:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


‏إظهار الرسائل ذات التسميات دو شافان. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات دو شافان. إظهار كافة الرسائل

الجمعة، فبراير 27، 2015

خواطر في الأدب والفن

بين الدبلوماسية والفنّ


تقول القصّة إن هنري الثامن ملك انجلترا كان يبحث لنفسه عن زوجة جديدة. وقد اخبره بعض المقرّبين منه عن أرملة جميلة، هي كريستينا ابنة ملك الدنمارك الذي تربطه علاقة قربى مع بعض أباطرة روما القدماء.
في ذلك الوقت، أي حوالي منتصف القرن السادس عشر، لم يكن من المتيسّر دائما أن يرى الرجال النساء اللاتي يريدون الاقتران بهنّ. وكان الملوك والأمراء كثيرا ما يقرّرون زيجاتهم بناءً على صورة للمرأة المراد الزواج منها.
كان عمر هنري وقتها يقترب من الخمسين، وكان متزوّجا من ثلاث نساء، لكنه كان يفكّر في الاقتران بامرأة رابعة. والأميرة الدنماركية لم تكن قد تجاوزت الثامنة عشرة من عمرها.
لكن كان على الملك أن يعرف أوّلا مستوى جمالها ونوعية شخصيّتها. وكان قد سمع عنها كلاما مشجّعا من بعض أفراد حاشيته. لكنه كان بحاجة لشيء ما أكثر من مجرّد السماع. لذا أرسل رسّام البلاط هانس هولبين في مهمّة إلى الدنمارك كي يرى الزوجة الموعودة ويرسمها.
كانت الدنمارك في ذلك الوقت ما تزال منتمية إلى أفكار القرون الوسطى وكانت فيها طبقة نبلاء قويّة وثقافة فروسية.
وقد ذهب هولبين إلى الدنمارك ومكث فيها بضعة أسابيع رسم خلالها لوحة من الواقع للأميرة. الصورة التي رسمها لها كانت بديعة بالفعل وتبدو فيها كامرأة جميلة من عصر النهضة ترتدي ملابس حداد وعلى وجهها ابتسامة تشبه الموناليزا.
ويبدو أن هنري فُتن بملامح المرأة وبجمالها. وعلى الفور طلب يدها، غير أن كريستينا لم تكن في عجلة من أمرها.
والفكرة التي يتناقلها الناس جيلا بعد جيل وردّدها المؤرّخون وكتّاب السيَر من تلك الفترة هي أن كريستينا رفضت في النهاية الاقتران بالملك البدين والمريض.
بورتريه كريستينا لهانس هولبين يُعتبر اليوم احد أشهر الصور الملكية في تاريخ انجلترا، وهو من مقتنيات الناشيونال غاليري بلندن. والبورتريه مثال على امتزاج الدبلوماسية باللغة البصرية، وأيضا على المكانة السياسية العالية التي كان الرسّامون يتمتّعون بها في عصر النهضة.

❉ ❉ ❉

استهلالات روائية


أحيانا تقرأ رواية فيأسرك الاستهلال أو الكلمات الأولى فيها، تجد أنها تضرب على وتر خفيّ ومن ثمّ تحرّضك على الاستمرار في القراءة. العبارة الأولى في أيّة رواية تُعتبر حاسمة ومهمّة جدّا لأنها تثير اهتمام القارئ من جهة، وكثيرا ما توحي بشيء ما من الأسلوب الخاصّ أو المتفرّد للكاتب من جهة أخرى.
أعظم استهلال قرأته لرواية هو كلمات غارسيا ماركيز التي بدأ بها روايته "مائة عام من العزلة". يكتب ماركيز في مستهلّ هذه الرواية قائلا: بعد سنوات طويلة، وأمام فرقة الإعدام، تذكّر الكولونيل أورليانو بوينديا عصر ذلك اليوم البعيد الذي اصطحبه فيه والده كي يتعرّف على الثلج لأوّل مرّة. كانت ماكوندو يومئذ قرية صغيرة من حوالي عشرين بيتا من القصب بُنيت على ضفّة نهر".
لاحظ هذا المزج الفريد بين ما هو شخصي وتاريخي، ثم المفارقة بين دلالتي النار "أي الإعدام بالرصاص" والثلج وكيف أن ماركيز جمع بين هذين العنصرين في لحظات الموت، أي تلك اللحظات التي تذوب فيها الفوارق بين المتضادّات.
هذا الاستهلال حادّ وصادم، ومن الطبيعي أن يطرح القارئ تساؤلات عن السبب في إعدام الكولونيل مثلا، وكيف يمكن أن يكتشف الإنسان شيئا هو في الأصل معروف وموجود في الطبيعة منذ الأزل؟
ومن أفضل الاستهلالات الأخرى أيضا تلك الجملة الشهيرة التي يبدأ فيها ليو تولستوي روايته "آنّا كارينينا" متحدّثا عن الفرق بين العائلات السعيدة وغير السعيدة بقوله: كلّ العائلات السعيدة تتشابه. لكنّ لكلّ عائلة تعيسة طريقتها الخاصّة في التعاسة."
فكرة تولستوي مثيرة للاهتمام مع أنها تتطلّب لحظات لاستيعابها وفهمها. واستهلاله الرائع يخبرنا بأن هذه الرواية هي عن الذكريات والعزلة وعن تقلّب الأحوال وتبدّل الأزمنة.

