المشاركات

عرض المشاركات من 2011

الطبيعة من منظورين مختلفين

صورة
من الرائع حقّا أن ندرك مدى سرعة العقل في "رؤية" ما يحتاج لرؤيته. الباحث الأمريكي في الدراسات السلوكية راي هيربرت كتب مقالا جميلا يتحدّث فيه عن طريقة معالجة الدماغ لما يراه في الطبيعة، وكيف أن الإنسان، ومن خلال نظرة سريعة وعابرة، يمكنه استنباط أكثر المعلومات قيمة وأهمّية بفضل تطوّر الدماغ عبر العصور. يقول الكاتب: تخيّل، مثلا، أنك وصلت بالحافلة إلى بقعة من الطبيعة لم تذهب إليها من قبل. تترجّل من الحافلة وتبدأ بالنظر حولك. ما الذي ستلاحظه للوهلة الأولى؟ في البداية، لا يمكنك أن تتجاهل البحيرة الكبيرة الممتدّة أمامك. قد يكون التزلّج على الماء باعثا للمتعة هنا. ثم هناك الجبال المغطّاة بالثلوج والتي تلوح من مسافة. وهناك أيضا مجموعة الأشجار البرّية التي تقوم إلى اليسار. الطقس في المكان يبدو مثاليا والطبيعة مضيافة. والآن تخيّل أنك مجرم هارب من العدالة وأنك تخطو خارج تلك الحافلة إلى المكان نفسه. ما الذي ستراه؟ في الغالب سترى مساحة واسعة ومفتوحة. وباستثناء تلك المجموعة الصغيرة من الأشجار، لا توجد هنا العديد من الأماكن التي تصلح للاختباء. سيداهمك شعور بالانكشاف والضعف. الماء يصبح مجرّد ع...

جينتيليسكي: صورة البطلة الأنثى

صورة
خلافا للطليعيات من النساء اللاتي برزن في الرسم مثل سوفونيزبا ويسولا و لافينيا فونتانا اللتين تنتميان لعائلتين موسرتين، فإن ارتيميشيا جينتيليسكي التي توفّيت والدتها عندما كانت في سنّ الثانية عشرة، أتت من خلفية اجتماعية أدنى ونشأت في بيت عنيف. في العام 1612، وكان عمرها لا يتجاوز الثامنة عشرة، ظهرت جينتيليسكي في محاكمة اغتصاب مثيرة. كانت تلك الحادثة كافية لأن تعيش الرسّامة حياة نبذ وعزلة وأصبح من المستحيل بالنسبة لها أن تنال رضا الطبقة الارستقراطية التي كانت ترعى الفنون وتكلّف الفنّانين برسم أعمال فنية لأفرادها. ولدت ارتيميشيا جينتيليسكي (أو جينتيلاشي كما يُنطق اسمها بالايطالية) في روما عام 1593م. وكان والدها الفنّان اوراتسيو جينتيليسكي ابنا لصائغ من توسكاني. وقد تعلّمت ارتيميشيا الرسم من والدها وأتقنت أسلوبه بسرعة، لدرجة انه كان من المستحيل أحيانا تمييز أعمالها عن أعمال والدها، خاصّة في سنوات مراهقتها. في مايو من عام 1611 وجد اغوستينو تاسي، وهو رسّام كان والدها يتعاون معه في انجاز لوحات جدارية في القصر البابوي، وجد ارتيميشيا وحدها ترسم في منزل العائلة فقام باغتصابها، وفي ما بعد وعد ...

