:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


‏إظهار الرسائل ذات التسميات ديكارت. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات ديكارت. إظهار كافة الرسائل

الأحد، ديسمبر 13، 2015

بورتريه لديكارت


عادة ما يكون الفلاسفة عرضة للاتهام بالكثير من الأخطاء والخطايا. أكثرهم نفوذا، أي أفلاطون وأرسطو وجون لوك وشركاءهم، ما يزالون يجتذبون حشدا من الأعداء الذين ينقّبون في أعمالهم، بحثا عن أخطاء أو لشجب تأثيرهم على الفكر الغربيّ.
وفي أيّامنا هذه، فإن رينيه ديكارت، المفكّر الفرنسي من القرن السابع عشر والذي كثيرا ما يوصف بأنه مؤسّس الفلسفة الحديثة، يُعتبر كيس اللكم المفضّل.
ومن علامات اتّساع نطاق تأثير هذا الرجل أنه صنع لنفسه الكثير من الأعداء، من بينهم علماء نفس ومدافعون عن حقوق النساء وعلماء أحياء ومدافعون عن حقوق الحيوان.
وكانت هناك ضربات أخرى وُجّهت له في الآونة الأخيرة أيضا. فطبيب الأعصاب أنطونيو داماسيو، في تقريره بعنوان "خطأ ديكارت"، هاجم فصل ديكارت العقل عن العاطفة. وفي تاريخ حقوق الحيوان، يوصف ديكارت باعتباره شخصا شرّيرا لادعائه أن الحيوانات ليست أكثر من مكائن متطوّرة وليس لها القدرة على الشعور بالألم. وقد كتب بمرح إلى صديق له عام 1638 يقول: فتحت صدر أرنب حيّ ثم أزلت الضلوع لأرى القلب وجذع الشريان الأورطي".
أمّا بالنسبة للبيئة، فإن التصوّر الديكارتي عن قصّة الإنسان "يسمح لنا بأن نعتقد بأننا منفصلون عن الأرض"، كما يقول آل غور في كتابه الصادر عام 1992 بعنوان "الأرض في الميزان". بل إن بعض المفكّرين الماركسيين يعزون اغتراب العامل في ظلّ الرأسمالية إلى تأثير ديكارت.
في كتابه الجديد والصغير بعنوان "الفيلسوف والكاهن والرسّام: بورتريه لديكارت"، يحاول الكاتب ستيفن نادلر أن يضع ديكارت في زمانه ومكانه الصحيحين ويوضّح الأسباب التي جعلت منه النجم والمفكّر الساطع في زمانه، أو بعبارته هو - أي المؤلّف - أعظم فيلسوف في قرن مليء بالفلاسفة.
عَرْض نادلر لحياة ديكارت يبدأ بلوحة. فأشهر صورة لهذا الفيلسوف تُعزى تاريخيّا للرسّام الهولندي العظيم فرانز هولس، مع انه لا يوجد دليل يُثبت أن الاثنين التقيا. كان هولس ملتزما بإنجاز لوحات لرعاته فقط. ولم يكن هؤلاء مفكّرين، بل رجال أعمال أثرياء في الغالب.
هل من رسم هذه الصورة هو هولس فعلا؟ وإذا كان هو من رسمها، فهل من يظهر فيها هو ديكارت حقّا؟ وإذا كان هو، فأين التقيا وكيف؟
المؤلّف يبحث عن إجابات لهذه الأسئلة وغيرها من خلال إعادة بناء حياة ديكارت في هولندا التي أقام فيها طويلا ونشر عددا من كتبه المهمّة. وبحسب نادلر، فإن ديكارت ينتمي للثقافة الفكرية للعصر الذهبيّ الهولنديّ بقدر ما ينتمي لتاريخ الفلسفة الغربية.
ولكي يتحقّق من قصّة البورتريه، يباشر بسرد ثلاث قصص: قصّة ديكارت، وقصّة الرسّام هولس، وقصّة الكاهن الكاثوليكي اوغستين بولمارت الذي كلّف الفنّان برسم اللوحة.
هولس في البورتريه رسم شيئا بسيطا وسريعا بضربات فرشاة واسعة وقصيرة، رسم رأس ومنكبي رجل في منتصف العمر بشعر طويل فاحم وشارب وذؤابة صغيرة تحت شفته. كما أضاف له ياقة بيضاء مطويّة فوق معطفه الأسود، على طريقة القرن السادس عشر.
