المشاركات

عرض المشاركات من 2019

جماليات النستعليق

صورة
كنت على الدوام شغوفا بالخطّ العربي، ولطالما نظرت إلى العديد من نماذجه متأمّلا ومستحسنا ومتمنّيا بنفس الوقت لو أنني أتقنها. وعلى مرّ سنوات، تعلّمت بعض أنواع الخط، كالرقعة والنسخ والديواني. لكن الخطّ الذي أحببته أكثر من غيره، وهو النستعليق، بدا لي دائما متمنّعا وبعيدا وصعبا. لكن لأن الاهتمام موجود والرغبة في التعلّم متوفّرة، فقد بدأت تعلّمه وما أزال أتعلّم. وأطمح في المزيد من التجويد والإتقان الى أن أتقنه بمثل ما أتقنه الخطّاط الذي أبدع النموذجين المرفقين هنا. وهذا يتأتّى بالمزيد من المران والتدريب. وقد لاحظت أن قواعد الكتابة بهذا الخط دقيقة وصارمة، بحيث لا تسمح بالكثير من التجريب والاجتهاد بعد أن استقرّت منذ حوالي ثمانمائة عام. ومن خلال التجربة، اكتشفت أن على من يريد إتقان هذا الخط ألا يخلط بينه وبين الخطّ الديوانيّ. وقد وقعت في نفس هذا الخطأ في البداية، لكن سرعان ما عدّلته واتبعت القواعد الأصلية. خطّ النستعليق فيه الكثير من الفنّ والشاعرية والإبداع. وإن أردت أن تتأكّد من هذا فما عليك إلا أن تلقي نظرة سريعة على المخطوطات القديمة المكتوبة بهذا الخطّ ومعظمها من ...

ميلودراما يان ستين

صورة
في تاريخ الرسم، هناك مرحلة اتّفق مؤرّخو الفنّ على تسميتها بالعصر الذهبيّ للرسم الهولندي والذي امتدّ طوال القرن السابع عشر. والحقيقة انه ليس من السهل أن يعجب المرء اليوم بالكثير من الفنّ الذي أُنتج خلال تلك الفترة. وهناك الآن منه الكثير في المتاحف وفي المجموعات الفنّية الخاصّة. ومعظمه عصيّ على الفهم بمعايير هذه الأيّام. لكن بطبيعة الحال فإن رمبراندت وفيرمير، وإلى حدّ ما هولس، يُعتبرون متميّزين عن غيرهم. ثم هناك تيربورش الذي يجبرك على أن تتوقّف أمام لوحاته لتتأمّل تفاصيلها وألوانها المدهشة. وهناك اسم خامس هو يان ستين الذي يبدو انه ما يزال يتمتّع حتى اليوم بحضور لافت بدليل المعارض التي تقام لأعماله من وقت لآخر. تفاصيل لوحاته المرحة والمليئة بالحياة لا بدّ وأن تدفع كلّ من يراها للابتسام، مع أن المرح سمة نادرة في الرسم عموما. ربّما كان الناس في الماضي يظنّون أن كون الفنّان مرحا ينزع عنه لباس الوقار والجدّية ويجرّده من العظمة. غير أن العصر الذهبيّ للرسم الهولنديّ أنتج عددا كبيرا من الفنّانين الهزليين. وما من شك في أن سخريّتهم التي تُشيع السعادة هي من بين انجازات ذلك العصر. ك...