أصداء الليالي العربية

صورة
عندما تُرجم كتاب ألف ليلة وليلة إلى الانجليزية والفرنسية في بدايات عصر التنوير الأوربّي، أصبح أفضل الكتب مبيعاً بين المثقّفين الغربيين، في حين كان ما يزال يُنظر إليه في العالم العربي باعتباره مجرّد مجموعة من الحكايات الشعبية الرخيصة. وعلى امتداد تاريخها الطويل، فتنت الليالي العربية الكثير من الكتّاب والفنّانين، من غوستاف فلوبير وأوسكار وايلد وغارسيا ماركيز، إلى نجيب محفوظ وإلياس خوري وريمسكي كورساكوف ودوغلاس فيربانكس وآخرين. الباحثة والروائية مارينا وورنر تحاول من خلال هذه الدراسة استكشاف قوّة كتاب ألف ليلة وليلة وأثره الكبير والواسع في الثقافة الغربية المعاصرة. في بعض الليالي المؤرّقة، وعلى الرغم من المفروشات الوثيرة في غرفة نومه الملكية أو الأنغام المهدّئة التي يعزفها له موسيقيّوه أو حتى الاهتمام الرائع الذي تبديه واحدة أو أكثر من محظيّاته الثلاثمائة، لم يكن الخليفة العبّاسي العظيم هارون الرشيد يستطيع النوم بسهولة. كان من عادة الخليفة أن يتمشّى بصحبة مرافقه المفضّل مسرور في حدائق القصر أو في أسواق بغداد متنكّرا. وكان أحيانا يستدعي العلماء ليتبادلوا معه أطراف الحديث كعلاج يعينه على ...

نهاية النسخ الأدبي

صورة
كتب جون ميلتون ملحمته الشعرية الفردوس المفقود بعد أن كُفّ بصره في العام 1654 م. كان كلّ ليلة ينظم كمّية من الشعر في رأسه. وفي الصباح يقوم بإملائها على بناته الثلاث لكتابتها. وبعد أن تزوّج ثانية من امرأة تصغره سنّاً، أصبحت علاقته ببناته متوتّرة. إلا أنهنّ حافظن على علاقتهنّ به حتى النهاية. وبعض القصائد التي ألّفها في سنواته الأخيرة أهداها إلى إحداهن. صورة ميلتون الأعمى وهو يُملي الفردوس المفقود على بناته فتنت مخيّلة الناس لزمن طويل، وكانت موضوعا للعديد من الأعمال الفنّية. ومن بين من رسمه من الفنّانين كلّ من اوجين ديلاكروا وميهالي مونكاتشي وجورج رومني وآخرين. كان ميلتون يزعم انه يتلقّى أوامر مباشرة من السماء. ولا بدّ وأن تدوين مثل ذلك العمل الأدبي الطويل جدّا كان مهمّة صعبة. في هذه الأيّام، تغيّر الحال كثيرا. فبفضل التكنولوجيا المتطوّرة، أصبح العديد من الروائيين يميلون لاستخدام برامج التعرّف على الصوت لإملاء رواياتهم صوتياً بدلا من كتابتها. وهذه النوعية من البرامج تتحسّن باستمرار، بل وتبتكر تطبيقات لأجهزة الآيفون. عملية إملاء الروايات عن طريق الصوت إلى قرص كمبيوتر هي في الحقيقة عودة إلى...

بيتهوفن: الحبّ الخالد

صورة
بعد وفاة لودفيك فان بيتهوفن في منزله بـ فيينا القديمة عام 1827، تفحّص أصدقاؤه أشياءه ومقتنياته فوجدوا ثلاث رسائل مخبّأة بداخل احد أدراج مكتبه. كانت كلّ رسالة تتصدّرها عبارة كُتبت باللغة الألمانية تقول: إلى حبّي الخالد". من هنا بدأ اللغز الذي لم يفلح احد في حلّه أبدا: من كانت تلك المرأة الغامضة التي كان بيتهوفن يعتبرها حبيبته وملهمته الخالدة؟ في أماكن أخرى من أوروبّا، كانت الأمور هادئة نسبيا. فقد توقّفت معركة نافارينو، وتوفّي جورج الثالث وبايرون ونابليون، فيما يدخل غوته الآن عامه الثامن والسبعين. لم يكن هناك شكّ في أن تلك الرسائل كانت حقيقية وليست تدريبات لأوبرا أو سيمفونية ناقصة. لكنْ كان هناك سؤال حول ما إذا كانت تلك الرسائل قد أرسلت فعلا إلى وجهتها. ولماذا انتهى بها المطاف في مكتب بيتهوفن مرّة أخرى؟ بعض الكتّاب يشيرون إلى تقليد كان متّبعا في القرن التاسع عشر، إذ كانت رسائل الحبّ تعاد أحيانا إلى مرسليها عندما تنتهي العلاقة. رسائل بيتهوفن الغامضة قد لا تندرج ضمن الكتابات الرومانسية العظيمة، وهو ما حاول خبراء بيتهوفن الترويج له دائما. لكنّها تشير إلى أنه كان كاتبا جيّدا وعلى وعي عا...

