:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


‏إظهار الرسائل ذات التسميات إعلام. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات إعلام. إظهار كافة الرسائل

الجمعة، فبراير 16، 2018

داخل الإطار الأصفر


عرفتُ مجلّة ناشيونال جيوغرافيك لأوّل مرّة قبل أكثر من عشرين عاما عند بعض الزملاء ممّن لهم اهتمامات بيئية وعلمية. وكانت تُرسل لهم أعداد المجلّة مطلع كلّ شهر من خلال الاشتراك.
كانت المجلّة تتميّز بإخراجها الأنيق وورقها المصقول وصورها اللامعة التي تشي بقدر كبير من الإتقان والاحترافية. أما من ناحية المضمون فكان واضحا نأي المجلّة بنفسها عن السياسة وتركيزها على كلّ ما له علاقة بالآثار والسفر والتاريخ والطبيعة وما إلى ذلك.
لكن كيف ظهرت فكرة الناشيونال جيوغرافيك؟
في عام 1888، عُقد في واشنطن اجتماع ضمّ ثلاثة وثلاثين شخصا بينهم مستكشفون ومعلّمون ومؤرّخون ومحامون ورحّالة ورسّامو خرائط وعلماء آثار. وكان ما يجمع هؤلاء هو اهتمامهم بالمعرفة العلمية والجغرافية، وكذلك اقتناعهم بأن الأمريكيين وبقيّة شعوب العالم توّاقون لمعرفة المزيد عن أحوال العالم من حولهم في زمن الاكتشافات والتغييرات الكثيرة.
ولم يكن في مخيّلة أولئك المجتمعين انه بموافقتهم على تأسيس الجمعية الجغرافية الأمريكية فإنهم كانوا يضعون البذرة الأولى لمشروع ثقافيّ طموح سيكون مصدر إلهام للأجيال التالية وعلى مدى أكثر من قرن.
وبعد تسعة أشهر من تأسيس الجمعية، وُلدت مجلّة ناشيونال جيوغرافيك، المعروفة اختصار بـ "نات جيو"، والتي أصبحت مع مرور الزمن احد أكثر الأسماء شهرة في عالم الصحافة. وتكرّست صورة المجلّة أكثر بسبب أسلوب معالجتها المبسّط لأعقد المواضيع العلمية والجغرافية والتاريخية والثقافية من خلال توظيف الصور والخرائط والرسوم التوضيحية.
وعلى امتداد عقود طويلة، عرف القرّاء هذه المطبوعة بتحقيقاتها المعمّقة وصورها المثيرة، وقبل هذا وبعده بشعارها الأيقونيّ الذي يأخذ شكل إطار صورة اصفر اللون يظهر على الهوامش المحيطة بغلاف المجلّة. وقد رأت هيئة التحرير اختيار هذا الشعار المميّز لأنه يحثّ الناس على الاهتمام بكوكب الأرض، كما أن هذا اللون يرتبط منذ القدم بالمعرفة والحكمة.
كان الغرض من إنشاء الجمعية والمجلّة هو زيادة المعرفة الجغرافية لدى شعوب الأرض. لكن الناشيونال جيوغرافيك أصبحت تتناول القضايا البيئية ومشاكل التصحّر والتلوّث الكيميائيّ والتسخين الحراريّ والكائنات المهدّدة بالانقراض وما إلى ذلك من قضايا. ومن وقت لآخر، كانت المجلّة تخصّص احد أعدادها لبلد معيّن أو لحضارة قديمة أو لمصدر طبيعيّ يتعرّض مستقبله للخطر.
وفي إحدى الفترات، رأسَ الجمعية التي تُصدِر المجلّة "الكسندر غريهام بيل" مكتشف التليفون. وفي عهده أصبح التصوير يحظى بأهميّة فائقة في المجلّة، على الرغم من معارضة زملائه الذين كانوا يرون أن وفرة الصور هي مؤشّر على المفهوم غير العلميّ للجغرافيا. لكن وجهة نظره رجحت في النهاية وأصبحت الصور علامة فارقة ومميّزة للناشيونال جيوغرافيك.
وبدأت المجلّة تعرض الصور الملوّنة ابتداءً من منتصف ثلاثينات القرن الماضي عندما كان التصوير بالألوان ما يزال في مراحله الجنينية. ومن بين أشهر الصور التي ظهرت في المجلّة صورة أيقونية لتاج محلّ بالهند يعود تاريخها إلى عدد شهر مارس من عام 1921.