صور من العصر الجليدي الصغير

صورة
كان الرسّام هندريك ايفركامب (1585-1634) المعلّم الذي لا ينافَس في رسم مناظر الثلج. وقد أرست صوره المعايير الأساسية لتصوير الحياة على الثلج في رسوم الطبيعة الهولندي خلال القرن السابع عشر. لوحته الموسومة (طبيعة شتوية مع متزلّجين) من عام 1608 هي مثال على براعته وإتقانه. والأشخاص الذين يظهرون فيها ينتمون لمختلف طبقات المجتمع الهولندي. وجميعهم منهمكون في كافة أنواع الأنشطة التي يمكن تخيّلها ويمكن أن تمارَس على الجليد. فالأطفال يتقاذفون كرات الثلج في ما بينهم والفلاحون يبحثون عن طعام إضافي يردّ عنهم غائلة الجوع الذي كان مألوفا وقتها في الشتاء، ووسيلتهم في ذلك نصب الفِخاخ لاصطياد الطيور. وفي اللوحة أيضا نرى الماء يُحمَل في دلاء من حفرة. وكلّ شيء ممتزج بتناغم وحميمية في الأجواء الشتوية للأراضي المنخفضة خلال ما عُرف بالعصر الجليديّ الصغير. وطبقا للمؤرّخين، فإن ذلك العصر يغطّي الفترة من القرن السادس عشر وحتى القرن التاسع عشر، حيث كانت درجات الحرارة في أوربّا اشدّ انخفاضا بكثير مما هي عليه هذه الأيّام وكانت أيّام الشتاء وقتها أطول وأشدّ قسوة. وبشكل عام تأثّرت الحياة بقوّة بهذه الظاه...

سفينة الأغبياء

صورة
في عام 1494، اصدر كاتب ألماني يُدعى سيباستيان برانت كتابا بعنوان "سفينة الأغبياء". كان برانت، مثل الكثيرين من معاصريه، يعتقد أن نهاية العالم وشيكة وأن عودة المسيح إلى الأرض تتطلّب من البشر أن يتوبوا وينبذوا ما يغضب الخالق. وقد حاول في كتابه ذاك أن يشرح أسباب سلوك البشر في عالم ساقط، وعزا ذلك في الأساس إلى غباء البشر وبعدهم عن الله. أما السفينة التي يتحدّث عنها في كتابه فهي سفينة بلا ربّان، وركابها الذين يُفترض أنهم مبحرون باتجاه مكان خيالي يُسمّى ناراغونيا أو جنّة الأغبياء، فيبدون تائهين وغير مبالين بالاتجاه الذي يسلكونه. وفي القرن التالي، أي السادس عشر، أصبح موتيف سفينة الأغبياء يُستخدم للسخرية من الكنيسة الكاثوليكية التي كانت تقدّم نفسها للناس باعتبارها سفينة الخلاص. لكن مفهوم السفينة يعود إلى زمن أقدم بكثير. ففي كتاب "الجمهورية" لأفلاطون، يناقش سقراط أساليب الحكم الرشيد ويسوق أمثولة عن سفينة قبطانها أقوى من بقيّة البحارة، لكنه أصمّ قليلا ونظره ضعيف ومعرفته بالبحر ليست كافية. لذا ينشأ بين البحّارة جدل حول المسار الذي ينبغي أن تسلكه السفينة وكلّ منهم يزعم...

وصايا موساشي

صورة
كان مياموتو موساشي محارب ساموراي مشهورا. كما كان فيلسوفا وكاتبا وخبيرا استراتيجيا ورسّاما ترك تحفا كثيرة في الرسم الكلاسيكي اليابانيّ وفي فنّ الخطّ. عاش موساشي في القرن السادس عشر. وهو معروف خاصّة بكتابه المسمّى "الخواتم الخمسة" الذي ضمّنه آراءه في الاستراتيجيا والفلسفة. وما يزال الكتاب يُدرّس حتى اليوم. ويقال انه في أخريات حياته وبعد أن تدهورت صحّته انتقل للعيش في كهف بأحد الجبال لكي ينجز الفصول الأخيرة من ذلك الكتاب الذي ضمّنه أيضا بعض الإرشادات الضرورية عن كيف يتحكّم الإنسان في مشاعره وانفعالاته ويعيش حياة سعيدة بقدر الإمكان. السطور التالية عبارة عن ملخّص لتلك القواعد والتوصيات.. أوّلا: إقبل كلّ شيء تاتي به الحياة. فالقبول هو أهمّ موقف لمواجهة تحدّيات العيش. والقبول حالة ذهنية لا توصلك إلى أيّة وجهة، بل تدرّب عقلك على أن تكون متسامحا مع أيّ شيء قد تجلبه لك الحياة. والقبول ليس اللامبالاة أو السلبية ولا الاستسلام أو عدم المحاولة، بل هو ببساطة قبول الأشياء دون أن تحكم عليها بالسلب أو الإيجاب. ثانيا: لا تتوقّع أن تكون سعيدا دائما. فالمشاعر والظروف لا تدوم إل...