لوتريك وأفريل: الرسّام وملهمته

صورة
اقترن اسم جان افريل بالرسّام الفرنسي هنري دي تولوز لوتريك. كان الاثنان قد التقيا في أوائل عام 1890م، عندما بدأت افريل تقديم رقصاتها المبتكرة في المولان روج. وقد رسمها في العديد من لوحاته وأفرد لها جانبا مهمّا من مجموعة أعماله التي يصوّر فيها حلبات الرقص وقاعات الموسيقى وحياة النوادي الليلية. كانت افريل صديقة لوتريك المقرّبة وملهمته الخاصّة. ولوحاته التي رسمها لها لا علاقة لها بالأجواء المبهجة والصاخبة التي تطبع أعماله عموما. رقصات افريل الغريبة ولوحات لوتريك التي تظهر فيها بتعابير جامدة وملامح حزينة كانت جزءا من التوتّرات الثقافية التي شهدتها باريس في نهايات القرن قبل الماضي. ترى، ما الذي رآه لوتريك في وجه جان افريل؟ ولماذا فضّل أن يرسم شخصيّتها الخاصّة بعيدا عن حياة الرقص والليل؟ في مايو من عام 1894، كان شابّ فوضوي يُدعى اميل هنري يغادر غرفته الصغيرة في حيّ مونمارتر باتجاه شوارع الموضة القريبة من سان لازار في باريس. دخل الشابّ الغاضب والعاطل عن العمل مقهى تيرمينوس الأنيق بينما كان يخبّئ تحت معطفه قنبلة. وفي الداخل، قام بإشعال الفتيل وألقى بالقنبلة وسط المقهى. وقد انفجرت وسط جموع الناس...

ألف لوحة ولوحة

صورة
"ألف لوحة ولوحة يجب أن تراها قبل أن تموت" هو عنوان الكتاب الذي أحضرته معي بعد زيارتي الأخيرة إلى لندن. الكتاب يقع في حوالي ألف صفحة. وكلّ صفحة مخصّصة للوحة، مع شرح موجز عن الرسّام والعصر الذي عاش فيه. المؤلّف ستيفن فارذينغ يعمل أستاذا في جامعة الفنون في لندن. كما انه في الوقت نفسه رسّام. وقد ساعده في اختيار اللوحات وكتابة الشروحات مجموعة من تسعين كاتبا، بينهم أساتذة في الفنّ وموسيقيّون ومصمّمو مواقع اليكترونية. اللوحات المختارة تغطّي الفترة من عام 1420 قبل الميلاد وحتى العام 2006م. وتضمّ نماذج من الفنّ الفرعوني والإسلامي وفنّ عصر النهضة وصولا إلى فنّ القرن العشرين. وقد روعي في اختيار هذه الأعمال أن تكون ممثّلة لمختلف التيّارات والمدارس الفنّية في الرسم. ويحوي الكتاب أعمالا لفنّانين مشهورين مثل دافنشي وبيكاسو والبريخت ديورر وكلود مونيه وهيرونيموس بوش وكاندينسكي ورافائيل ودي غويا وميكيل أنجيلو وغوستاف كليمت وروبنز وغيرهم. والملاحظ أن المؤلّف لم يقدّم لكتابه بشرح عن بدايات الرسم. كما أن الكتاب لا يتطرّق إلى ماهيّة الرسم ولا إلى وظيفته. والملاحظة الأخرى تتعلّق بالعنوان. فالإشارة...

