رسّام المساء
وأنت تنظر إلى رسومات الرمزيين الفرنسيين، لا بدّ وأن يلفت انتباهك هذا الشبه الكبير بين الأفكار التي يعبّرون عنها في أعمالهم وبين تصوّرات وأفكار المتصوّفة عبر العصور. فالرسّام الرمزي والشاعر أو الحكيم الصوفي كلاهما معنيان بالرموز والصور كوسيلة للتعبير عن الرؤى الداخلية للإنسان. الفونس اوزبيرت قد لا يكون اسما مألوفا كثيرا في دنيا الرسم. ومع ذلك لا تملك إلا أن تُعجب بألوانه ومواضيع صوره الرمزية التي تنزع عن الأشكال والأشياء مادّيتها وتضفي عليها طابعا روحيا يمازجه بعض الغموض. تتمعّن في لوحاته فتتذكّر صور دو شافان وغوستاف مورو واوديلون ريدون وغيرهم من الرسّامين الذين كانوا يشكّلون أضلاع الرمزية الفرنسية في الفنّ. اوزبيرت تأثر في بداياته بواقعية الرسّامين الأسبان. ثم جرّب الأسلوب الانطباعي. وبنهاية ثمانينات القرن التاسع عشر تعرّف على عدد من الشعراء الرمزيين، ما دفعه إلى تبنّي الأفكار الجمالية التي كانوا ينادون بها وعلى رأسها التعبير عن الأفكار والرؤى الداخلية من خلال الرموز والصور. كان اوزبيرت يُلقّب برسّام الأمسيات. والسبب انه في جميع لوحاته كان يرسم مناظر مسائية وليلية تغلب عليها الألوان ا...