الموسيقى كَشِعر

صورة
الموسيقى الانطباعية هي حقبة في تاريخ الموسيقى تمتدّ من حوالي عام 1880 إلى عام 1920. ورغم أنها في الأساس ظاهرة فرنسية، إلا أنها اتّسعت بعد ذلك لتشمل كلا من انجلترا وإيطاليا والولايات المتّحدة. بالتأكيد سمع معظمنا بأسماء رسّامين مثل مونيه ورينوار وسيسلي وكميل كورو وميري كاسات. وهؤلاء كانوا يعرضون لوحاتهم في باريس في بدايات القرن الماضي، وكانت تحظى بإعجاب قطاع لا بأس به من الجمهور. في تلك الفترة، كان يعيش في باريس شعراء كانوا يسمَّون بالشعراء الرمزيين، مثل شارل بودلير وبول فيرلين وستيفان مالارميه. وأشعار هؤلاء، بالإضافة إلى رسومات مونيه ورفاقه، تحوّلت إلى مادّة استلهم منها الموسيقيون الانطباعيون أفكارا لموسيقاهم. وأشهر هؤلاء الموسيقيين كان كلود ديبوسي الذي يُعزى إليه الفضل في تأسيس الموسيقى الانطباعية. لكن كان هناك موسيقيون آخرون ساروا على نهجه، مثل موريس رافيل مؤلّف موسيقى بوليرو المشهورة، وغابرييل فوريه الذي ألّف قطعا جميلة مثل النشيد الجنائزي ، بالإضافة إلى الموسيقيّ الايطاليّ ارتورو ريسبيغي. لكن بطبيعة الحال فإن أشهر هؤلاء كان ديبوسي. والناس يتذكّرونه بمؤلّفاته المشهو...

الوعي باللحظة الراهنة

صورة
ثمّة حكمة بوذية عمرها أكثر من مائتي عام تشرح بوضوح أهمّية النظر إلى السماء بانتظام. فطبقا للحكاية الشعبية، كان المعلّم والشاعر اليابانيّ ريوكان تايغو الذي عاش ما بين القرنين الثامن عشر والتاسع عشر ناسكا سعيدا. وقد تلقّى هذا الناسك دروسا في دير لعشر سنوات، ثم رفض الدين التقليديّ وقرّر أن يعيش حياة بسيطة قضاها في التأمّل وكتابة الشعر. ومن وقت لآخر، كان يحتسي شرابا شعبيّا مع الفلاحين في الريف ويتقاسم طعامه المتقشّف مع الطيور والحيوانات في البرّية. وفي الحقيقة لم يكن لدى ذلك الناسك ما يغري الآخرين بالسرقة. لكن في إحدى الليالي أتى إلى كوخه الجبليّ المنعزل لصّ كان يمنّي نفسه بالعثور على كنز. لكن اللصّ لم يجد شيئا ذا قيمة، فشعر بالإحباط، الأمر الذي أحزنَ الناسك أيضا. ويقال أن الناسك تناول ملابسه وفراشه ودفع بها إلى اللصّ قائلا: لقد أتيتَ من مسافة بعيدة وتجشّمت عناء الطريق لكي تراني. وأرجوك أن تقبل منّي هذه الهديّة". وأخذ اللصّ المذهول ملابس الناسك ومضى في سبيله. ثم تذكر القصّة أن الناسك أمضى بقيّة تلك الليلة عاريا، يحدّق في السماء ويتأمّل القمر الذي كان يلمع مثل جوهرة لا...

