محطّات
لا شيء يثير الحزن كالمدن. قد يكون للريف رومانسيّوه مثل بايرون وشيللر وكولريدج وشيللي وغيرهم الذين ربطوا صراعات الطبيعة الملحمية بأهمّ مآسي النفس البشرية. لكن الكئيبين والحزانى لا يهتمّون بالمآسي الكبيرة ولا بالمباهج، بل بأمزجة المَلل والحزن والعزلة. التجربة الأدبيّة للفضاء الحضريّ هي في كثير من الأحيان تجربة الشوق والحنين والاغتراب والفقد. وبالنسبة للكتّاب، فإن المدينة ليست مجرّد مكان، بل قصّة رمزية وتجسيد مادّي لعدم تكرار التجربة ولحتمية الاضمحلال. لكلّ مدينة تاريخية علامتها المميّزة من الحزن المرتبط بها بشكل لا يمكن محوُه، وكلّ مدينة مرتبطة بالندوب التي تحملها. فمثلا تتمتّع لشبونة بحنينها المرتبط بإرث المدينة المتمثل في اختفاء البحّارة والمستكشفين الذين تحطّمت سفنهم بحثا عن آفاق غريبة. واسطنبول لديها الحزن "هوزون بالتركية"، وهو علامة فارقة من الكآبة المشوبة بالدِين والمتجذّرة في حنين المدينة إلى ماضيها المجيد. وكما كتب أورهان باموك مرّة: يواصل سكّان إسطنبول حياتهم ببساطة وسط الأنقاض، هذه الآثار هي تذكير بأن المدينة الحالية فقيرة ومرتبكة لدرجة أنها لا تستطيع ابدا...