المشاركات

عرض المشاركات من يونيو 12, 2011

إلتقاء الأضداد

صورة
قراءة سِيَر بعض الشخصيات التاريخية، يستوي إن كانت الشخصية خيّرة أو شريرة، هي من الأشياء التي تجلب المتعة وتثير التفكير والتأمّل. و سيزار بورجيا يوفّر نموذجا نادراً للصنف الثاني. كان هذا الأمير الايطالي شخصيّة اجتمعت فيها شتّى المتناقضات. يقال انه كان فيلسوفا وفنّانا على طريقته. كما كان أكثر الرجال وسامةً في ايطاليا في زمانه. لكنه أيضا، وهذا هو الجانب الطاغي في شخصيّته، كان مقاتلا اشتُهر بعنفه وقسوته. وكان من عادته إذا ظفر بأحد خصومه أن يُخضِعه لأشدّ صنوف التعذيب والتنكيل قبل أن يأمر بقتله بالسيف. وجانب من أهمّية هذا الرجل يتمثّل في حقيقة انه عاصر شخصيّتين أخريين بارزتين، هما نيكولو ميكيافيللي وليوناردو دافنشي. لكن الأخيرَين كانا أكثر منه أهمّية وأعمق أثرا. كان بورجيا يعمل على توحيد ايطاليا تحت قيادته. وكان ميكيافيللي ينظر إليه بمزيج من مشاعر الإعجاب والكراهية. كان يراقب بطش هذا الرجل وقسوته بحقّ معارضيه، وهو أمر أسهم في تعميق فهم ميكيافيللي لطبيعة ومنطق السلطة. ولم يكن مفاجئا أن بورجيا أصبح النموذج الذي بنى عليه ميكيافيللي مادّة كتابه المشهور "الأمير". دافنشي هو الآخر أصبح م...

قصْر الذكريات

صورة
صورة فوتوغرافية مبكّرة لـ ميرا بارتوك وهي طفلة بين ذراعي أمها تصوّر ما يمكن أن يكون مشهدا من مشاهد الطفولة الطبيعية. لكنْ، تحت سطح هذه الصورة الهادئة، يكمن واقع أكثر قتامة وحزنا. تكتب بارتوك: إذا استطعت أن ترى الصورة كاملة، فستلاحظ أنّني، وأنا بين ذراعي أمّي، كنت انظر إليها وأنا أبتسم. غير أن ما لم تستطع هذه الصورة أن تقوله هو أنه لم يمض وقت طويل على التقاطها حتى حاولت أمّي الانتحار بإلقاء نفسها من النافذة". من خلال تأريخها لفترة شبابها غير التقليدية في مذكّراتها الصادرة حديثا بعنوان قصر الذكريات ، تروي ميرا بارتوك جوانب من قصّة حياتها الصعبة والمؤلمة تحت رعاية والدتها المطلّقة، نورما، وهي امرأة رائعة كانت تعاني من انفصام الشخصيّة. بعد وقت قصير من انتهاء الحرب العالمية الثانية، مرّت نورما، والدة ميرا، بأوّل تجربة لها مع الانهيار العصبي وهي في سنّ التاسعة عشرة. وطوال خمسينات القرن الماضي، كانت حالتها تتراجع شيئا فشيئا. وبنهاية ذلك العقد، وبعد زواجها العابر وولادة ابنتيها في وقت لاحق، كان مرض نورما يزداد سوءا، وضعفت علاقتها بالواقع بشكل مطّرد، ثم انزلقت إلى أعماق عالم مظلم من العذا...

مار جرجس والتّنين

صورة
في الماضي كان الفنّانون يتنافسون في رسم اللوحات التي تصوّر قصصا دينية مستوحاة من الكتب المقدّسة. اليوم لم يعد هناك من يهتمّ كثيرا برسم مثل هذه القصص. ومن أشهر، وربّما أطرف القصص الدينية التي فتنت الرسّامين في العصور المتقدّمة قصّة القدّيس جورج "أو مار جرجس كما يُعرف في بلاد المشرق" مع التنّين. هذه القصّة يقال أنها حدثت في مكان ما في فلسطين. لكن هناك من ينسبها إلى ليبيا. وهي تحكي عن أهل إحدى القرى الذين كانوا يعتمدون في حياتهم على مياه احد الينابيع. وفي احد الأيّام، حلّ بأرضهم تنّين شرّير كان يترصّدهم ويحول بينهم وبين النبع. ولكي يبلغوا النبع، كان يتعيّن عليهم أن يضحّوا كلّ يوم بخروف يقدّمونه للتنّين إلى أن انقرضت جميع مواشيهم. لكنهم كانوا ما يزالون بحاجة إلى الماء. لذا اضطرّوا للتضحية ببناتهم واحدة بعد الأخرى، إلى أن أتى الدور على آخر فتاة تبقّت في القرية وكانت أميرة جميلة وابنة لزعيم القرية. في ذلك اليوم، تصادف أن كان مار جرجس مارّاً بالقرية. ولما رأى الفتاة وهي على وشك أن تُقدّم قربانا للتّنين، انقضّ على الوحش برمحه والتحم معه في قتال دام إلى أن تمكّن من قتله. دائرة المعارف...

الطبيعة في لوحات فريدريش

صورة
الرسّام الرومانسي الألماني كاسبار ديفيد فريدريش ولد عام 1774م، وكان احد كبار أنصار الطبيعة الرمزية في الرسم الأوربّي. درس فريدريش في أكاديمية كوبنهاغن قبل أن يستقرّ في دريسدن. كما سافر كثيرا في أرجاء ألمانيا. ومناظره الطبيعية جميعها مستوحاة من طبيعة الشمال الألماني. وتتضمّن تصويرا جميلا للأشجار والتلال والموانئ والضباب الصباحي وغيرها من تأثيرات الضوء الذي يعتمد على الملاحظة اللصيقة للطبيعة. وما يميّز أعمال فريدريش هو تحويله الطبيعة إلى معان رمزية، وغالبا دينية. ومناظره، التي تصوّر أودية ومساقط مياه غامضة وقمم جبال خطرة وبحاراً شاسعة من الثلج، تخلو غالبا من البشر. والطبيعة في هذه الصور ليست كريمة أو معطاءة، بل تبدو كما لو أنها تهديد مخيف ومستمرّ لاستقرار وطمأنينة الإنسان. ومع ذلك، يُنظر إلى بعض لوحات فريدريش المشهورة كتعبير عن لحظات من التصوّف الديني. فقد رسم عددا كبيرا من الصور التي تهيمن فيها الصُلبان على الطبيعة. لكن التركيز الأساسي هو على الطبيعة ذاتها. حتّى بعض لوحات فريدريش غير الرمزية بوضوح تحتوي على معان ورموز داخلية تدلّ عليها كتاباته لبعض أصدقائه. مثلا لوحته المسمّاة كنيسة في ...