❉ ❉ ❉

بارت: موسيقى متقشّفة


قبل سبعينات القرن الماضي، كان الايستوني آرفو بارت موسيقيّا ثوريّا يعيش تحت رحمة النظام السوفياتي. ومن وقت لآخر، كان يختبر مستوى الحرّيات الجديدة لعصر ما بعد ستالين من خلال التجريب الموسيقيّ.
واليوم أصبح بارت معروفا بأسلوبه الموسيقيّ الذي يطلق عليه البعض "التقليلية الصوفية"، والذي يمزج فيه بين أهمّ سمات التقليلية كالتكرار والبساطة النغمية مع إحساس عميق بالتوق الروحي.
معزوفة بارت بعنوان "مرآة في المرآة" تأخذ السامع إلى عالم من التأمّل والسموّ الروحي من خلال توظيف آلات موسيقية أساسية كالبيانو والكمان والتشيللو.

❉ ❉ ❉

فالادون: من موديل إلى رسّامة


عندما يتقاطر على منزلك أشخاص مثل تولوز لوتريك ورينوار وبيير دو شافان ليرسموك، فمن المرجّح انك تمتلك شيئا يستحقّ أن ينظر إليه الآخرون.
وإذا درست أعمال هؤلاء الروّاد الفرنسيين الثلاثة، فسرعان ما سترى الملامح المقدّسة لسوزان فالادون وهي تحدّق فيك وجها لوجه أو ترمقك بنظرة جانبية خفيفة.
ولدت سوزان فالادون في فرنسا في سبتمبر من عام 1865 لعائلة متواضعة. وقد أجبرتها الظروف على أن تبحث لنفسها عن عمل وهي ما تزال في سنّ المراهقة. وعندما بلغت الخامسة عشرة من عمرها، عملت بهلوانة في سيرك. وقد اضطرّها سقوطها من إحدى المراجيح لأن تغيّر مهنتها، فعرضت نفسها على الرسّام بيير بوفي دو شافان لتعمل عنده كموديل في مرسمه في حيّ مونمارتر.
تخيّل فتاة جميلة وشابّة تعمل لوحدها مع رسّام عاطفي. لنتذكّر انه خلال أعوام الطفرة الانطباعية في باريس القرن التاسع عشر، كانت الموديلات في كثير من الأحيان يؤدّين دور العشيقات لأرباب عملهن. وسوزان لم تكن مختلفة عن البقيّة. كانت معروفة على الخصوص بعلاقاتها الحميمة مع كلّ من رينوار و دو شافان.
غير أن الآنسة فالادون لم تكن تكتفي بدور الجميلة والمغرية بالنسبة للرسّامين. فخلال الوقت الذي كانت تعمل فيه كموديل، كانت أيضا تولي اهتماما بالموادّ والأساليب التي يستخدمها أرباب عملها. واكتشفت في النهاية أنها تجيد استخدام الألوان وممارسة الرسم. وشيئا فشيئا صارت فنّانة معروفة.
ومع مرور السنوات، أصبحت مشهورة بسبب استخدامها للألوان الحيّة والتوليف الجذّاب وتمثيلها الجريء للأنثى العارية. كانت ترسم غالبا بالباستيل والألوان الزيتية. واستطاعت أن تحصل على دخل ثابت وسمعة محترمة. وكانت تعرض لوحاتها باستمرار. ثم أصبحت أوّل رسّامة أنثى تلتحق بالجمعية الوطنية للفنون الجميلة.
إذا لم يكن هذا كلّه كافيا لإقناعك بموهبة وشهرة سوزان فالادون، فقد يفاجئك أن تعرف أن هناك فوّهة بركان خامد على كوكب الزهرة سُمّيت على اسمها تكريما لها واعترافا بمكانتها وموهبتها.