وهناك صورة أخرى مشهورة جدّا ظهرت على غلاف عدد يونيو 1985 من الناشيونال جيوغرافيك لصبيّة أفغانية تُدعى شربات غولا (12 سنة) التقطها مصوّر المجلّة ستيفن ماكوري. وقد أصبحت غولا تُعرف بـ "الفتاة الأفغانية" وظهرت على الغلاف وهي ترتدي وشاحا احمر اللون وتحدّق في الكاميرا.
وبعد غزو الولايات المتحدة لأفغانستان عام 2002، ذهب المصوّر ماكوري إلى كابول كي يبحث عن الفتاة التي كان قد التقط صورتها قبل سبعة عشر عاما من ذلك التاريخ في معسكر للاجئين الأفغان في باكستان. واكتشف أن الفتاة عادت إلى قريتها في جبال تورا بورا أثناء هدنة بين المتحاربين وأنها تنتمي لقبيلة الباشتون القويّة. وقد وقفت أمامه ليصوّرها مرّة أخرى بعد موافقة زوجها.
في البلدان الإسلامية المحافظة، كماليزيا والسعودية وإيران وباكستان وغيرها، جرت العادة على أن تُطمس صور المجلّة التي تَعرض مناظر عارية أو أشخاصا متخفّفين من ملابسهم، كما هو الحال في صور الناشيونال جيوغرافيك لمجتمعات القبائل البدائية في آسيا وأفريقيا وأمريكا الجنوبية. وما من شكّ في أن مثل هذا الإجراء كان يقلّل من القيمة الفنّية للصور، وهي ميزة اشتُهرت بها هذه المطبوعة عالميّا.
في سنوات الحرب الباردة بين المعسكرين، التزمت الناشيونال جيوغرافيك بتقديم تغطية متوازنة عن الجغرافيا الطبيعية والبشرية للدول الواقعة خلف الستار الحديديّ، كألمانيا الشرقية والصين والاتحاد السوفياتيّ. وكانت مقالاتها وتحقيقاتها تتجنّب الخوض في شئون السياسة وتركّز على الثقافة والعلوم والتاريخ.
أوّل أعداد المجلّة الصادر في سبتمبر من عام 1888 طُبع منه مائة وستّون نسخة، واليوم تصل الناشيونال جيوغرافيك إلى أكثر من سبعمائة مليون شخص حول العالم كلّ شهر. وهذا الرقم يتضمّن قرّاء النسخ المطبوعة من المجلّة بلغاتها المختلفة، وأيضا مشاهدي قنواتها التلفزيونية التي تبثّ هي أيضا بلغات متعدّدة من بينها العربية. والمجلّة اليوم تصدر في سبع وثلاثين لغة، من بينها العربية والفارسية والصينية والهولندية والرومانية والروسية وغيرها.
وقد وصل دخل قناة الناشيونال جيوغرافيك التلفزيونية التي أُطلقت في يناير 2001 إلى مائتين وخمسة وثمانين مليون دولار، بينما وصل ريع الإعلانات إلى أكثر من مائة وخمسة وستّين مليون دولار. وفي عام 2010، أطلقت الجمعية المالكة للمجلّة قناة تلفزيونية جديدة عن الحياة الفطرية باسم (NatGeo Wild) وأرادت من وراء هذه الخطوة مجاراة منافستها الرئيسية، أي قناة التاريخ (History Channel).
وفي عام 2015، وقّعت الجمعية الجغرافية اتفاقية شراكة مع شركة فوكس القرن الحادي والعشرين امتلكت الأخيرة بموجبها ثلاثة وسبعين بالمائة من أسهم الجمعية. وفي عام 2017، أعلنت شركة ديزني عن شرائها شركة فوكس، بما في ذلك أسهم الجمعية الجغرافية.
الجدير بالذكر أن الجمعية الجغرافية الأمريكية موّلت منذ تأسيسها أكثر من مائة بعثة استكشافية لارتياد الأطراف القصيّة من الكوكب، من القطب الشماليّ إلى القطب الجنوبيّ ومن أعلى قمّة جبل إلى أعمق نقطة في المحيط.
وقد أصبحت الناشيونال جيوغرافيك اكبر من الأرض عندما حمل رائد الفضاء الأمريكيّ نيل ارمسترونغ علم المجلّة في يوليو عام 1969 عندما أصبح أوّل إنسان يمشي على سطح القمر.
وفي الذكرى المائة والثلاثين لتأسيسها، أصدرت الناشيونال جيوغرافيك شريط فيديو يتضمّن عرضا سريعا لجميع أغلفتها ، منذ إنشائها وحتى اليوم.

