المشاركات

عرض المشاركات من أبريل 27, 2025

أسفار الرومي/1

صورة
"نحن منسوجون من العدم، نجوم منثورة كالغبار". في حوالي عام ١٢١٢، سافر الصبيّ جلال الدين الرومي مع عائلته من بلخ إلى سمرقند. ووصلوا إلى المدينة في قافلة والده الشيخ بهاء الدين "أو سلطان العلماء كما كان اتباعه يلقّبونه" عبر سلسلة جبال زرافشان، ومنها الى منطقة يحكمها القراخانيون، إحدى السلالات التركية المتنافسة على حكم المنطقة. في قصائد الرومي اللاحقة، غالبا ما يظهر هؤلاء المحاربون الأتراك متجمّدين في الزمن بشكل رومانسي؛ بدواً في السهوب يمتطون خيولا برّية، كما في إحدى قصائده الرمضانية: داخل هذا الشهر قمر مخفيّ كالتركي داخل خيمة الصيام". ومع ذلك، وبحلول الوقت الذي وصل فيه مع والده وعائلته إلى سمرقند، كان حكّامها الأتراك الجدد، مثل العديد من العشائر المتجوّلة، قد تخلّوا منذ زمن طويل عن ممارساتهم الشامانية القديمة من أجل حياة أكثر حضرية وعالمية، مع تبنّيهم للإسلام السنّي. كانت سمرقند تقع أيضا على مفترق طرق شعريّ، فقد أُلّفت فيها القصائد المبتكرة وغُنّيت لأوّل مرّة قبل قرنين من الزمان باللغة الفارسية التي تتحدّثها عائلة جلال الدين، بدلاً من الشكل الكلاس...

خواطر في الأدب والفن

صورة
حكى أحد الحكماء قصّة ذات مغزى فقال: على صخرة في أعالي الجبال، يعيش سربان مختلفان من الطيور، أحدهما أبيض والآخر أسود. لكلّ سرب موقع خاصّ يقيم فيه أعشاشه. فلا يطير طائر أسود إلى موقع يعشّش فيه طائر أبيض، والعكس صحيح. أي أن الشبيه لا يجذب سوى شبيهه. الطيور كأفكار البشر. يمكننا أن نعتبر الطيور البيضاء أفكارنا الطيّبة المفعمة بالحبّ والتسامح، والطيور السوداء أفكارنا الشرّيرة المشبعة بالانتقام والكراهية. ومن المهم جدّا كيف نتعامل معها. ففي نفوسنا وقلوبنا أيضا أعشاش ومنافذ تستقرّ فيها الأفكار الطيّبة أو الشرّيرة. وبطريقة تفكيرنا، نجعل هذه المنافذ بؤرا مريحة للأفكار الإيجابية أو السلبية، تماما مثل أعشاش الطيور. وكلّما راودتنا فكرة شرّيرة فإنها تنطلق باحثة عن مسكن مناسب في روح أحدهم أو قلبه. فإذا لاقت الفكرة شخصا مستعدّا لاستيعابها، فإنها تتوقّف عنده وتستقرّ في المكان المجهّز جيّدا وتكتسب طاقة. أما إذا لم تجد الفكرة مكانا في روح أحدهم لعدم وجود مسكن شاغر لها، فإنها تعود إلى مرسلها فتفقد بذلك جزءا من طاقتها الشرّيرة. وكلّما أطلقنا فكرة جيّدة فإنها تبحث عن مكان مناسب لها كالطيور التي ل...

حِكَم تشوانغ تزو

صورة
سنّارة السمك موجودة بسبب السمك، فبمجرّد أن تحصل على السمكة يمكنك أن تنسى السنّارة. والكلمات موجودة بسبب المعنى، فبمجرّد أن تحصل على المعنى يمكنك أن تنسى الكلمات. أين يمكنني أن أجد رجلا نسي الكلمات حتى أتمكّن من التحدّث معه؟! تشوانغ تزو يصف المترجم وعالم الصينيات الراحل بيرتون واتسون شعور من يحاول تفسير أو فهم كتابات تشوانغ تزو (369 - 286) بقوله: كلّما جلست وحاولت أن أكتب بجديّة عن هذا الرجل، ظهر لي في مكان ما في مؤخّرة رأسي وهو يطلق ضحكة مكتومة ساخرا من غطرسة وعبثية هذا المسعى". ويضيف: إن كتاب هذا الفيلسوف الصيني الذي يتضمّن مزيجا غريبا من الحكايات والقصائد والحوارات والأساطير والتأمّلات الفلسفية الساخرة هو مرآة مرحة لروحك، فهو يهاجم أعمق معتقداتك ويزعزع استقرارك ويجبرك على ألا تأخذ نفسك على محمل الجدّ". وكون الكتاب مسليّا لا يجعله تافها، بل على العكس، فتشوانغ تزو مهرّج ومهمّته تحسين قرّائه، أو بالأحرى إفادتهم. وعلى الرغم من تفاهة المهرّجين، إلا أنهم كانوا ضروريين للحكومات التي توظّفهم. فبالإضافة إلى توفير الترفيه، كان لديهم ترخيص بانتهاك القواعد وتوفير وسيلة ف...

خواطر في الأدب والفن

صورة
في كتابه "الضوء الأخير"، يذكر ريتشارد لاكايو بعض الفنّانين الذين عاشوا طويلا وجعلوا من الشيخوخة مرحلة انتصار وابتكار. وكلود مونيه كان أحد هؤلاء. في العديد من لوحاته التي أنجزها في نهايات حياته، ومن بينها مجموعة من ثماني لوحات كبيرة الحجم لزنابق الماء، استطاع ان يكسر التقاليد المتّبعة في تصوير المناظر الطبيعية. في بعض هذه اللوحات تخلّى الرسّام عن المنظور ونقاط التلاشي، وركّز بدلا من ذلك على سطح بركته في بلدة جيفرني، ورسم مشهدا يُظهر الماء دون أيّ أرض تُضفي عليه طابعا محدّدا. ونتيجة لذلك، قد تبدو بعض هذه اللوحات محيّرة وتجريدية. كان مونيه يبتكر نوعا جديدا كليّا من الفضاء التصويري. فالبِركة مرآة تُرينا السماء والأشجار التي تعلوها، وفي نفس الوقت هي غشاء تطفو عليه زنابق الماء. كما أنها نافذة على الأعماق تنبض بالحياة وبخيوط طويلة من الطحالب والأعشاب المتموّجة. وكلّ ضربة فرشاة عليها أن تشير إلى بُعد أو أكثر من تلك الأبعاد المتشابكة. ونفس هذه الفكرة تنطبق على الإسباني فرانسيسكو دي غويا. فلو كان هذا الرسّام الكبير قد مات في أوائل الستّينات من عمره، لكان ما يزال يُذكر باعتباره...