❉ ❉ ❉

أقوال


هنا بعض العبارات وقصاصات الورق التي قرأتها واحتفظت بها مؤخّرا. بعضها يثير الاهتمام والبعض الآخر يحرّض على التفكير والتأمّل..

  • الناس الذين يحاولون قراءة ما بداخلك لا ينصفونك، لأنهم لا يقدّرون الجهد الذي تبذله دائما كي تصبح إنسانا أفضل، وهي مهمّة صعبة تستحقّ أن تُلاحظ وأن تُقدّر.
    - مارلين روبنسون
  • بعض البشر لا يشعرون بأنهم يؤلمونك، لأنك تسامحهم دائما. ولأنك تسامحهم دائماً فإنهم لا يشعرون بخطئهم. أحيانا تكون صفاتنا الجميلة هي سبب مشاكلنا.
  • مفزع عدد تلك التعاليم الدينية مقارنة بما فعله أجلاف هذا الكوكب من البشر في المائة عام الأخيرة فقط.
  • وإنّي لأهوى النومَ في غيرِ حينهِ
    لعلّ لقاءً في المنام يكونُ
    تُحدّثني الأحلامُ أني أراكمُ
    فيا ليتَ أحلامَ المنامِ يقينُ!
    - قيس لُبنى
  • إذا لم يملأ المسلمون قلوبهم بالحبّ بدل الخوف والغضب، بالعشق بدل الحقد والرّعب، فسيمسون في آخر العهد أمّة بلا عهد؛ مجرّد جوقة من القتلة والمجرمين وقطّاع الطرق والمعتوهين.
  • لا تتعجّب من عصفور يهرب وأنت تقترب منه وفى يدك طعام له. فالطيور، على عكس بعض البشر، تؤمن بأن الحرّية أغلى من الخبز.
    - د. ابراهيم الفقي
  • من مصائبنا نحن العرب أن من يحارب طغاتنا أكثر منهم طغيانا وإجراما بما لا يقاس. لنتصوّر كيف تحارب كلّ من داعش والنصرة نظام الأسد ليقيموا نظاما من عندهم بدلا منه!
  • يا اللي بتبحث عن إله تعبده
    بحث الغريق عن أيّ شيء ينجده
    الله جميل وعليم ورحمن رحيم
    إحمل صفاته وانتَ راح توجده
    - صلاح جاهين
  • يتعلّم الطفل التمايل على أنغام الموسيقى والتصفيق قبل أن يتعلّم كيفيّة تركيب جُملة كاملة. الموسيقى حياة بعكس ما أوهمنا به أعداء الحياة!
  • كيف لأمّة تفكّر ليل نهار في الموت وعذاب القبر أن تنتج أو تتحرّك من مكانها، امّة كلما مسّها ضرّ قالت هذه عقوبة من الله وشرط من أشراط الساعة؟!
  • تعريف الديّوث هو الرجل السويّ المحترم الذي يمنح أسرته حقّ الاختيار وهامشا من الحرّية دون أن يكترث لكلام السعوديين.
  • لا يهمّني ما تؤمن أو ما لا تؤمن به. ما يهمّني هو كيف نستطيع أن نعيش سويّة في مجتمع واحد دون أن يقتل احدنا الآخر.
  • البارحة نايم وفي نومي حلمت
    شايب يناديني ويسألني بذوق
    ما دام ربّي في السما والبشر تحت
    حبّيت أنا اعرف ليه ما نسجد لفوق؟!
  • لماذا يجب أن نقتل الآخرين دفاعا عن الله؟ أليس الله بقادر على أن يتخلّص من أعدائه؟!
  • أجمل ما في حرّية الانترنت أنها في غياب أيّ رقيب عدا الله، تمنحك الفرصة للتعرّف على حصّتك من نبل السلوك وطهارة الضمير.
  • عندما تجد نفسك مضطرّا لإقناع الكثيرين بأن قتل المختلف عنك في الدين أو المذهب جريمة، فتأكّد بأنك تعيش وسط مجرمين.
  • من الواجب تحديد جنس الموت ومعرفة إن كان ذكراً أو أنثى. فإن كان ذكراً وجبت مقارعته حتى النهاية، وإن كان أنثى وجب الاستسلام لها حتى الرمق الأخير.
    - معمّر القذّافي
  • ترى ماذا لو قرّر حفنة من الطليان المتخلّفين إحياء الإمبراطورية الرومانية؟ وماذا لو قرّر أحفاد الاسكندر إحياء إمبراطورية جدّهم؟ هل لاحظتم مستوى الجنون الذي عندنا؟!
  • إن كنت لا ترى غير ما يكشف عنه الضوء ولا تسمع غير ما يعلن عنه الصوت، فأنت في الحقيقة لا تبصر ولا تسمع.
    - جبران
  • انتبه لله الذي في تصوّرك، فقد يكون فقيها وليس إلها!
  • لا تشارك في أيّة ثورة إلا إذا كان قادتها يحملون أقلاماً وآلات موسيقية وأدوات رسم.
  • العِناق هو أن تأتي بعطر وتعود بعطرين!