Credits
history.com

الخميس، أكتوبر 18، 2007

مسلسل نمر بن عدوان

أطرف ما قرأت من تعليقات حول المسلسل الرمضاني "نمر بن عدوان" كان كلاما كتبه عضو في احد منتديات النقاش عندما قال: كنت أظن أن نمر بن عدوان فارس وبطل، ومع ذلك لم نرَ طوال المسلسل غير رجل لا يجيد سوى البكاء والتوجّع".
واعتقد أن هذا الوصف لا يبتعد كثيرا عن الحقيقة. ورغم أنني لا أحبّ مشاهدة المسلسلات عادة، فقد تابعت بعض حلقات ذلك المسلسل من باب " مجبر أخاك لا بطل"، وبحكم أن القريبين مني كانوا حريصين على متابعته.
وقد لاحظت أن مخرج المسلسل اختار ممثلا غير معروف تقريبا للقيام بدور نمر. كما اختار، لأسباب مجهولة، أن تقوم بدور زوجة البطل ممثلة ذات بشرة برونزية وملامح تشبه ملامح نساء ايطاليا أو اسبانيا!
وقد اسقط المخرج من المسلسل أهم واقعة في حياة البطل، وهي قتله لزوجته عن طريق الخطأ. قد يكون ذلك طلبا للسلامة واتقاءً لغضب قبيلة البطل. مع أن ما فعله نمر لا يعدّ سابقة، إذ يحفظ تاريخ العرب العديد من أسماء الرجال الذين قتلوا زوجاتهم ثم قالوا فيهنّ أعذب القصائد والأشعار!
وقد خطر ببالي أن المخرج ربّما تقصّد أن يظهر البطل بتلك الهيئة الباكية والواجمة والحزينة طوال حلقات المسلسل كإشارة خفيّة إلى أن حالة البكاء والفجيعة تلك كانت في حقيقتها تعبيرا عن إحساس البطل نمر بالندم والذنب على ما ارتكبه بحقّ زوجته، أكثر من كونه شعورا عابرا بالحزن يمكن أن يعتري أي رجل تموت زوجته ميتة طبيعية.
في احد مشاهد المسلسل رأينا نمر يتخلى فجأة عن مظهره الباكي والمنكسر لدقائق معدودات، فيمتطي حصانه الشاحب ويستلّ سيفه بعد أن اتفق مع شيخ قبيلة آخر، وهما يبتسمان، على غزو إحدى القبائل المجاورة. وقد انتهت الغارة بقتل عدد من رجال تلك القبيلة والاستيلاء على أملاكهم ومواشيهم وإبلهم وسبي نسائهم.
ولا اعلم أية قيمة درامية أو فنية يمكن أن يبرّر بها المخرج حشره لتلك اللقطة العجيبة التي قد لا تدلّ سوى على خيبة البدو وتخلف العادات العشائرية التي تضفي على مثل تلك التصرّفات الهمجية صفات الإقدام والشجاعة والفروسية.
هذا المسلسل واضح انه حظي بإقبال جماهيري كاسح. والحقيقة أنني لم أفاجأ كثيرا عندما علمت أن بعض النساء على الانترنت أصبحن يضعن صورة نمر بجانب أسمائهن في غرف الدردشة والبالتوك ومنتديات الحوار.
قد يكون السبب هو أن المجتمعات العربية، في الغالب الأعم، هي مجتمعات ذكورية والرجال فيها معروفون بقسوتهم على النساء واحتقارهم لهن. كما أن الرجل العربي بطبيعته بخيل في إظهار عواطفه تجاه النساء، يستوي إن كانت المرأة زوجته أو أخته أو ابنته.
ومن الواضح أن حزن نمر المضني وبكائياته المبالغ فيها على رحيل زوجته، كلّ ذلك وفّر للنساء عامل إزاحة نفسية، بمعنى انه منحهن إحساسا نسبيا بالارتياح والرضا عن النفس والرغبة في أن يتمثل الرجال نموذج بطل المسلسل في وفائه ومحبّته لزوجته ومعاملته إياها كمخلوق موفور الكرامة والإنسانية.
وهي أمور تفتقدها المرأة العربية كثيرا لأسباب ثقافية ودينية واجتماعية.
قد تكون هذه إحدى حسنات المسلسل البكائي الطويل. أما اكبر سيئاته فهو انه قدّم نمر بن عدوان في هيئة تناقض ما استقر في أذهان العامّة عن فروسية الرجل ورباطة جأشه وصبره على المكاره.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوّة هو: ترى ما الفائدة التي نجنيها من نبش التراث العشائري الآن واستعادة تاريخ حياة رموزه المليئة بأخبار الغزو والغدر والسلب والنهب؟!

