حصان تُورين
إذا كان هناك نموذج لشخصية متعدّدة الوجوه في تاريخ الفكر الإنساني، فإن هذا الشخص هو فريدريش نيتشه (1844-1900). كان موسيقيا وشاعرا وفيلسوفا وعالم لغة. وقد غيّر وجه الفلسفة الغربية إلى الأبد. ومن السمات الأقل شهرة في شخصية نيتشه هي أن صلته بالحيوانات كانت خاصّة جدًا، سيّما مع حصان رآه ذات يوم في تورين بإيطاليا. كان نيتشه يشفق على الحيوانات، لأنها كما ذكر في كتابه (تأمّلات في غير وقتها) تتشبّث بالحياة بشكل أعمى وبجنون دون أي هدف آخر، مع كل الرغبات المنحرفة لشخص أحمق". وكان يعتقد أن الحيوانات تتعثّر في الحياة ولا تدرك ما تفعله أو لماذا تفعله. وهي لا تعيش مع ذكريات ولادتها ولا تعرف أنها ستموت في النهاية، فهي غافلة عن وجودها السابق وعمّا بعد وجودها. والأسوأ من ذلك اعتقاده أنها تفتقر إلى الذكاء الذي يؤهّلها لأن تجرّب المتعة والمعاناة بعمق مثلما نفعل نحن البشر". وبالنسبة لفيلسوف وجودي مثل نيتشه، كان ذلك بمثابة مأزق حقيقي. لكنه كان يحسد الحيوانات على انها لا تعرف القلق، فكتب: فكّر في الماشية، إنها ترعى وهي تمرّ بجانبك، ولا تعرف ما المقصود بالأمس أو اليوم، وتأكل وتستريح وتهضم ...