"لماذا تغرّد الطيور في الصباح؟ إنها الصيحة المبتهجة: لقد أمضينا ليلة أخرى!"
❉ ❉ ❉
ليس جديدا القول أن أصوات الطيور مريحة للأعصاب وباعثة على الطمأنينة. وقد تعلّم البشر على مرّ آلاف السنين أنه عندما تغنّي الطيور فمعنى هذا أنها تشعر بالأمان. وعندما تتوقّف عن الغناء فيجب أن يشعر الناس بالقلق. وأصوات الطيور تُعتبر أيضا منبّها للطبيعة، حيث تشير جوقة الفجر إلى بداية اليوم، وبالتالي فهي تحفّز مداركنا.
إلى ما قبل ١٥ سنة، أتذكّر أننا كنّا نصحو في الفجر على أصوات الطيور في الاشجار القريبة من بيتنا في نجران. كانت هناك أوركسترا كاملة من الأصوات المغرّدة التي تبثّ في النفس شعورا بالتفاؤل والتوحّد مع الطبيعة. بعض تلك الطيور كان مستوطنا والبعض الآخر كان يأتي مهاجرا من أماكن بعيدة.
وكان أجمل صوت مغرّد بينها ما يُعرف بالبلبل ذو النظّارة البيضاء (White-spectacled bulbul)، وهو طائر متوسّط الحجم يسمّيه الناس في الخليج وشبه الجزيرة العربية البورع أو النغري. ريشه رمادي ورأسه أسود وحول عينيه دوائر بيض (ومن هنا اسم النظّارة) وفي أسفل مؤخّرته بقعة صفراء ويعيش في المناطق الزراعية. وصوت هذا الطائر يكون في أروع حالاته إذا سُمع وقت السَّحَر.
للأسف اختفت معظم تلك الطيور وتناقصت أعداد البعض الآخر لدرجة ملحوظة. ويندر أن نرى اليوم هدهدا او ببغاءً او عصفورا ملوّنا او حتى حدأة. بل إنه حتى الطيور التي كانت تأتينا في مواسم الأمطار اختفت هي أيضا أو كادت.
أيضا تلاشت من المشهد الطبيعي نداءات الثدييات ونقيق الضفادع وهسيس الحشرات التي اعتدنا سماعها ليلا. كما تناقصت أعداد النسور والغربان والصقور والخفافيش والبوم. وبالتالي أصبح هناك نقص واضح في أصوات الطبيعة. وبينما أتذكّر تلك الأيّام أشعر الآن بالحنين إلى أصوات الطيور التي كنّا نسمعها عند الفجر متأمّلا أن تعود يوما.
يروي أحد الأشخاص أنه توجد في حديقة والده شجرة سدر معمّرة كانت قبل سنوات تعجّ بالنحل. وعندما تزهر الشجرة تخال نفسك واقفا تحت خليّة نحل ضخمة. وكانت الطيور تأتي من كلّ مكان لتحطّ على هذه الشجرة. وكان ذلك الشخص كلّما أحس بالقلق من المستقبل، نظر إلى تلك الشجرة الضخمة الوارفة الظلال فشعر بالاطمئنان بأن الأمور ستكون على خير ما يرام.
لكن في السنوات الأخيرة صار لا يرى سوى طائرين أو ثلاثة وبضع نحلات على الشجرة. وكلّما مشى تحت شجرة السدر تلك وهي في كامل تبرعمها تمنّى لو يستطيع سماع ذلك الطنين والتغاريد مرّة أخرى. ويضيف: هذه الشجرة زرعها جدّي منذ 60 عاما. كان إنسانا محبّا للطبيعة، وربّما لو كان هنا اليوم لتجوّل في هذا المكان وهو يهزّ رأسه حزنا وأسفا".
في عام 1962، أصدرت عالمة الأحياء الأمريكية ريتشِل كارسون كتابها المشهور" الربيع الصامت" الذي وثّقت فيه الأضرار والعواقب الوشيكة الناجمة عن تلوّث الهواء والأرض والأنهار والبحار بموادّ خطيرة وحتى مميتة. وفي الافتتاحية الرائعة للكتاب صوّرت العالمة مدينة خيالية في زمن ما في المستقبل، فكتبت: كان الربيع بلا أصوات. ففي الصباحات التي كانت تنبض ذات يوم بأصوات طيور العندليب والحمام والغراب والعصافير والشحرور والسنونو والحسّون وطيور الحدائق والأفنية الخلفية وعشرات الطيور الأخرى، لم يعد هناك أيّ صوت، فقط الصمت الذي يخيّم على الحقول والغابات والمستنقعات."