    Credits
    theguardian.com
    archive.org
    books.google.com
  • الخميس، أبريل 26، 2012

    خطوط وألوان

    رافائيل، حلم الفارس، 1504

    يُعتبر رافائيل احد أعظم الرسّامين الذين أنجبهم عصر النهضة الايطالي. وقد ولد في أوربينو عام 1483 وتلقّى تعليما مبكّرا في الرسم على يد والده، الذي كان رسّاما هو الآخر.
    في عام 1504 انتقل رافائيل إلى فلورنسا، حيث درس أعمال كبار الرسّامين آنذاك مثل ليوناردو دافنشي ومايكل أنجيلو، وتعلّم أساليبهما في التعامل مع الضوء والظلّ وعلم التشريح والعمل الدرامي والحركة.
    من أشهر أعمال رافائيل لوحته الرمزية بعنوان "حلم الفارس". وهي تصوّر فارسا من العصور الوسطى وهو نائم بينما تقف عن يساره ويمينه امرأتان.
    المرأة إلى اليسار ترمز إلى الفضيلة. وهي ترتدي ثياب أثينا إلهة العدالة اليونانية وتمسك بإحدى يديها كتابا وبالأخرى سيفا، بينما تقف بموازاة طريق يقود إلى جبل صخري يظهر في نهايته منحدر بُنيت على أطرافه قلعة عالية. المعنى الذي قصده رافائيل هو أن الطريق الذي يؤدّي إلى الفضيلة من الصعب سلوكه لأنه شاقّ ووعر.
    المرأة إلى اليمين ترتدي ثوبا ملوّنا وعقدا من اللؤلؤ. وهي لا تقدّم للفارس سوى زهرة صغيرة. والطريق الذي تقف بمحاذاته يمرّ عبر تلال ومروج وينتهي بمنزل فاره يقع على شاطئ البحر. والمعنى الكامن هنا هو أن الطريق إلى الحبّ أسهل بكثير من الطريق المؤدّي إلى الفضيلة.
    رافائيل استخدم في اللوحة وسيلة جديدة وغير عاديّة وهي انه رسم الجبال في الخلفية بنفس لون السماء كي يعطي وهما بالمسافة البعيدة والأفق النائي.
    هناك نظريات متعدّدة حول ما ترمز إليه اللوحة. بعض المؤرّخين يعتقدون أن الفارس النائم يمثل الجنرال الروماني سيبيو افريكانوس الذي رأى في الحلم انه مضطرّ للاختيار بين الفضيلة وبين متعة الحبّ.
    غير أن المرأتين في اللوحة لا تظهران كمتنافستين بالضرورة. فالكتاب والسيف والزهرة، مجتمعةً، كثيرا ما ترمز إلى الصفات المثالية التي ينبغي أن يحوزها الفارس. فهو مقاتل في الأساس. لكنه بنفس الوقت عالم وعاشق.
    المعروف أن رافاييل توفّي في روما في يوم عيد ميلاده السابع والثلاثين، أي في ابريل من عام 1520م.