لينين: الوجه الآخر

صورة
كان فلاديمير لينين وما يزال شخصية مثيرة للجدل في روسيا وخارجها. بعض المؤرّخين وصفوا حكمه بالشموليّ وبالدولة البوليسية. والبعض الأخر وصفوه بديكتاتورية الحزب الواحد. وهناك من يمتدحه لأنه عدّل النظرية الماركسية بحيث جعلها تناسب الظروف الاجتماعية والاقتصادية في روسيا. وبعض كبار مثقّفي اليسار في العالم اليوم مثل فريدريك جيمسون وسلافوي جيجيك يدعون إلى استلهام روح لينين الثورية وغير المهادنة في حلّ مشاكل العالم المعاصر. السلطات السوفياتية لم يكن من مصلحتها أن يعرف الناس شيئا عن الجانب المظلم في شخصية لينين. كان هو مهندس الثورة البلشفية وأوّل رئيس للبلاد. وشخصيّته مرتبطة جدّا بالثورة لدرجة أن اهتماماته الثقافية الواسعة كان يتمّ تجاهلها غالبا. يقال أن لينين كان حريصا على أن يكون منسجما مع مبادئه. وهذا الشعور تحوّل إلى صلابة لا تلين أثناء الحرب الأهلية، فحارب المؤسّسات والأشخاص الذين كانوا يمثّلونها حتى لو استدعى الأمر تصفيتهم. وكان يعتبر أن هذا ضرورة مؤسفة ويجب تجنّبها قدر الإمكان في ظروف معيّنة. كما كان يكره المثقّفين ويحبّ صحبة البسطاء. وأثناء الحرب الأهلية (1918 - 1921) شدّد ق...

هيرودوت الصينيّ

صورة
مصارحة السلطة بالحقيقة كانت على الدوام عملا محفوفا بالمخاطر في الصين. فحكّامها كانوا دائما يفضّلون أن يجامَلوا. والكتّاب الذين يتجاهلون هذه الحقيقة غالبا ما كانوا يدفعون ثمنا باهظا. مؤرّخ الصين العظيم، الذي عاش قبل حوالي ألفي عام، كان واحدا من كثيرين دفعوا غاليا ثمن صراحتهم. "من بين كافة العقوبات، لا شيء يعادل في فظاعته عقوبة الإخصاء، وأيّ شخص عانى من هذه العقوبة عاش بعدها حياة كالعدم". الرجل الذي كتب هذه الكلمات لا يعتبر اليوم مجهولا أو منسيّا بحال. كان سيما تشان أوّل، وربّما أعظم مؤرّخ عرفته الصين. الزمن حوالي عام تسعة وتسعين قبل الميلاد. على حدود الصين الشمالية، استسلم جنود الإمبراطور أمام جيش البرابرة. وفي البلاط استُقبل هذا الخبر بالصدمة. والإمبراطور نفسه في حالة غضب عارم. لكن مسئولا واحدا فقط تجرّأ على أن يتحدّى تقاليد البلاط وأن يتحدّث بصراحة نيابةً عن الجنرال المهزوم. وقد كتب سيما تشان هذه الكلمات إلى احد أصدقائه في ما بعد ويقول فيها: لقد حقّق هذا الجنرال العديد من الانتصارات. أما رجال البلاط؛ هؤلاء الذين جلّ همّهم الحفاظ على مصالحهم وعائلاتهم، فقد أمسك...

سِجّاد حبيبيان

صورة
يُصنع السجّاد لكي يمشي أو يجلس عليه الناس، أو هذا ما استقرّ في أذهان الكثيرين. لكني انظر إلى كلّ سجّادة باعتبارها عملا فنّيا يجدر أن تتأمّله العين وتستمتع بجماله النفس. وأحيانا عندما أرى سجّادة متقنة التصميم وبديعة الألوان اشعر بالحزن عندما أتذكّر أن مثل هذا الجمال سينتهي تحت الأقدام، بينما مكانه الذي يليق به هو أن يُعلّق في المجالس كي تستمتع به الأعين فتقدّر جماله والجهد المبذول في صنعه. ومن عادتي أن اذهب من وقت لآخر لزيارة بعض معارض السجّاد، لا لأقتني سجّادة فاخرة وإنما لأرى التصاميم الجديدة ولأستمتع بالنظر إلى الأنماط والأشكال ومزيج الألوان فيها. وصناعة سجّادة متميّزة يمكن أن يستغرق وقتا طويلا مع الكثير من الجهد والمهارة. وهناك عوامل معيّنة لتقدير قيمة سجّادة ما، منها الحجم وكثافة العقد والموادّ المستعملة في صنعها والتصميم والألوان وما إلى ذلك. وأغلى السجّاد هو ما صُنع من الحرير الخالص أو من الحرير مع قليل من القطن والصوف. لكن وفي كلّ الأحوال يظلّ الغرض الأساس من السجّادة جماليّا، وهو أن تسرّ العين وتثير اهتمام الناظر وتأسره بأنماطها الشائكة وتفاصيلها المعقّدة والبديعة...