ثم تشير كارسون الى أن عدد الحياة البريّة على الأرض انخفض بنسبة 69% في أقلّ من 50 عاما، ومعها تلاشت العديد من الأصوات المميّزة في الطبيعة. وبالإضافة الى التلوّث وتغيّر المناخ والأمراض والصيد وتجارة الحياة البرّية، فإن إزالة الغابات هي بلا شك أكبر سبب لتناقص أعداد الطيور. فمع فقدان الموائل وتدهورها، تفقد الطيور مساحاتها للتكاثر وبناء الأعشاش والمبيت والبحث عن الطعام. وتضيف المؤلّفة تذكيرا مؤلما بما فقده البشر في مثل هذا الوقت القصير فتقول: أخشى أن العالم الذي سنترك فيه أطفالنا وأحفادنا سيكون مكانا مختلفا تماما".
إلى ما قبل ١٥ سنة، أتذكّر أننا كنّا نصحو في الفجر على أصوات الطيور في الاشجار القريبة من بيتنا في نجران. كانت هناك أوركسترا كاملة من الأصوات المغرّدة التي تبثّ في النفس شعورا بالتفاؤل والتوحّد مع الطبيعة. بعض تلك الطيور كان مستوطنا والبعض الآخر كان يأتي مهاجرا من أماكن بعيدة.
وكان أجمل صوت مغرّد بينها ما يُعرف بالبلبل ذو النظّارة البيضاء (White-spectacled bulbul)، وهو طائر متوسّط الحجم يسمّيه الناس في الخليج وشبه الجزيرة العربية البورع أو النغري. ريشه رمادي ورأسه أسود وحول عينيه دوائر بيض (ومن هنا اسم النظّارة) وفي أسفل مؤخّرته بقعة صفراء ويعيش في المناطق الزراعية. وصوت هذا الطائر يكون في أروع حالاته إذا سُمع وقت السَّحَر.
للأسف اختفت معظم تلك الطيور وتناقصت أعداد البعض الآخر لدرجة ملحوظة. ويندر أن نرى اليوم هدهدا او ببغاءً او عصفورا ملوّنا او حتى حدأة. بل إنه حتى الطيور التي كانت تأتينا في مواسم الأمطار اختفت هي أيضا أو كادت.
أيضا تلاشت من المشهد الطبيعي نداءات الثدييات ونقيق الضفادع وهسيس الحشرات التي اعتدنا سماعها ليلا. كما تناقصت أعداد النسور والغربان والصقور والخفافيش والبوم. وبالتالي أصبح هناك نقص واضح في أصوات الطبيعة. وبينما أتذكّر تلك الأيّام أشعر الآن بالحنين إلى أصوات الطيور التي كنّا نسمعها عند الفجر متأمّلا أن تعود يوما.
يروي أحد الأشخاص أنه توجد في حديقة والده شجرة سدر معمّرة كانت قبل سنوات تعجّ بالنحل. وعندما تزهر الشجرة تخال نفسك واقفا تحت خليّة نحل ضخمة. وكانت الطيور تأتي من كلّ مكان لتحطّ على هذه الشجرة. وكان ذلك الشخص كلّما أحس بالقلق من المستقبل، نظر إلى تلك الشجرة الضخمة الوارفة الظلال فشعر بالاطمئنان بأن الأمور ستكون على خير ما يرام.
لكن في السنوات الأخيرة صار لا يرى سوى طائرين أو ثلاثة وبضع نحلات على الشجرة. وكلّما مشى تحت شجرة السدر تلك وهي في كامل تبرعمها تمنّى لو يستطيع سماع ذلك الطنين والتغاريد مرّة أخرى. ويضيف: هذه الشجرة زرعها جدّي منذ 60 عاما. كان إنسانا محبّا للطبيعة، وربّما لو كان هنا اليوم لتجوّل في هذا المكان وهو يهزّ رأسه حزنا وأسفا".