    كيس فان دونغن، بذور الخشخاش، 1919

    في أواخر عشرينات القرن الماضي، بدأت النساء في أنحاء متفرّقة من أوربّا يتمتّعن بحرّية واستقلالية اكبر، خاصّة في أمور اللباس والمظهر.
    وهذه اللوحة تُظهر التغيير الذي طرأ على أوضاع المرأة في تلك الفترة. والمرأة فيها هي نموذج ورمز للمرأة الجديدة التي أصبحت ترتدي التنانير القصيرة والألوان الزاهية. الموديل هنا ترتدي فستانا رماديا فاتح اللون وقبّعة عصرية وذات ألوان حمراء مع مكياج سميك للعين. العينان لوزيتان وواسعتان والنظرات مواربة والعنق طويل والشفتان صغيرتان حمراوان. وهناك احتمال بأن المرأة كانت واحدة من مجموعة من النساء الباريسيات اللاتي كنّ يعشن حياة منفلتة في فترة ما بين الحربين العالميتين.
    من أهم ما يجذب الانتباه في اللوحة الألوان التي تكاد تتقافز منها معطية المرأة تأثيرا ثلاثي الأبعاد.
    ولد كيس فان دونغن في إحدى ضواحي روتردام بـ هولندا عام 1877م. وفي سنّ السادسة عشرة درس في أكاديمية الفنون بـ روتردام ثم انتقل إلى باريس التي قرّر أن يقيم فيها بشكل دائم. ولم يلبث أن أصبح جزءا من المشهد الفنّي في مونمارتر.
    في بداياته، كان الرسّام متأثّرا بأعمال هنري ماتيس ورموز المدرسة الوحشية في الرسم. كان أتباع الوحشية يستخدمون الألوان الزاهية بطريقة تجمع ما بين الانطباعية والنُقطية. وأصبح هذا النمط الجديد يحظى بشعبية كبيرة في أوساط النخبة الذين بدءوا يستعينون بالفنّانين الوحشيين لرسم بورتريهات لهم. ومن بين هؤلاء ملك بلجيكا ليوبولد الثاني والاغا خان والممثّل موريس شوفالييه والممثّلة بريجيت باردو وغيرهم.
    كان فان دونغن رسّاما غزير الإنتاج. كان يعتقد أن الرسم يطفئ رغبة دنيوية عند الإنسان. وفي ما بعد، ربطته صداقة وثيقة مع بيكاسو. وبعد الحرب العالمية الأولى اكتسب شعبية إضافية. وقد عُرف عنه كثرة أسفاره. ودفعته الرغبة في اكتشاف الشرق للذهاب إلى مصر والمغرب. ورسم من وحي رحلته تلك بورتريهات فاتنة لنساء مع ملابسهنّ ذات الزخارف الشرقية.
    كان فان دونغن إنسانا ساحرا مع إحساس بالمرح وحبّ الدعابة. وقد اشتهر بلحيته الحمراء وبملابسه التي تشبه ملابس الصيّادين. ومن ناحية أخرى، كان نموذجا للفنّان البوهيمي وكان أسلوب حياته مثارا للجدل. الحفلات الباذخة التي كان يقيمها في محترفه ليلا كان يحضرها المشاهير من نجوم السينما والسياسة والأدب والفنّ.
    واليوم تباع لوحاته بأرقام قياسية كما أن اسمه متداول كثيرا على الانترنت. وتوجد بعض أعماله في مجموعات فنّية خاصّة في نيويورك وجنيف وموسكو، بل وحتى في إيران وروسيا.
    عاش كيس فان دونغن حياة طويلة ومثمرة. وتوفّي في مونت كارلو عام 1968 عن واحد وتسعين عاما.