هيروشيغي: مائة منظر لـ ايدو

صورة
كان اوتاغاوا هيروشيغي فنّانا يابانيّا كرّس حياته لرسم لوحات رائعة عن الطبيعة اليابانية. وطوال مسيرته الفنّية، ترك هذا الرسّام بصمة خاصّة في تاريخ الرسم العالمي بفضل لوحاته الخشبية الجميلة وأفكاره المبتكرة التي جعلت منه فنّانا مفضّلا بالنسبة للكثيرين. أحد أشهر أعمال هيروشيغي هو سلسلة لوحاته بعنوان مائة منظر لـ ايدو. وايدو هو الاسم القديم لـ طوكيو عاصمة اليابان. وتتألّف هذه السلسلة من مائة وثمان عشرة لوحة. وفيها يصوّر هيروشيغي بطريقة شاعرية مظاهر الحياة والطبيعة في كلّ فصل من فصول السنة. وقد اعتُبرت هذه المجموعة على الدوام واسطة العقد في أعماله الفنّية. كما أنها اليوم من بين أعظم الأعمال الفنّية في اليابان. ويمكن النظر إليها، أيضا، باعتبارها احتفاءً بفنّ وثقافة اليابان في نهايات فترة الشوغن. رسم هيروشيغي مناظر هذه السلسلة في العام 1856م. ويجب أن نتذكّر أن ايدو (أو طوكيو كما أصبحت تسمّى في ما بعد) كانت وقتها تمرّ بتحوّلات كبيرة. وكانت، كما هي اليوم، إحدى أكبر المدن في العالم. وأوّل ما ستلاحظه وأنت تنظر إلى هذه اللوحات المطبوعة على الخشب هو اهتمام الرسّام بإظهار التفاصيل الصغيرة. وعندما ت...

سَفَر عبر الزمن

صورة
لو قُدّر لك أن تسافر عبر الزمن إلى الوراء، فأين ستكون وجهتك؟ ادوارد غيبون مؤلّف كتاب انحدار وسقوط الإمبراطورية الرومانية اختار القرن الثاني الميلادي كزمن مفضّل وتمنّى لو انه عاش في تلك الحقبة بالذات. السبب، بحسب غيبون، أن الجنس البشري شهد وقتها أزهى فترات السلام والسعادة والرخاء. لكن كيف كانت ملامح تلك الحقبة؟ تعاقب على حكم روما آنذاك خمسة أباطرة هم نيرفا، تراجان، هادريان، انطونيوس بايوس وماركوس اوريليوس. وجلبت فترات حكمهم مستوى غير مسبوق من السلام والاستقرار في معظم أرجاء أوروبّا الغربية. لكن أيّ مكان وزمان ستختاره أنت؟ السؤال يحتاج إلى تفكير أكثر. مثلا، الشخص الذي يكره الألم يفضّل العمليات تحت التخدير ويتمنّى ألا يموت بسبب مرض الجدري. لذا فإنه حتما سيختار أن يعيش في وقتنا الحاضر. وعندما يتعلّق الأمر بالتكنولوجيا، فإن الحاضر يتفوّق على الماضي دون شكّ. والمسألة لها علاقة بنمط الحياة والأفكار والأخلاق والأشياء التي تمتدّ وتنكمش كحركة المدّ والجزر. اليوم، ومن خلال جواز سفر وتذكرة، تستطيع أن تسافر لتعيش حياة مريحة في وقت ومكان ما من اختيارك. المهتمّون بالثقافة سيحجزون مقعدا إلى عالم شكسب...

الشرق بعيون إيطالية

صورة
كانت حملة نابليون العسكرية على مصر، بالإضافة إلى حكايات المستشرقين ومغامرات الرحّالة من بين العوامل التي أسهمت في إلهاب مخيّلة القارّة الأوربية العجوز وتحفيز الأوربيّين على معرفة المزيد عن حياة وحضارة الشرق. وقد أسَرَ ما تبقّى من خيال الأوربّيين ما كان يصلهم من أخبار المتع المحرّمة والمحظيّات والحريم في قصور سلاطين وملوك بلاد الشرق. كانت تحدو الأوربيّين رغبة جارفة في معرفة واكتشاف وفهم الأراضي البعيدة والمختلفة عنهم ثقافة وتاريخاً. ولا بدّ وأن الكثيرين منهم كانوا متأثّرين بكتابات الأديب الفرنسي فلوبير الذي كان قد سبقهم إلى مصر وأقام فيها طويلا وأسهب في وصف مشاهد الحريم والرقص هناك. الايطاليون لم يكونوا بمنأى عن تأثير سحر وفتنة الشرق التي طبعت الرسم الغربي في القرن التاسع عشر. فالرسّام الفينيسي فرانشيسكو هايز ، الذي لم يسافر أبدا خارج ايطاليا، أصابته عدوى الافتتان بالشرق، فرسم العديد من اللوحات المتخيّلة عن ثقافة الشرق وحياة شعوبه. لكن رسّاما آخر، هو ايبوليتو كافي ، قرّر أن يعيش التجربة شخصيا. فباشر في العام 1843 رحلة طويلة أخذته في البداية إلى القسطنطينية حيث رسم فيها بازار العبيد وبعض...

