرد ثم أطلق صرخة شرسة كذئب. ◦ كانت أصوات القرويين وهم يطحنون الذرة ليلاً تملأ الفجوات بين الرنّات البطيئة للجرس البعيد. أ...

خواطر في الأدب والفن

صورة
ذات مرّة، أعلن الفنّان الهولندي ثيو فان دوسبيرغ أن الفنّ "قد سمّم حياتنا". وقال صديقه ومواطنه الرسّام بيت موندريان: إذا ألغينا الفنّ فلن يفتقده أحد". وأثناء الحرب العالمية الأولى، أعلن الشاعر الروسي ماياكوفسكي أن الفنّ قد مات بالفعل. وكتب: وَجد الفنّ نفسه في قاع الحياة، كان ضعيفا ولم يستطع الدفاع عن نفسه". وقال ألبيرتو جياكوميتي، أحد أهمّ نحّاتي القرن العشرين :إننا نبالغ في تقدير أهمية الفنّ، مع ان أغلبية الأحياء مستغنون عنه تماما". ومن جهته دعا أندريه بريتون زعيم السورياليين إلى إنهاء الفنّ والأدب. كان بريتون يعمل طبيبا نفسيّا يعالج الجنود المصابين بصدمات نفسية. وقد جعلته تلك التجربة يائسا من قدرة أيّ نوع من الفنّ على تعويض كلّ الأهوال والفظائع التي رآها خلال الحرب. ومع ذلك، فإن هذا هو بالضبط دور الفنّ في حياتنا. فإذا مررتَ بظروف سيّئة مثلا، فإنك تريح نفسك بالفنّ وبه تخفّف من غضبك وشعورك بالإحباط. يقول الكاتب مورغان فالكونر إن الدعوات المبكّرة لإنهاء الفنّ لم تحقّق أهدافها. ولم تكن البدائل المقترحة دائما قابلة للتطبيق. وكان بريتون قد اقترح المشي ف...