    جان بيرو، في المقهى، 1892

    ابتداءً من نهايات القرن التاسع عشر، أصبحت المقاهي ملتقى يجمع أصنافا مختلفة من الناس، وخاصّة الأدباء والشعراء والرسّامين. كان هؤلاء يتردّدون على المقاهي لتمضية بعض الوقت في الحديث مع زملائهم أو لتناول الشراب، وأحيانا للبحث عن مواقف وقصص إنسانية أو اجتماعية تصلح للرسم أو الكتابة.
    الرسّام الفرنسي جان بيرو اشتهر بلوحاته التي تصوّر مظاهر من الحياة اليومية في باريس مثل أجواء المقاهي ومناظر الشوارع المزدحمة والحفلات الموسيقية التي تقام في الهواء الطلق.
    في هذه اللوحة يرسم بيرو رجلا وامرأة يجلسان في مقهى وهما منشغلان بالنظر إلى شيء أو شخص ما يقع خارج نطاق الصورة. الكرسيّ المائل قليلا أمام الطاولة يوحي بأن الرجل انتقل من ذلك المكان كي يصبح أكثر قربا من المرأة، أو أن شخصا ثالثا كان يجلس هناك ثم ترك مكانه لبعض الوقت، ما قد يفسّر تحوّل انتباه الرجل والمرأة.
    مهارة الرسّام تبدو واضحة في رسم تفاصيل الطاولة الرخامية والكأسين نصف المملوئين والدخان المتصاعد من سيجارة الرجل. ومن الملاحظ أن بيرو تعمّد أن لا يرسم الرجل والمرأة متواجهين كما جرت العادة في مثل هذه المناظر، للإيحاء بإمكانية وجود حالات ومواقف أكثر إثارة للاهتمام من مجرّد تبادل الحديث بين شخصين.
    ولد جان بيرو في روسيا وهاجر مع عائلته إلى فرنسا عندما كان ما يزال طفلا. وفي بدايات حياته درس القانون بناءً على رغبة والده الذي كان يعمل نحّاتا. لكنه في ما بعد فضّل أن يتخّصص في الرسم، فدرس على يد ليون بونا وتأثّر بأسلوب الانطباعيين. وفي مرحلة تالية تبنّى أسلوبا وسيطا بين الفنّ الأكاديمي للصالون وفنّ الانطباعيين.
    كان جان بيرو بارعا بشكل خاصّ في رصد وتسجيل التفاصيل. وقد تعزّزت مهارته تلك مع ظهور التصوير الفوتوغرافي، الذي وظّفه كي يضفي على مناظره عن الحياة اليومية الباريسية مزيدا من الحيوية والأناقة.
    في وقت لاحق، رسم بيرو مواضيع دينية حديثة. لكن أعماله الأكثر شهرة هي تلك التي رسمها لباريس في أيّام مجدها.

    بيير بوفي دو شافان، الحلم، 1883

    الإشارات إلى الأحلام قديمة قدَم الأدب نفسه. ملحمتا غلغامش والإلياذة، على سبيل المثال، تصفان أحلام الشخصيات الرئيسية فيهما ومعاني تلك الأحلام.
    غير أن الأحلام كموضوع في الرسم لم تظهر سوى في وقت لاحق، وبالتحديد في أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين عندما أدخلت كلّ من الرمزية والتعبيرية صور الأحلام إلى الفنون البصرية.
    في هذه اللوحة، يرسم بيير دو شافان رجلا نائما بجوار شجرة في طبيعة مثالية ذات ليلة مقمرة وصافية، بينما تطير فوقه ثلاث نساء. الأولى تحمل الورود في يديها، في إشارة إلى الحبّ. والثانية تلوّح بإكليل الغار الذي يرمز للمجد. بينما تنثر الثالثة حوله القطع النقدية التي ترمز إلى الغنى والثروة.
    من الواضح أن الرجل يحلم بالحبّ والثروة والمجد. لكن هل يتحقّق حلمه؟
    المنظر الطبيعي في اللوحة مرسوم باقتصاد واضح. الأشكال مبسّطة للغاية ومرسومة في مناطق واسعة من الألوان الصلبة. وقد استخدم الرسّام مجموعة محدودة من الألوان الهادئة والساطعة بتأثير ضوء القمر.
    الحركة الرومانسية كانت تؤكّد على قيمة العاطفة والإلهام. والرؤى، سواءً كانت أحلاما طبيعية أو نتيجة تعاطي المواد المُسْكرة، كانت تُستخدم كوسيلة لإظهار قدرات الفنّان الإبداعية.
    غير أن الأحلام بلغت مستوى جديدا من الوعي في العالم الغربي بسبب نظريات سيغموند فرويد، الذي عرض لمفهوم العقل الباطن كحقل للبحث العلمي. وكان لـ فرويد أثر كبير على سورياليي القرن العشرين الذين ركّزوا في أعمالهم على اللاوعي بوصفه أداة للإبداع.