في عام 1962، أصدرت عالمة الأحياء الأمريكية ريتشِل كارسون كتابها المشهور" الربيع الصامت" الذي وثّقت فيه الأضرار والعواقب الوشيكة الناجمة عن تلوّث الهواء والأرض والأنهار والبحار بموادّ خطيرة وحتى مميتة. وفي الافتتاحية الرائعة للكتاب صوّرت العالمة مدينة خيالية في زمن ما في المستقبل، فكتبت: كان الربيع بلا أصوات. ففي الصباحات التي كانت تنبض ذات يوم بأصوات طيور العندليب والحمام والغراب والعصافير والشحرور والسنونو والحسّون وطيور الحدائق والأفنية الخلفية وعشرات الطيور الأخرى، لم يعد هناك أيّ صوت، فقط الصمت الذي يخيّم على الحقول والغابات والمستنقعات."
ثم تشير كارسون الى أن عدد الحياة البريّة على الأرض انخفض بنسبة 69% في أقلّ من 50 عاما، ومعها تلاشت العديد من الأصوات المميّزة في الطبيعة. وبالإضافة الى التلوّث وتغيّر المناخ والأمراض والصيد وتجارة الحياة البرّية، فإن إزالة الغابات هي بلا شك أكبر سبب لتناقص أعداد الطيور. فمع فقدان الموائل وتدهورها، تفقد الطيور مساحاتها للتكاثر وبناء الأعشاش والمبيت والبحث عن الطعام. وتضيف المؤلّفة تذكيرا مؤلما بما فقده البشر في مثل هذا الوقت القصير فتقول: أخشى أن العالم الذي سنترك فيه أطفالنا وأحفادنا سيكون مكانا مختلفا تماما".
في الأساس، الطيور لا تغنّي لنا بل لنفسها بحسب الموسم أو الوقت من اليوم ونوع الطائر. أحيانا تغنّي لجذب الأصدقاء والتواصل مع بعضها البعض. وهناك العديد من الروايات العلمية حول كيفية تأثير أصوات الطيور بشكل إيجابي على صحّة الإنسان. ومن الثابت الآن أن أصواتها تقلّل التوتّر والقلق وتجلب الاسترخاء وتزيد الإنتاجية.
وقد استُخدمت أصوات الطيور كجزء من العلاج، وذلك بِوَصل تردّداتها الصوتية بالطاقة الطبيعية لأجسامنا، ما يساعد على إعادة ضبط العقل الذي يعزّز الصحّة الجسدية والنفسية.
والاستماع الى أصوات الطيور يتيح لنا أيضا زيادة مهارات الملاحظة من خلال الاهتمام بحواسّنا السمعية. وكبَشَر، نحن نحرص على التركيز على المحفّزات باستخدام حاسّة البصر لدينا في المقام الأوّل. ومع ذلك، ونظرا لكون الطيور صغيرة الحجم وسريعة ويصعب رؤيتها في بعض الأحيان، فإن الاهتمام بأصواتها يساعد في تدريبنا على تكوين إحساس أفضل بالعالم الصوتي.
ذات مرّة أجرى أحد خبراء الطيور تجربة سريعة عن قوّة الصوت عندما يتعلّق الأمر بتحديد الطيور. حيث قام أوّلا بالتجوّل في غابة وتمكّن من التعرّف على حوالي عشرة طيور من خلال البصر وحده. وفي مشواره التالي عبر الغابة، أبقى الخبير عينيه ملتصقتين بقدميه معظم الوقت. وركّز على التعرّف على الطيور عن طريق الصوت فقط وبدون أن ينظر إليها. وبهذه الطريقة استطاع تحديد 30 نوعا من الطيور.
يقول: عندما اعتمدت على عينيّ فقط، مررت فوق بعض الطيور الصغيرة. ومع تشغيل أذني فقط، تمكّنت من سماع كلّ تلك الطيور وهي تزقزق وتطنطن وتغّرد وتغنّي. ومعظم الطيور، وخاصّة في الغابات، تُسمع قبل أن تُرى. فإذا لم تشغّل حاسّة السمع لديك، فربّما تفقد أكثر من نصف الطيور من حولك"!
والصوت يُعدّ عنصرا حاسما في التعرّف على الطيور والتواصل مع الطبيعة ككل. وعندما ننتبه إلى أصوات الطيور ونحاول التعرّف عليها ونستمتع بأغانيها، فإننا لا نجني الفوائد الصحّية فحسب، بل نشحذ أيضا مهارات الانتباه التي تساعدنا حتى خارج نطاق عالم الطيور أو عالم الطبيعة.