الثلاثاء، سبتمبر 11، 2007

محطّات

سحر الصورة


تابعت جانبا من تعليقات القرّاء على صورة فوتوغرافية كانت وكالة الأنباء الإيرانية قد وضعتها على موقعها الاليكتروني ثم لم تلبث أن سحبتها منه دون إبداء الأسباب.
لكن الصورة كانت قد وجدت طريقها إلى العديد من المواقع الاليكترونية ومنتديات النقاش واستقطبت الكثير من التعليقات ووجهات النظر المتباينة، ما يثبت مرّة أخرى ما للصورة من سطوة وتأثير في إذكاء روح النقاش وصوغ الأفكار والقناعات.
الشخص الذي وضع الصورة، وهو إيرانيّ على ما يبدو، اختار لها عنوانا طريفا وموحيا هو "الجميلة والوحوش"، وفيها يظهر أحد أفراد الشرطة الدينية الإيرانية، وهي امرأة صارمة الملامح ترتدي التشادور والملابس السوداء، أثناء محاولتها اعتقال فتاة تبدو بهيئة أنيقة وعصرية وترتدي "جاكيت" أحمر اللون، في إطار حملة يقول المحافظون إنهم يريدون من ورائها فرض "زيّ إسلامي موحّد" على جميع النساء في البلاد.
وقد قرأت جزءا من تلك التعليقات وفهمت من بعض ما قيل أن لون الجاكيت الأحمر هو ما أثار غضب الشرطة الدينية على الفتاة. وجاءت التعليقات مثيرة للاهتمام وبعضها الآخر لا يخلو من منطق، مثل الشخص الذي كتب يقول إن الإسلام يحثّ على الحشمة، لكن طالما أن المرأة تغطّي جسدها في حدود ما أمر به الشرع، فأين المشكلة؟
ومتى كان ارتداء لباس من لون معيّن، أحمر أو غيره، يشكّل تحدّيا للدين أو العرف؟
ولأن الموضوع يتناول عنصرا يتعلّق بالمرأة، فقد كان طبيعيا أن يمتدّ النقاش ليشمل أمورا أخرى ذات صلة بالموضوع، مثل جرائم الشرف وما يُسمّى بحدّ الزنا، و"هما ممارستان مخزيتان ونتاج للعقلية البدائية التي كانت سائدة قبل ظهور الأديان"، كما قال احد المعلّقين.
وقد واستشهد بعض من علّقوا بكلام لطارق رمضان ومهاتير محمد وفاطمة المرنيسي، الذين يُنظر إلى مواقفهم وأفكارهم على أنها تمثّل روح الإسلام الحضاريّ والمعتدل.
وكانت هناك آراء أخرى تستحقّ التأمّل مثل الذي قال: إنه عندما ُينظر إلى الجمال باعتباره شيئا يتعيّن إخفاؤه أو منعه، عندها يجب أن ندرك أن المجتمع الذي نعيش فيه يعاني من مشكلة أو مرض".
وأضاف آخر: إن الجمال نعمة من الله، ورجال الدين والمتدّينون عموما يكرهون الجمال ومن ثمّ يكرهون كلّ امرأة جميلة. لقد فشلوا في فرض الحجاب على النساء طيلة 27 عاما بعد الثورة، وهم اليوم يريدون إعادتنا إلى ما كانت عليه النساء أيّام طالبان".
ومع ذلك وبرغم كل ما قيل وكُتب، تظلّ حال المرأة الإيرانية أفضل بكثير من حال النساء في بعض المجتمعات المجاورة، بل انه في بعض الحالات لا تجوز المقارنة على الإطلاق، لا من ناحية حرّية اللباس والمظهر الخارجي ولا من حيث مساحة الهامش الذي تتحرّك فيه المرأة لتعمل وتنتج وتبدع.
على هذا الرابط ضمن موقع Flickr نقاش متّصل لا يقف عند ظروف التقاط الصورة بل يتّسع ليشمل موضوع لباس المرأة عموما والعوامل السياسية والدينية والاجتماعية والثقافية التي تؤثّر فيه وتحدّد طبيعته.