مدن في البال

صورة
الوصول إلى عشق أباد، عاصمة تركمانستان، يشبه الدخول إلى المستقبل، مع أن هذه المدينة عالقة بعمق في أغوار الماضي. إسمها أصله فارسيّ ويعني "مدينة الحبّ". وإلى الجنوب الغربيّ منها يقع القصر الذي كانت تسكنه عائلة فيروزا الملكية الفارسية والذي أصبح اليوم منتجعا سياحيا مشهورا. رمال الصحراء حول عشق أباد تُخفي تحتها بعض أقدم وأهمّ المواقع الأثرية التي تعود لآلاف السنين، وبينها قلاع وأطلال وجوامع وبلدات تعود إلى القرون الوسطى. وفي غرب المدينة بقايا أطلال الدولة البارثية التي يرجع تاريخها إلى القرن الثالث قبل الميلاد. بُنيت عشق أباد عام 1881 على مفترق طريق القوافل. لكن زلزالا فاجأ المدينة وسكّانها وهم نيام خلال أربعينات القرن الماضي فأزالها تماما عن وجه الأرض وقتل أكثر من مائة ألف إنسان. حتى الأشجار اقتلعت من جذورها بفعل قوّة الزلزال كما دُمّرت معظم مباني المدينة القديمة. وبعد عشرين عاما أعاد السوفيات بناءها من الصفر تقريبا. ولعشق أباد تاريخ عريق تعكسه عمارتها ذات الطابع الإسلامي، حيث يمكن رؤية البلاط الأبيض اللامع والقباب المذهّبة في كلّ مكان. ومع أن هذه المدينة مصنو...

قراءات مؤجّلة

صورة
صرفتُ بعض الوقت مؤخّرا لقراءة بعض الكتب التي كنت اشتريتها في أوقات مختلفة، لكن لم تسعف الظروف لقراءتها. الكتاب الأوّل رواية "الحبّ في زمن الكوليرا" لغارسيا ماركيز. هذه رواية ملحمية بامتياز يمتزج فيها الواقع بالخيال. السرد سهل ومشوّق ولا يخلو من روح السخرية والشاعرية التي يتصف بها أسلوب ماركيز. في هذه الرواية كتب الروائيّ الكولومبيّ إحدى أشهر عباراته التي يجري اقتباسها كثيرا، واصفا فيها شعور بطلي روايته اللذين التقيا بعد فراق دام خمسين عاما. يقول: لقد أدركا أن الحبّ هو الحبّ في كلّ زمان ومكان، وإنه ليبدو أكثر قوّة كلّما اقتربا من الموت". وهناك أيضا وصف ماركيز الرائع لشعور بطلي الرواية بعد لقائهما وهما على حافّة الشيخوخة: كلاهما خائف لا يعرفان ماذا يفعلان في تلك المسافة البعيدة عن صباهما على المصطبة المبلّطة في منزل غريب تنبعث منه رائحة أزهار المقبرة. ويضيف: بعد مرور نصف قرن، ها هما ولأوّل مرّة وجها لوجه، ولديهما ما يكفي من الوقت لرؤية بعضهما بوضوح وكما هما فعلا: عجوزان يترصّدهما الموت، لا شيء يجمع بينهما سوى ذكرى ماض غابر لم يعد ماضيهما وإنّما هو ماض ل...

رمبراندت أم دافنشي ؟

صورة
في هولندا أُعلن رسميّا أن 2019 هو عام رمبراندت. وأكبر المتاحف الهولندية أعلنت عن تنظيم العديد من المعارض احتفالا بمرور ثلاثمائة وخمسين عاما على وفاة رمبراندت في عام 1669. لكن رمبراندت ليس وحده المحتفى به هذا العام الذي يصادف أيضا ذكرى مرور خمسمائة عام على وفاة ليوناردو دافنشي في عام 1519. والكثير من الكتّاب رأوا في تزامن هاتين المناسبتين فرصة لطرح هذا السؤال: ترى أيّهما أعظم رمبراندت أم دافنشي؟ قد يكون الرهان الذكيّ على رمبراندت. ففنّه عميق ومأساويّ ومثير للأفكار والمشاعر. يمكن القول أن بورتريهاته هي المعادل الفنّي لمأساة الملك لير. وروح الإنسان على إطلاقه متجسّدة في صوره. في المقابل فإن ليوناردو نجم شعبيّ، وهو ما يزال يشغل الناس حتى بعد مرور خمسة قرون على رحيله. وبالتأكيد لن تشعر بالعزلة وسط كلّ ذلك العدد الكبير من الهواتف الذكيّة التي يحملها السيّاح الذين يفدون إلى اللوفر ليقفوا أمام تحفته "الموناليزا". البورتريه الذي رسمه رمبراندت لنفسه بعنوان بورتريه شخصيّ مع دائرتين (الصورة فوق) لا يُرجّح أن تراه محاطا بالكثير من الزوّار والكاميرات في ما لو أتيحت لك زيارت...