ويقال إن فكرة البورتريه، الموجود اليوم في متحف بكوبنهاغن والذي تمّ استنساخه مرارا، جاءت بناءً على طلب الكاهن بولمارت الذي كان صديقا حميما لديكارت. وقد أراد الكاهن أن يحتفظ بتذكار للفيلسوف قبل أن يغادر "أي ديكارت" هولندا حيث كان يعيش، قاصدا استوكهولم كي يدرّس الفلسفة لكريستينا ملكة السويد. وكان ديكارت يقيم في هولندا ابتداءً من عام 1629، وقضى معظم حياته فيها بعيدا عن أعين الكنيسة.
ولد رينيه ديكارت عام 1596م. وفي سنّ العاشرة حضر دروسا في إحدى أفضل الكلّيات اليسوعية في فرنسا. ومنها حصل على أفضل تعليم في الفلسفة الارسطية. وبكلمات المؤلّف نادلر، أتاحت له تلك الدراسة "الاطلاع على نظريات بالية علميّا عن الكون، ولكنها مقبولة دينيّا". وهذه هي الأفكار التي سينقلب عليها ديكارت في ما بعد.
وبينما يتمّ تذكّره اليوم على انه الفيلسوف الذي قال "أنا أفكّر، إذن أنا موجود"، فإن أعمال ديكارت هي أوسع وأهمّ من ذلك بكثير.
كان عالم رياضيات لامعا، وكتب على نطاق واسع في علم الأحياء والبصريات وعلم الكونيات.
في العلم، كان مشروع ديكارت الكبير هو استبدال تجريدات أرسطو بصورة آليّة للكون لا يمكن أن تُفسّر إلا من منظور المادّة والحركة والتأثير. وفي الفلسفة، كان يبحث عن نقطة من اليقين المطلق أو الأساس المتين الذي يمكن أن يقيم عليه منظومة فكرية جديدة.
ثمّ يقدّم المؤلّف شرحا لفلسفة وعِلم ديكارت، ويعطي القاري لمحة عن طبيعة الحياة في العصر الذهبيّ الهولنديّ. كما يخصّص فصلا من الكتاب لتحفة ديكارت، أي كتاب "التأمّلات"، الذي يشبه كتاب "الحوارات" لأفلاطون وكتاب "ما وراء الخير والشرّ" لنيتشه.
تأمّلات ديكارت تتكشّف في وقت متأخّر من الليل، وتبدأ وهو يرسم لنفسه صورة بينما يجلس إلى جانب المدفأة ويرتدي ملابس شتوية. انه يضع مشهدا مألوفا يمكن لأيّ قارئ أن يتخيّل نفسه فيه أيضا. في التأمّل الأوّل يقرّر أن ينبذ كلّ معتقداته التي يمكن أن يخالطها أقلّ قدر من الشك. وهدفه هو أن يكتشف حقيقة لا يمكن دحضها ويمكن أن يبني عليها أساسا لفلسفته الجديدة.
ديكارت لم يكن مجرّد فيلسوف بالمعنى الحديث للكلمة، بل يمكن فهمه أفضل كعالِم. في هولندا نراه يتجوّل في الريف ويُجري تجارب على الدواجن ليرى كيف تتشكّل الفراخ الصغيرة، أو يشرف على عمل المزارعين المحليين وهم يذبحون الأبقار لكي يتمكّن من فحص نموّ صغارها.
الكنيسة لم تكن على وفاق مع ديكارت، بسبب حديثه عن الشكّ واليقين، ومن ثمّ اتهمته بأنه يريد تقويض الإيمان بالله. وبعد وفاته، وضعت السلطات الكنسية معظم كتاباته في خانة الكتابات الممنوعة. ومن الواضح أن رؤيته للأشياء لم تكن تتّفق مع تلك التي للاهوت.
بعد طول تفكير، قبِل ديكارت دعوة ملكة السويد بالذهاب إلى الشمال المتجمّد. كان يكره البرد دائما. ولطالما قضى ليالي الشتاء مع الكاهن بولمارت في الاستماع إلى الموسيقى المبهجة.
وفي السويد، كان من عادته أن يبقى في سريره الدافئ حتى ساعة متأخّرة من الصباح. وقد أصيب بالتهاب رئويّ وتوفّي بعد أشهر قليلة من وصوله إلى هناك.
صديقه بولمارت كان يستمتع بالنظر إلى البورتريه بعد أن فقد صاحبه. أما الملكة التي تعيش في قصر ثلجيّ، أي كريستينا، فقد اعتنقت أفكار معلّمها بعد موته. ومن جهتهم، قضى الفلاسفة ورجال الدين مئات السنين ودمّروا فدادين من الغابات ليكتبوا الكتب والمقالات الكثيرة التي تتحدّى فلسفة ديكارت وتهاجمه وتحاول دحض أقواله والتقليل من جهده.