❉ ❉ ❉

جماليات العمل الفنّي


الفنّ موجود في كلّ مكان حولنا. وبالإمكان رؤية الكثير من أشكاله ومظاهره في حياتنا اليومية. وهو موجود معنا منذ زمن طويل، حتى قبل أن يتعلّم الإنسان فلاحة الأرض وزراعتها. ويمكن رؤية الأعمال الفنّية في العديد من الكهوف التي تُظهِر صورا لبشر يصطادون الجواميس وغيرها من الحيوانات البرّية. هذه هي الأعمال الفنّية التي أبدعها أسلافنا الأوّلون. وكانت تلك هي طريقتهم في تسجيل التاريخ وإعلامنا بطريقة ما كيف كانت تبدو حياتهم وأسلوب عيشهم.
العمل الفنّي تاريخ لا ينتهي. وعلى الأرجح سيظلّ بلا نهاية طالما أن بوسع الإنسان استخدام عقله كي يخلق ويبدع.
لكن، ابتداءً، ما هو العمل الفنّي؟ العمل الفنّي يمكن أن يكون أيّ شيء قادر على أن يثير انفعال الشخص الذي يراه. يمكن، مثلا، أن يكون لوحة أو تمثالا مصنوعا من الجبس أو الطين. ويمكن أن يكون أيّ شيء طالما انه يصوّر مشاعر الفنان أو ما يريد الفنّان من المتلقّي أن يفهمه من خلال عمله.
كما أن لأيّ عمل فنّي أغراضا متعدّدة، أهمّها انه يمكن أن يكون بمثابة سجلّ للتاريخ. وأبسط مثال على هذا رسومات الكهوف التي ما تزال تخبرنا عن شكل الحياة في الماضي.
العمل الفنّي يمكن أيضا أن يوفّر متنفّسا لمشاعرنا. هناك لوحات كثيرة عندما ننظر إليها نجد فيها انعكاسا لما نشعر به من حالات فرح أو حزن. عندما تبدع عملا فنّيا فإنك إنما تعبّر من خلاله عن نفسك كشخص وعن طبيعة أفكارك وانفعالاتك. والتعبير عن الذات هو طريقة صحّية في التنفيس عن المشاعر.
أيضا قد يسهم العمل الفنّي في أن يُظهر لنا جوانب قد نجهلها عن العالم الذي نعيش فيه. فنّ التصوير الفوتوغرافي هو مثال واضح على هذا. فمن خلال الصورة بإمكاننا أن نعرف المزيد عن هذا العالم وعن معاناة الإنسان فيه والتي قد نغمض أعيننا أحيانا عن رؤيتها.
التصوير أداة قويّة جدّا في إثارة العواطف، كما انه يكشف لنا عن الكثير من الحقائق العارية عن حياتنا وعن أنفسنا. لكن هذا النوع من الفنّ يمكنه أيضا أن يثير فينا مشاعر طيّبة مثل التعاطف والسعادة والأمل بالمستقبل. والأمر في النهاية يعتمد على الأفكار التي يوظّفها المصوّر في عمله.
الأعمال الفنّية موجودة حولنا في كلّ مكان: في المنازل والمكاتب وكذلك في المتاحف والمعارض الفنّية.
والأعمال الفنّية البسيطة التي يقوم بها الإنسان في حياته اليومية من تزيين وزخرفة ما هي إلا محاولة لتجميل بيئته الصغيرة ومن ثم إضفاء شيء من البهجة والمتعة على حياته.

