المشاركات

عرض المشاركات من أبريل 7, 2024

خواطر في الأدب والفن

صورة
لم أقرأ رواية ذئب البراري "أو ذئب السهوب" إلا متأخّرا نسبيّا. وقد وجدتها ممتعة وعميقة المعنى. كما أنها خفيفة وسهلة الفهم. ومن المزايا الأخرى التي قدّرتها في الرواية أنها لا تتضمّن شخصيات كثيرة تُربك القارئ وتشتّت تركيزه. بطل الرواية يسمّي نفسه ذئب البراري. وهو شخص مثقّف، منعزل، بلا علاقات تقريبا، ومتحفّظ في إظهار مشاعره، لا يؤمن بالكثير من افكار وقناعات مجتمعه ويساوره الحنين الى عصور سابقة. وهو في الرواية يتحدّث عن الكثير من رموز الحزن وضحايا سوء الفهم في هذا العالم، مثل نوفاليس ودستويفسكي وأتيلا وفاوست وموزارت وهاملت واوفيليا وغيرهم. كما يتحدّث بشغف عن ظواهر لا أشكّ انها تجذب اهتمام الكثيرين، من قبيل بعض الصور والأنغام والروائح التي تنقل الانسان الى عوالم مختلفة وتلحّ على ذهنه بين فترة وأخرى. وذئب البراري يصف عزلته بأنها "ساكنة سكون الفضاء البارد الذي تدور فيه النجوم في افلاكها". في هذه الرواية "علم نفس" كثير، ربّما أكثر ممّا ينبغي، مثل حديث الراوي عن ثنائية الانسان والذئب، وكيف يتغلّب الذئب على الانسان او العكس. وهو يُفرد لهذا صفحات كثيرة...

الحصان الجَموح

صورة
في عام 1862، رأى فتى هنديّ أحمر يُدعى "تاسونك" فيما يرى النائم منظرا لبحيرة صغيرة ساكنة. ومن زرقتها الهادئة انبثق حصان مع فارسه صعودا ثم خرجا عبر سطح البحيرة الى الأرض. كان الفارس نحيفا ذا شعر منسدل، بينما رُبط خلف أذنه اليسرى حجرٌ بنّي مُحمرّ ورُسمت علامة البرق على أحد جانبي وجهه. وعلى صدره العاري كان هناك وشم لقطرات برَد زرقاء. وبينما الفارس وحصانه يركضان، ظهرت خلفهما غمامة داكنة متدحرجة أخذت ترتفع شيئا فشيئا الى أعلى. ومن السحابة دوّت قعقعة رعد عميقة ووميض برق. كان الحصان قويّاً وسريعاً، وكانت ألوانه تتغيّر من الأحمر الى الأصفر الى الأسود الى الأبيض والأزرق. وفجأة دوّى رصاص وتطايرت سهام في الهواء، وانحرف بعضها باتجاه الحصان والفارس، ومرّت قريبا منهما لكن لم تلمسهما. وعلى مقربة منهما طار صقر ذو ذيل أحمر وأطلق صرخة في الفضاء. ونهض رجال من كلّ مكان وأمسكوا بالفارس ثم سحبوه إلى الأسفل من الخلف. وانتهى الحلم. روى الصبيّ الحلم لوالده وربّما لآخرين. ومنذ ذلك اليوم أصبح يلقّب بالحصان الجموح. ابن عمّه الملقّب "الأيل الأسود" وصف الحلم فيما بعد بقوله: رأى الحصان...

شاعر الطبيعة

صورة
نتوق أحيانا إلى ما لا نستطيع بلوغه؛ إلى ما هو جميل ومثالي وبعيد المنال. في الشتاء، مثلا، قد تتطلّع الى أن تجد المتعة في مشهد خريفي ليس هذا أوانه. ومع ذلك ربّما لا يأتي الخريف بأكثر مما تمنحنا إيّاه هذه اللوحة "الى فوق"، والتي يصوّر فيها الرسّام الروسي إيساك ليڤيتان نهرا تصطفّ على جانبيه بعض الأشجار في أعماق الريف الروسي. كان ليڤيتان (1860 - 1900) يُضفي على رسوماته للطبيعة أمزجة متنوّعة مع مسحة روحانية تصبح انعكاسا للظرف الانساني. وبعض صوره الأخيرة التي رسمها قبيل وفاته كانت تنبض بالضوء، مع غيوم داكنة في السماء. كما كانت مشبعة بالتجارب والمشاعر الإنسانية الذاتية من حزن وسلام ومرح وابتهاج وما إلى ذلك. وكان أيضا يصوّر الكثير من المشاعر في اعماله متبنّيا نوعا من الواقعية القاسية الممزوجة بشيء من روح الشعر الواهب للحياة. ولهذا يصبح وجود البشر في المنظر غير ضروريّ بل وحتى زائدا عن الحاجة. التنظيم الذهني الجيّد والشكّ والضعف والمزاج الكئيب الذي تعكسه بعض صوره يعكس قدرة ليڤيتان الرائعة على النفاذ الى عمق الطبيعة الروسية السرّية والناعمة ممّا لم يستطع فعله رسّام آخر قبله ...