Credits
slate.com
the-tls.co.uk

الثلاثاء، يوليو 07، 2015

عن الكتب والقراءة


صديقي، الذي يفاخر دائما "ومعه حقّ" بأنه قرأ كتبا أكثر بكثير ممّا قرأت، حدّثني منذ أيّام عن قائمة الكتب التي يقرؤها منذ بداية شهر رمضان. وقد اختار لقراءاته الرمضانية مجموعة من الكتب القديمة والمعروفة، وذكر في ما ذكر كتبا مثل الكامل في التاريخ لابن الأثير وكتاب الجمهورية لأفلاطون والقانون في الطبّ لابن سينا وكتاب التواريخ لهيرودوت، بالإضافة إلى كتاب العقد الاجتماعي لجان جاك روسو.
طبعا أعرف أن صديقي لا يبالغ، وهو بالتأكيد لا يدّعي شيئا ليس فيه، فأنا اعرف انه "دودة كُتُب" من النوع الذي لا يكلّ ولا يملّ من قرض والتهام كلّ ما تقع عليه يده. وهو يقرأ في جميع التخصّصات، ولهذا لا أبالغ إن وصفت ثقافته بأنها موسوعية على مستوى ما.
في اليوم التالي لحديثنا، جلست أفكّر في ما سمعته منه، ومرّت بذهني أسماء بعض الكتب القديمة والمشهورة التي ظللت احلم بقراءتها يوما ما، ولم يتسنّ لي تحقيق ذلك بسبب كثرة الأعمال والمشاغل. وكلّ تلك الكتب التي ذكرها لي صديقي هي من الكتب التي يبدو أنني اكتفيت بالسماع عنها دون أن يسعفني الحظّ والوقت لقراءتها.
ثم خطرت ببالي بعض الأسئلة عن جدوى قراءة مثل هذه النوعية من الكتب الآن، وبعضها قديم جدّا يعود إلى أكثر من ألفي عام، وكيف أن مضمون بعضها قد لا يكون ذا صلة بواقع العالم الذي نعيش فيه اليوم. وبطبيعة الحال فإن مشاكلنا الاجتماعية والسياسية والثقافية ملحّة جدّا بحيث أنها تتطلّب عمليّا كلّ الوقت والطاقة التي يمكن أن نكرّسها للقراءة المعاصرة والجادّة.
والسؤال ليس عن قيمة الكتب القديمة، إذ قد تكون لها قيمة عند المتخصّصين، ولكن عن جدوى قراءتها هذه الأيّام. مثلا، ما فائدة قراءة كتاب الجمهورية لأفلاطون أو كتاب العقد الاجتماعي أو كتاب هيرودوت في عالم تطوّرت فيه نظريات السياسة وتغيّرت جذريا طبيعة دراسة التاريخ والعلوم التي تتناول دراسة المجتمع والدولة وأنظمة الحكم؟
وما فائدة قراءة كتاب في الطبّ أو في الفلك ألّفه أناس عاشوا قبل أكثر من ألف عام وأصبحت مقولاتهم وآراؤهم متقادمة بعد أن عفا عليها الزمن ونسختها الطفرات المتسارعة من المعارف والنظريات والابتكارات المستجدّة التي نراها من حولنا كل يوم؟
وأيضا ما جدوى قراءة كتب ابن بطّوطة أو ماركو بولو عن عجائب وأساطير العالم القديم؟ أيّ فائدة معرفية يمكن أن تعود علينا الآن من قراءة مثل هذه النوعية من الكتب التي لا شكّ كانت عظيمة في وقتها، لكنها الآن تُعتبر بسيطة وساذجة بنظر البعض؟ وأليس من الأفضل قراءة كتب لها علاقة بالحاضر وبهموم وقضايا اليوم؟
من بين أهمّ من ناقشوا مثل هذه الأسئلة الكاتب الأمريكي مورتيمر ادلر الذي كان فيلسوفا ومنظّرا في التربية وفي طرق التعليم. تخيّل ادلر ذات مرّة جامعة تتألّف هيئة تدريسها من مشاهير الكتّاب والفلاسفة والمفكّرين. فمثلا هيرودوت وثوسيداديس يدرّسان في هذه الجامعة تاريخ اليونان. وغِيبون يحاضر في سقوط روما. وأفلاطون يعطي دورة في الميتافيزيقيا أو الغيبيات. وفرانسيس بيكون وجون ستيوارت ميل يناقشان منطق العلم. وأرسطو وسبينوزا وإيمانويل كانت يتناولون المسائل الأخلاقية. ومكيافيللي وتوماس هوبز وجون لوك يتحدّثون في السياسة.
وفي هذه الجامعة، يمكنك اخذ سلسلة من الدورات في الرياضيات والفلسفة من اقليدس وديكارت، وسيضاف إليهما كلّ من برتراند راسل ووايتهيد في نهاية المطاف. كما بإمكانك الاستماع إلى توما الاكويني ووليم جيمس وهما يتحدّثان عن طبيعة الإنسان والعقل البشري، وربّما يقوم بالتعليق على محاضراتهما جاك ماريتان.
وإن كنت متخصّصا في الاقتصاد فستستمع إلى محاضرات من كلّ من آدم سميث وريكاردو وكارل ماركس وماكلوهان مارشال. بينما يناقش جون ديوي المشاكل الاقتصادية والسياسية للديمقراطية الأمريكية ويحاضر لينين عن الشيوعية.
وإذا كان تخصّصك في الفنون، فستكون على موعد مع محاضرات في النحت والرسم يلقيها ميكيل انجيلو وليوناردو دا فينشي، ومحاضرات أخرى عن ليوناردو نفسه، حياته وفنّه، يلقيها فرويد!
ثم يتساءل ادلر: تُرى من منّا لا يرغب في الذهاب إلى هذه الجامعة التي تضمّ كلّ هذه الأسماء المفكّرة واللامعة؟