❉ ❉ ❉

استراحة موسيقية

❉ ❉ ❉

عريشة البرتقال


كان توماس فيرنلي (1802 - 1842) رسّاما نرويجيا من أصول انجليزية. وقد اشتُهر برسم الحدائق. لوحته هنا اسمها عريشة البرتقال، وهي تُعتبر إحدى تحف هذا النوع من الرسم.
كان فيرنلي عضوا في جماعة من الفنّانين الاسكندينافيين كان من بينهم كريستيان دال ويوهان ايكرسبيرغ. وقد أسهم هؤلاء في تدشين العصر الذهبيّ للرسم في شمال أوربّا خلال القرن التاسع عشر.
كان توماس فيرنلي يرى أن دراسة الجوّ لا يمكن أن تتحقّق بالكامل في الأضواء الصافية للمتوسّط. لذا سافر عام 1832 وهو في سنّ الثلاثين إلى الجنوب الأوربّي قاصدا روما. ويُرجّح انه رسم هذه اللوحة عندما كان هو وعدد من زملائه في زيارة لـ نابولي بجنوب ايطاليا.
وتصوّر اللوحة عريشة ضخمة اصطفّت على جانبيها أشجار البرتقال. وقد استخدم الرسّام أسلوب المنظور الواحد كي يخلق ممرّا مركزيا في عمق المنظر. كما أجاد في تصوير الضوء الذي يخترق الفراغات بين الأعمدة.
تأثيرات الضوء والظلال توحي بأن اللوحة رُسمت في فترة ما بعد الظهيرة. وهناك شخص وحيد يجلس في نهاية الممرّ وهو يمسك بكتاب أو لعلّه يرسم. وقرب الواجهة هناك آنية خزفية ضخمة تضمّ بعض الأزهار.
الأعمدة القائمة على طرفي الممرّ تبدو قديمة ومتهالكة نوعا ما، وهو ملمح شائع في الحدائق بشكل عام.
اهتمام الرسّام بالتفاصيل لافت، وبوسع المرء أن يرى أوراقا ونباتات في كلّ مكان. والإحساس العامّ الذي تثيره اللوحة هو مزيج من الهدوء والسكينة.
ورغم أن اللوحة صغيرة، إلا انه من الواضح أنها شُيّدت بعناية. كما يمكن اعتبارها أكثر من مجرّد دراسة لحالة الضوء والظلال في منتصف النهار.
من الأشياء المثيرة للانتباه أيضا الضوء الرقيق الذي يتخلّل الأسطح والطوب والأوراق. وواضح أن الرسّام استخدم فرشاة صغيرة وألوانا مرهفة وذات وهج خفيف.
عريشة البرتقال لوحة رُسمت بطريقة متوازنة وحسّاسة، ما يجعلها واحدة من أفضل الأعمال التشكيلية في هذا النوع من الرسم.