عالَم مارك شاغال

صورة
في لوحات مارك شاغال كائنات خرافية وحيوانات طائرة ومخلوقات هجينة نصفها إنسان ونصفها الآخر وحش. ويُفترض أن الرسّام رأى هذه المخلوقات أو تَمثّلها في صور الشياطين المرسومة في الأيقونات والتماثيل العائدة للعصور الوسطى والتي كان معجبا بها كثيرا في بلده الأم روسيا. ولا بدّ وأن شاغال رأى أيضا وهو طفل سلسلة لوحات النزوات التي رسمها الفنّان الاسباني الكبير فرانشيسكو دي غويا. منذ صغره، كان شاغال مفتونا بهذه النوعية من الصور الخليطة أو المهجّنة التي تمزج صورة الإنسان والحيوان معا، وهي سمة رافقت تاريخ الرسم منذ بداياته الأولى. وهو في هذا يقتفي خطى العديد من الرسّامين الذين كانوا منجذبين لهذا النوع من الرسومات، مثل هنري فوسيلي و هيرونيموس بوش . بعض معاصريه من الرسّامين كانوا، هم أيضا، يتبنّون هذا التقليد في الرسم، من بيكاسو إلى برانكوزي إلى جان "هانز" آرب إلى فيكتور برونر وآخرين. والأمر الثابت هو أن مثل هذه الرسومات التي تصوّر البشر بهيئة وحوش أو طيور خرافية ظهرت بكثرة في فنّ القرن العشرين. تكرار الأشكال الهجينة هو من ابرز خصائص لوحات شاغال. فهو كثيرا ما يستبدل رأس الإنسان برأس حيوان....

دومينيكينو: عرّافة كيومي

صورة
كان دومينيكينو احد أشهر وأكثر الرسّامين الايطاليين نفوذا في القرن السابع عشر. وقد اشتهر بلوحاته الكبيرة، وخاصّة لوحته عرّافة كيومي التي رسمها في العام 1617 بناءً على تكليف من الكاردينال شيبيوني بورغيزي. كانت عرّافة كيومي شخصية شعبية جدّا. وكيومي هي اسم بلدة في جنوب غرب ايطاليا يُعتقد أنها أوّل مستوطنة للإغريق في ايطاليا. الكاردينال نفسه كان احد جامعي التحف الفنّية الكبار. كما اشتهر برعايته للفنّانين، مثل برنيني وكارافاجيو وغويدو ريني وغيرهم. وقد تأثّر دومينيكينو في رسمه لهذه اللوحة بلوحة رافائيل المشهورة سانتا سيسيليا . وعرّافة كيومي تقف في طليعة صفّ طويل من الشخصيّات الأنثوية التي رسمها دومينيكينو بعينيها الواسعتين الصافيتين ونظراتها البعيدة، وهما سمتان مألوفتان في أعمال هذا الرسّام. العرّافة التي تصوّرها اللوحة كانت إحدى كاهنات ابوللو وكانت تعيش في مستعمرة يونانية قرب نابولي بـ ايطاليا. وهناك إشارات متعدّدة إلى هذه العرّافة في الأدب الكلاسيكي. فقد ذكرها كلّ من أوفيد في كتاب التحوّلات وفرجيل في ملحمة الانيادا. كانت هناك عرّافات كثيرات. لكن يبدو أن هذه العرّافة كانت أكثرهنّ شعبية، وهذا...