وبالإضافة الى أصواتها المفيدة لصحّة الإنسان، تلعب الطيور أدوارا لا غنى عنها، حيث تلقّح النباتات وتنشر البذور. كما أنها تستهلك الحشرات التي يمكن أن تُلحق الضرر بالمحاصيل وتقتل الأشجار. ووفرة الطيور في النظُم البيئية هي إحدى أهم الصلات التي تربط الناس بالطبيعة وبالعناية بالبيئة.
والخبراء اليوم يعملون على استعادة النظم البيئية التي تحتاجها الطيور للبقاء على قيد الحياة وحمايتها وربط ذلك مع الاستراتيجيات الهادفة لإعادة الأنواع المنقرضة إلى الحياة. والعلماء ينصحوننا بأن نقدّر أصوات الطيور التي توجد في محيطنا أو ما تبقّى منها. وسواءً كانت الطيور في الغابة أو في الفناء الخلفي لمنزلك أو في الطريق، فإن أغانيها مهمّة لصحّتنا ولتوازننا النفسي.
وقد استُخدمت أصوات الطيور كجزء من العلاج، وذلك بِوَصل تردّداتها الصوتية بالطاقة الطبيعية لأجسامنا، ما يساعد على إعادة ضبط العقل الذي يعزّز الصحّة الجسدية والنفسية.
والاستماع الى أصوات الطيور يتيح لنا أيضا زيادة مهارات الملاحظة من خلال الاهتمام بحواسّنا السمعية. وكبَشَر، نحن نحرص على التركيز على المحفّزات باستخدام حاسّة البصر لدينا في المقام الأوّل. ومع ذلك، ونظرا لكون الطيور صغيرة الحجم وسريعة ويصعب رؤيتها في بعض الأحيان، فإن الاهتمام بأصواتها يساعد في تدريبنا على تكوين إحساس أفضل بالعالم الصوتي.
ذات مرّة أجرى أحد خبراء الطيور تجربة سريعة عن قوّة الصوت عندما يتعلّق الأمر بتحديد الطيور. حيث قام أوّلا بالتجوّل في غابة وتمكّن من التعرّف على حوالي عشرة طيور من خلال البصر وحده. وفي مشواره التالي عبر الغابة، أبقى الخبير عينيه ملتصقتين بقدميه معظم الوقت. وركّز على التعرّف على الطيور عن طريق الصوت فقط وبدون أن ينظر إليها. وبهذه الطريقة استطاع تحديد 30 نوعا من الطيور.
يقول: عندما اعتمدت على عينيّ فقط، مررت فوق بعض الطيور الصغيرة. ومع تشغيل أذني فقط، تمكّنت من سماع كلّ تلك الطيور وهي تزقزق وتطنطن وتغّرد وتغنّي. ومعظم الطيور، وخاصّة في الغابات، تُسمع قبل أن تُرى. فإذا لم تشغّل حاسّة السمع لديك، فربّما تفقد أكثر من نصف الطيور من حولك"!
والصوت يُعدّ عنصرا حاسما في التعرّف على الطيور والتواصل مع الطبيعة ككل. وعندما ننتبه إلى أصوات الطيور ونحاول التعرّف عليها ونستمتع بأغانيها، فإننا لا نجني الفوائد الصحّية فحسب، بل نشحذ أيضا مهارات الانتباه التي تساعدنا حتى خارج نطاق عالم الطيور أو عالم الطبيعة.
وبالإضافة الى أصواتها المفيدة لصحّة الإنسان، تلعب الطيور أدوارا لا غنى عنها، حيث تلقّح النباتات وتنشر البذور. كما أنها تستهلك الحشرات التي يمكن أن تُلحق الضرر بالمحاصيل وتقتل الأشجار. ووفرة الطيور في النظُم البيئية هي إحدى أهم الصلات التي تربط الناس بالطبيعة وبالعناية بالبيئة.
والخبراء اليوم يعملون على استعادة النظم البيئية التي تحتاجها الطيور للبقاء على قيد الحياة وحمايتها وربط ذلك مع الاستراتيجيات الهادفة لإعادة الأنواع المنقرضة إلى الحياة. والعلماء ينصحوننا بأن نقدّر أصوات الطيور التي توجد في محيطنا أو ما تبقّى منها. وسواءً كانت الطيور في الغابة أو في الفناء الخلفي لمنزلك أو في الطريق، فإن أغانيها مهمّة لصحّتنا ولتوازننا النفسي.
Credits
birdsoftheworld.org
birdsoftheworld.org