الثلاثاء، أغسطس 07، 2007

قناة الاحمدية

أثار بدء قناة mta الفضائية التابعة للطائفة الاحمدية الكثير من ردود الفعل التي غلب عليها الشجب والإنكار. مؤسّسة نايل سات المصرية نالها النصيب الأكبر من النقد بقرارها السماح للقناة بالبثّ عبر القمر الفضائي المصري "في محاولة للترويج للأفكار الضالة والغريبة عن الإسلام" كما قال البعض.
والاحمدية هي التسمية المخفّفة للقاديانية المصنّفة فقهيا باعتبارها فرقة فاسدة وضالة منذ أن أسّسها ميرزا غلام احمد في أواخر القرن التاسع عشر.
ومنذ انطلاق بثّ القناة لوحظ تركيز المسئولين عنها على محاولة كسب تعاطف المشاهدين في المنطقة العربية من خلال الإيحاء بان الاحمدية يجمعها مع بقية الطوائف الإسلامية أكثر مما يفرّقها. وفي هذا الاتجاه ظهر مقدّمو برامج القناة وهم يرتدون المشلح والغترة والعقال في إشارة واضحة إلى أن أتباع الفرقة ليسوا من الباكستانيين والهنود فقط كما يشاع عنهم بل إنها تضم أشخاصا من العرب الاقحاح الذين لا بد وأنهم يفهمون تعاليم الإسلام ويغارون عليه من الأفكار الدخيلة والغريبة.
والواضح حتى الآن أن الاحمدية يديرون هذه القناة التي تعتبر أول إطلالة لهم باللغة العربية على جمهور المشاهدين في المنطقة بكثير من الذكاء واللباقة. وضمن هذا المنحى ركّزت القناة في برامجها الحوارية الأولى على انتقاد المسيحية ودحض حججها كما خصّ المتحدّثون القس زكريا بطرس بالكثير من عبارات الهجوم والنقد، في محاولة لمغازلة التيّار الغالب من المسلمين والإيحاء بأن الاحمدية هم مع إخوانهم المسلمين في خندق واحد ضد الأعداء والخصوم المشتركين.
ومع ذلك فهناك من يطالب النايل سات بوقف بثّ القناة على الفور بحجّة أنها تبثّ من إسرائيل "هي في الحقيقة تبثّ من لندن" وعلى أساس أنها "معول يهدف أصحابه إلى هدم الإسلام من الداخل وتفتيت الأمة".
لكن بعيدا عن كلّ هذا السجال، اعتقد أن من حقّ الاحمدية - كما هو من حقّ غيرهم - أن يكون لهم منبر إعلامي يقدّمون من خلاله أنفسهم ويشرحون عقيدتهم، إذ ليس في ذلك ضرر يذكر طالما أن الحوار المنفتح والصريح – لا أسلوب الإملاء والوصاية - هو سبيل الجميع للوصول إلى الحقيقة.
وعلى ما يبدو، فإن جلّ ما يطمح إليه جماعة الاحمدية من إطلاق فضائيتهم ليس أن يحوّلوا الآخرين إلى القاديانية فتلك مهمّة عسيرة وتكاد تكون مستحيلة، بل الأمر لا يتعدّى كونه تمرينا في العلاقات العامة يريدون من خلاله أن يقدّموا عن أنفسهم وعن مذهبهم صورة مختلفة عن تلك الصورة السلبية التي ترسّخت في أذهان غيرهم عنهم على مرّ سنين طوال.
غير أن هذا كله لا يقلل من صعوبة مهمّة الجماعة الاحمدية في إعادة تأهيل نفسها وتبييض صفحتها سيّما وهي تتحدّث إلى جمهور تثقل على عقله كتب التراث والتاريخ وتتحكّم في انفعالاته وأحكامه الكثير من التصوّرات الجاهزة والصور النمطية عن الآخر.
ولا يقلّ عن هذا الأمر صعوبة محاولة إقناع الناس بتقبّل أهم ركن من أركان العقيدة الاحمدية بل وأكثرها إثارة للجدل وهو ذلك الذي يقول إن زعيم الفرقة ميرزا غلام احمد هو المسيح المنتظر والمهدي الموعود!