زونارو: الرسّام المنسيّ

صورة
هذه الأيّام لا يكاد احد يتذكّر اسم فاوستو زونارو. لكن قبل أكثر من مائة عام، كان هذا الرسّام الايطالي أشهر فنّان أوربّي عمل وعاش في الشرق. كانت لوحاته عبارة عن وثائق تاريخية. وبعضها يُظهر مواقع في اسطنبول لم تعد قائمة اليوم كما أنها غير معروفة بالنسبة للكثيرين. وهي تعكس احتفالات وعادات ومراسم وتقاليد من الزمن العثمانيّ. ولد زونارو عام 1854 وأظهر منذ طفولته شغفا بالرسم. وتعلّم في ما بعد في بادوا ثم في أكاديمية فيرونا. وبعد أن عمل في نابولي وفي مدن أخرى عدّة سنوات، قرّر أن يستقرّ في فينيسيا. وفي عام 1891، حدثت نقطة تحوّل مهمّة في حياته، عندما وقع في حبّ إحدى تلميذاته وتُدعى اليزابيتا بانتي. ثم قرّر الاثنان أن يتزوّجا ويذهبا إلى اسطنبول عاصمة الدولة العثمانية. وكان ملهم الرسّام لتلك الرحلة ديوان شعر كان قد قرأه لشاعر ايطاليّ يُدعى ادموندو دي اميتشيز يسرد فيه انطباعاته بعد رحلة له لتلك المدينة المشرقية. في اسطنبول افتتح زونارو لنفسه محترفا، وحظي برعاية السفيرين الايطاليّ والروسيّ لدى البلاط اللذين قدّماه إلى السلطان عبدالحميد الثاني. ولم يلبث الأخير أن عيّنه رسّاما للبلاط، ح...

جزيرة الذرة

صورة
هذا الفيلم ليس للأشخاص الذين يتوقّعون أحداثا سريعة ومثيرة. فإيقاعه بطيء والحوار بين أبطاله يكاد يكون منعدما. لكن الفيلم مع ذلك جميل ومقنع، لأن من الواضح أن مخرجه الجورجي جورج اوفاشفيلي يملك رؤية متماسكة. والفيلم هو تجسيد ناجح لتلك الرؤية. بطلا الفيلم رجل عجوز وحفيدته الشابّة، وهما يعملان في زراعة الذرة فوق جزيرة صغيرة على شكل سمكة تقع في منتصف المسافة بين جمهوريتي جورجيا وأبخازيا. والمخرج يرسم من خلال الشخصيات والأحداث بورتريها يمزج فيه بين الصراع السياسي الحاصل اليوم في تلك المنطقة وبين عناصر البقاء هناك والتي تمتدّ لعدّة قرون. تقع الجزيرة، حيث تجري الأحداث، في حوض نهر "انجوري" الذي يشكّل الحدود الطبيعية بين كلّ من أبخازيا وجورجيا حيث تمكّن انفصاليون أبخاز في السنوات الأخيرة من فصل هذه المنطقة وإعلانها أرضا تابعة لهم بعد أن طردوا السكّان الجورجيين منها. وقد أمضى المخرج سنوات وهو يبحث عن جزيرة طبيعية مناسبة، ثم اختار أن يشيّد جزيرته من الصفر. عدد الكلمات التي تظهر في مقدّمة الفيلم هي أكثر من الكلمات التي ينطقها البطلان على امتداد زمن الأحداث الذي يستمرّ حوالي ما...