مونيه: أشجار الحور

صورة
يُؤثر عن كلود مونيه قوله ذات مرّة: ليست هناك أمنية اعزّ على نفسي من أن أتوحّد مع الطبيعة وأن أعمل وأعيش بانسجام مع قوانينها، كما تحدّث عنها غوته. الطبيعة هي تجسيد للعظمة والقوّة والخلود". وكذلك قوله: لا توجد طبيعة ثابتة. مظهر الطبيعة يتغيّر باستمرار بفعل البيئة المحيطة من جوّ وضوء وهواء". في العام 1890، رسم مونيه عدّة لوحات أراد من خلالها أن يدرس موضوعا واحدا، لكنْ في ظروف مناخية متباينة وفي أوقات مختلفة من اليوم. كانت تلك اللوحات جزءا من مشروع حياته، أي الإمساك في الرسم بالمظهر المتغيّر للطبيعة وبالأحوال المختلفة التي تطرأ على البيئة بسبب تغيّرات الضوء والطقس والحركة. وكان هذا قد جلب لـ مونيه ورفاقه الانطباعيين الكثير من السخرية والانتقاد. لكن قُدّر لهذه المدرسة أن تتطوّر وأن تُحدث تغييرا في مسار الرسم الفرنسي والعالمي إلى اليوم. في عام 1891، قرّر مجموعة من مالكي أشجار الحور المجاورة لمنزل مونيه في جيفرني بيع أشجارهم الكاملة النموّ في المزاد. وكانت تلك الأشجار قد زُرعت أصلا لأسباب تجارية وليست جمالية. وكان مقدّرا للأشجار أن تتحوّل في النهاية إلى عيدان ثقاب وخشب للسقّالات. لك...

باخ في بلاط فريدريك الأكبر

صورة
احد اغرب اللقاءات في التاريخ هو ذلك الذي جمع بين فريدريك الأكبر ملك بروسيا والموسيقي الألماني العظيم يوهان سيباستيان باخ. في كتابه " أمسية في قصر العقل : باخ يقابل فريدريك الأكبر في عصر التنوير"، يتحدّث جيمس غينيس عن حياة فريدريك وباخ وكيف أن تحدّيا من الملك دفع الملحّن العجوز لتأليف احد أشهر مؤلّفاته بعنوان هديّة موسيقية ، والذي يجمع بين الجمال العقلي والسمعي معا. غينيس ليس أوّل مؤلّف يكتب عن هذه الحادثة المشهورة. فقد سبق وأن وضع دوغلاس هوفستاتر دراسة عن نقاط الشبه الجمالية التي تجمع هذا العمل المتفرّد لـ باخ مع اكتشافات كيرت غودال الرياضية ورسومات إم سي ايشر. وقد نال ذلك الكتاب عن جدارة جائزة البوليتزر. كما أصبح مثالا على الكيفية التي يُستخدم بها النثر البسيط لإيصال الأفكار العميقة بطرق ليست كاشفة فقط وإنما ممتعة أيضا. القصّة التي يكتب عنها غينيس هي تذكير بأن بعض قادة الأمم في الماضي كانوا يثمنّون الثقافة الرفيعة. كما كان الفنّانون والمبدعون يكتسبون الشهرة من خلال نبوغهم وعبقريتهم، وليس بسبب تلاعب وسائل الإعلام. يبدأ الكتاب بسرد سيرة حياة موجزة لشخصيّتي كلّ من باخ وفريدري...

حدائق انطباعية

صورة
ليس من قبيل المصادفة أن الأعمال التي دشّنت المرحلة الانطباعية وحملت ملامحها، مثل لوحات مونيه وسورا ومانيه، كانت تركّز على تصوير الناس في الحدائق وعلى الشواطئ. كان الانطباعيون يرمون من وراء ذلك إلى تحقيق غايتين: أن يرسموا رؤيتهم عن الطبيعة من خلال الإمساك بالانطباعات البصرية للضوء والظلّ، وأن يسجّلوا الأنشطة الحياتية للمجتمع الحديث. ولم يمض وقت طويل حتى تقبّل الناس تلك اللوحات التي تصوّر الباريسيين وهم يستمتعون بالتسلية التي وجدوها أخيرا في الحدائق والمنتزهات العامّة وعلى شاطئ البحر. ومنذ ذلك الوقت لم تفقد مناظر التسلية والمتعة الانطباعية جاذبيّتها أبدا. الأعمال الايقونية التي مهّدت لظهور الانطباعية وعزّزت شعبيّتها في أوساط الناس كثيرة. في الذهن مثلا لوحات مهمّة مثل يوم أحد في جزيرة لاغران جات لـ جورج بيير سورا وعشاء على العشب لـ مانيه. وهناك ايضا تحف فنية مجهولة بعضها يستقر اليوم في بعض المجموعات الفنية الخاصة، مثل لوحة كاييبوت أزهار الاضاليا ولوحته الأخرى عن منظر لأرض ريفية مع زهور حمراء وصفراء. بالإضافة إلى لوحة رينوار بعنوان امرأة بمظلّة في حديقة، وهي عبارة عن شلال من أزهار الخشخا...