    Credits
    en.wikipedia.org

    الجمعة، فبراير 06، 2009

    رسّام المساء


    وأنت تنظر إلى رسومات الرمزيين الفرنسيين، لا بدّ وأن يلفت انتباهك هذا الشبه الكبير بين الأفكار التي يعبّرون عنها في أعمالهم وبين تصوّرات وأفكار المتصوّفة عبر العصور.
    فالرسّام الرمزي والشاعر أو الحكيم الصوفي كلاهما معنيان بالرموز والصور كوسيلة للتعبير عن الرؤى الداخلية للإنسان.
    الفونس اوزبيرت قد لا يكون اسما مألوفا كثيرا في دنيا الرسم. ومع ذلك لا تملك إلا أن تُعجب بألوانه ومواضيع صوره الرمزية التي تنزع عن الأشكال والأشياء مادّيتها وتضفي عليها طابعا روحيا يمازجه بعض الغموض.
    تتمعّن في لوحاته فتتذكّر صور دو شافان وغوستاف مورو واوديلون ريدون وغيرهم من الرسّامين الذين كانوا يشكّلون أضلاع الرمزية الفرنسية في الفنّ.
    اوزبيرت تأثر في بداياته بواقعية الرسّامين الأسبان. ثم جرّب الأسلوب الانطباعي. وبنهاية ثمانينات القرن التاسع عشر تعرّف على عدد من الشعراء الرمزيين، ما دفعه إلى تبنّي الأفكار الجمالية التي كانوا ينادون بها وعلى رأسها التعبير عن الأفكار والرؤى الداخلية من خلال الرموز والصور.
    كان اوزبيرت يُلقّب برسّام الأمسيات. والسبب انه في جميع لوحاته كان يرسم مناظر مسائية وليلية تغلب عليها الألوان الصفراء والبنفسجية والزرقاء والخضراء والفضية، وتستدعي مزاجا من الغموض والتذكّر الصامت.
    كان يعمد إلى تبسيط أشكال وتفاصيل الطبيعة ويضعها كخلفية لأشخاص، نساء غالبا، وهم في حالة سكون وعزلة بينما تلفّهم هالة من الضوء الغامض.
    تصوّف اوزبيرت واضح في لوحاته التأمّلية التي يشيّد طبقاتها غالبا من ظلال الأزرق. ومع ذلك لا يمكن اعتبار لوحاته دينية. بل هي اقرب ما تكون إلى محاولة تصوير الحالات الروحية التي تنشأ عن توحد الإنسان بالطبيعة.
    في إحدى لوحاته بعنوان رؤيا يرسم الفنّان القدّيسة الفرنسية جانفييف في احد المروج ومعها خروف أو حمل، بينما تلفّ المكان غلالة من نور مقدّس. ولا يبدو اوزبيرت معنيّا بما تذكره كتب التاريخ عن هذه المرأة التي يقال إنها لعبت دورا مهمّا في الدفاع عن باريس بوجه هجوم قبائل الهون في منتصف القرن الخامس عشر. بل يرسمها في بيئة مسالمة وهادئة يغلب عليها المزاج المتأمّل.
    هذه الصورة وغيرها من صور الرمزيين كان الكثيرون يرون فيها معادلا لقصائد الشعراء الرمزيين من أمثال فيرلين ومالارميه.
    عندما تمعن النظر أكثر في صور اوزبيرت ستلاحظ افتتانه بتصوير ملهمات يقفن كالأشباح في طبيعة غامضة وسط هالات من الضوء الغامض لشمس أو قمر مع استخدام وفير للون الأزرق وتدرّجاته المختلفة.