اللوحة الكاملة
هذه اللوحة تختصر كلّ معاني الكمال. "امرأة شابّة مع إبريق ماء" هي نموذج للوحة الكاملة، بتوليفها المحكم وتنفيذها البديع والرائع. حتى أفضل النسخ منها لا يمكن أن تنقل لنا الإيقاع الدقيق لضوئها الأزرق والأبيض الجميل. بل وحتى أكثر الكلمات المختارة بعناية لا يمكن أن تصف جمال هذه اللوحة الصامت والمدهش. ومن الواضح أن قوّة اللوحة لا تتناسب مع حجمها. إذ لا توجد قطعة قماش مغطّاة بالأصباغ وعلى هذا النحو من الصغر يمكن أن تكون أكثر إثارة للإعجاب من هذه اللوحة. الكلام هنا لا لزوم له. فما الذي يمكن أن يقال عن شيء هو كامل في ذاته؟ أتذكّر عبارة قالها نيتشه في كتابه "أفول الأصنام" عن أيّ شخص يحاول الكتابة عن الفنّ العظيم. قال: أيّا تكن الكلمات التي عندنا، فإن الواقع يتجاوزها". في لوحة فيرمير نرى كيف أن الاعتيادي والمألوف يسمو إلى درجة الشِعر بما يتجاوز الكلمات. ثمّة جمال وغموض هنا لا نستطيع أن نلمسه. الصيغة البلاغية القديمة صحيحة: الكلمات تفشل. وهي حالة غير مريحة للشخص الذي ينوي الكتابة عن الرسم. عندما نواجه المطلق أو اللانهائي يمكن أن نستسلم للصمت أو نصاب بالجنون. الأمران معا حدث...