خواطر رمضانية

صورة
شدّتني هذه الصورة كثيرا. وهي ابلغ من أيّ كلام يمكن أن يُقال. بداية، يمكن أن نقدّر أن هذه السيّدة تجاوزت المائة عام من عمرها. وخلافا لما قد يظنّه الناظر، هي ليست مجنونة ولا مصابة بخرف عقلي. بل هي في تمام حواسّها وكمال عقلها. قصّة هذه الصورة الايقونية تعود إلى بضع سنوات خلت، وبالتحديد إلى ذروة احتدام الصراع بين الأرمن والآذاريين على إقليم قره باخ الواقع على الحدود بين البلدين. لاحظ نظرات هذه العجوز الأرمنية وعينيها اللتين تلتمعان بالتوجّس والتحدّي والحذر بينما تقوم بحراسة بيتها. ثم تأمّل حركة يديها وهي تمسك بالكلاشنيكوف وأصابعها مثبّتة على الزناد. ذكّرتني هذه الصورة المعبّرة بصورة ايقونية أخرى. لكن هذه الصورة الأخيرة أشدّ إيلاما وأثقل على النفس وأبلغ كثيرا من حيث دلالتها وقوّتها التعبيرية. إنها صورة تلك العجوز الفلسطينية التي تتشبّث بجذع شجرة زيتون وليس معها من سلاح سوى يديها العاريتين بينما تحاول بيأس منع جنود الاحتلال الصهيوني من اقتلاع الشجرة. البيت والشجرة هما رمز للوطن الكبير. وحبّ الأوطان والدفاع عنها غريزة فُطر عليها الإنسان منذ الأزل. وعلى ما يبدو، فإن هذه الغريزة تشتدّ وتقوى ك...

مشاهد من الحياة اليومية

صورة
وليام ميريت تشيس، ساعات خاملة، 1894 بين عامي 1891 و 1902، عثر وليام تشيس على مواضيع جديدة للوحاته خارج الأبواب وفي الهواء الطلق في ساوثهامبتون بـ لونغ آيلاند، حيث كان يشرف على المدرسة الصيفية للفنون في شينيكوك هيلز. في هذا المشهد الذي التقطه من فوق الكثبان الرملية الوعرة على طول خليج شينيكوك، رسم الفنّان أربعة نماذج متكرّرة: امرأة تعتمر قلنسوة حمراء "ربّما كانت زوجته"، واثنتين من بناته، بالإضافة إلى إحدى شقيقات زوجته. وتشيس يدعو الناظر لملء الأشكال غير الواضحة ومحاولة إكمال القصّة المتضمّنة في اللوحة. "ساعات خاملة" هي لوحة نموذجية عن سكّان الحواضر الذين يستمتعون بخلواتهم في الضواحي. كما أن فيها تلميحا إلى ازدياد أوقات الفراغ نتيجة ازدياد وتيرة التحضير والتصنيع. في ذلك الوقت أصبحت النساء يشكّلن غالبية روّاد المنتجعات الصيفية. وكنّ يفضّلن قضاء وقت التسلية على الشطان الآمنة، بينما كان أزواجهن منصرفين للاهتمام بأعمالهم في المدينة. السرد في هذه الصورة بسيط مثل بساطة ملاحظة منسوبة إلى هنري جيمس قال فيها: "ظهيرة صيفية. بالنسبة إليّ هاتان الكلمتان هما الأكثر جمالا...