المشاركات

عرض المشاركات من يوليو 14, 2024

خواطر في الأدب والفن

صورة
الرسّامة الألمانية كاثي كولوفيتز صوّرت في لوحاتها معاناة الناس مع الحروب والظلم والموت. وصورها تمتلئ بالتعاطف مع الفئات الاجتماعية المحرومة، كما يمكن اعتبار تلك الصور محاكمة للأوضاع الاجتماعية والسياسية في ألمانيا في نهاية القرن التاسع عشر وبداية العشرين. بعد كارثة الحرب العالمية الأولى، أنتجت كولوفيتز مجموعة من سبع لوحات بعنوان "الحرب". واستخدمت صورا لأمّهات وأرامل وآباء مكلومين فقدوا أقاربهم في الحرب. وركّزت بشكل خاص على حزن الأمّهات بعد أن فقدت، هي أيضا، ابنها في الأشهر الأولى من الحرب. في لوحة الأمّهات، وهي جزء من لوحات الحرب، تظهر مجموعة من النساء الثكالى والمفجوعات وهنّ يحتضنّ بعضهنّ بعضا بعد أن فقدن ابناءهنّ في الحرب. الصورة تنقل إحساسا بالفقد واليأس. تعبيرات النساء مؤرّقة وتجسّد مشاعر الأمّهات اللاتي تحمّلن الألم الذي لا يمكن تخيّله لفقدان أبنائهن بسبب ويلات الحرب. الأطفال الذين يبرزون من تنانير أمّهاتهم في الصورة هم إشارة ضمنية إلى أن الأمّهات سيقفن معا لمنع أطفالهنّ من السير على طريق الحروب والدمار. لوحة "الأمّهات" تّعتبر شهادة على التزام ك...

فريدريش: العالم كروحٍ بدائية

صورة
في الكثير من صور الرسّام الألماني كاسبار دافيد فريدريش (1774-1840)، لا يزيد عدد الأشخاص عن اثنين في الغالب. وهما دائماً يعطيان ظهريهما للناظر، ويبدوان كما لو أنهما يخطوان خارج المكان الذي يقفان فيه، أو يبحثان عن شيء ناءٍ لا يمكن بلوغه، ويتبادلان حديثاً أشبه ما يكون بحديث الأرواح. وبالإضافة إلى هذا، هناك الحضور الدائم للقمر وأشجار السنديان، والأفق المنخفض كطريقة لإبراز قرب السماء وسيطرتها. كانت الموضوعات المفضّلة لدى فريدريش، والتي ضمّنها في صوره، الأشجار العارية في مناظر الطبيعة الشتائية، والأطلال المغطّاة بأشجار اللبلاب، والسماء فوق بحر البلطيق العاصف، والأشجار المتيبّسة أو الداكنة، والسماء الليلية، وضباب الصباح، والآثار القوطية أو الصخرية، والارتباط الدائم بين البشر والطبيعة. لم يكن الرسّام يصوّر الطبيعة فحسب، وإنما أيضا الحالات المزاجية والعواطف والمشاعر التي تستحضرها. ومصداقا لهذا كان دائما يردّد: لا ينبغي للفنّان أن يرسم ما يراه أمامه فقط، بل ما يراه داخل نفسه أيضا". الكاتب المسرحي الإيرلندي سامويل بيكيت قال ذات مرّة إن لوحة فريدريش "رجلان يتأمّلان ضوء القم...

في حضرة أبي العلاء

صورة
أوصى أبو العلاء المعرّي بأن يُكتب على شاهد قبره: هذا جناه ابي عليّ وما جنيت على أحد". لكن ألم يكن ابو العلاء شاعرا وحكيما وإنسانا عاقلا وناضجا؟ كيف إذن غاب عن باله ان الانسان مسئول بالكامل عن حياته؟ ولماذا علّق اخفاقاته على والده وبرّأ نفسه؟ ربّما لم يكن المعرّي يقصد والده بشخصه، وإنما أزمته الوجودية هو بما لها من مظاهر متعدّدة، مثل معاناته في الحياة وتجربته مع فقدان نعمة البصر وفقره ومرضه والفتن والمآسي التي رآها وعاصرها، وأيضا الأذى والتشهير اللذين تعرّض لهما بعد اتهامه بالزندقة بسبب بعض شعره. لكن هناك من يرى أن المعرّي لم تكن أزمته الدِّين بل البشر، فقد كشفت له حساسيته المفرطة والصادقة عن عالم البشر مبكّرا. ولمّا لم يستطع أن ينجو منهم أو أن يشفي غليله منهم، اتّجه إلى نفسه يلومها ويؤلمها. وهناك من يؤكّد أنه كان يقصد والده الحقيقيّ فعلا لأنه رآه سببا في أزمته الوجودية عندما أتى به إلى هذه الدنيا المرعبة. ومن المعروف أن المعرّي لم يتزوّج فينجب، ولذا قال: وما جنيتُ على أحد". الكثير من شعر المعرّي يصحّ وصفه بأنه عابر للأزمنة والثقافات والأديان. ومن ذلك قوله: إذا الإنس...

موت الاسكندر

صورة
عندما حضر الاسكندر المقدوني الموت بالقرب من بابل، فكّر في فتوحاته وأمجاده وفي الثروات التي جمعها خلالها، وأدرك أن كلّ ذلك لا يساوي شيئا طالما أن الموت قدر محتّم على الانسان في النهاية. بعد ذلك طلب رؤية أمّه فأُخبر باستحالة ذلك. ثم أوصى بثلاث وصايا: أن يحمله أطبّاؤه وحدهم إلى القبر، وأن يُفرش الممرّ الى القبر بالذهب، وأن تُترك يداه متدليّتين خارج الكفن. ووسط دهشة مساعديه وحاشيته من تلك الوصايا قال: أريد أن يحملني الأطبّاء وحدهم لكي يعرف الناس أن لا طبيب قادر على إنقاذ انسان واحد من الموت. وأريد ان يُفرش الطريق الى القبر بالذهب لكي يعرف الناس ان الانسان لا يأخذ معه الى القبر شيئا مهما كدّس من ثروات في حياته وأن صرف الانسان عمره في جمع المال هو مضيعة للوقت والصحّة وراحة البال. وأريد أن تظلّ يداي خارج الكفن لكي يعرف الناس انني أتيت الى هذا العالم بيدين خاويتين وأرحل عنه الآن كما أتيته." القصّة أعلاه ليس هناك ما يؤكّد أو ينفي وقوعها. لكن من المؤكّد أن الاسكندر توفّي بالقرب من بابل عام ٣٢٣ قبل الميلاد بعد إصابته بمرض غامض. في لوحة من ديوان الشاعر الآذاري نظامي، يظهر مجموعة م...