الشرط الوحيد للقبول في هذه الجامعة العظيمة أن تدفع رسما بسيطا. وهذا الرسم لا علاقة له بالمال من قريب أو بعيد، بل يتمثّل في شرط واحد فقط: أن تتوفّر لديك المقدرة والرغبة في القراءة والمناقشة.
والجامعة متاحة للجميع، أي لكلّ من يرغب في أن يتعلّم ويناقش، وهي متوفّرة لكلّ شخص راغب وقادر على أن يتعلّم على يد معلّمين من ارفع مستوى.
ثم ينتقل ادلر لمحاولة الإجابة على السؤال الذي طرحته آنفا وهو: هل ثمّة جدوى من قراءة "الكتب العظيمة" التي تتعامل مع مشاكل وهموم العصور الغابرة؟ وهل هناك أيّة قيمة، عدا الأهمية التاريخية، في قراءة الكتب التي كُتبت في ثقافات قديمة وبسيطة؟
ويجيب بقوله: الناس الذين يشكّكون، أو حتى يحتقرون دراسة الماضي وأعماله، عادة ما يفترضون أن الماضي مختلف تماما عن الحاضر، وأننا بالتالي لا يمكن أن نتعلّم شيئا مفيدا من الماضي. ولكن هذا غير صحيح، فبإمكاننا أن نتعلّم الكثير من تشابه واختلاف القيم الآن وفي الماضي.
لقد حدث تغيير هائل في ظروف حياة الإنسان وفي معرفتنا بالسيطرة على عالم الطبيعة منذ العصور القديمة. القدماء لم يكن لديهم العون ولا البصيرة التي تتوفّر في بيئتنا التقنية والاجتماعية الحالية، وبالتالي هم لا يملكون مشورة يقدّمونها لنا لتعيننا على حلّ المشاكل التي نواجهها اليوم.
ولكن على الرغم من أن الظروف الاجتماعية والاقتصادية تختلف باختلاف الزمان والمكان، إلا أن الإنسان يظلّ هو الإنسان. ونحن والقدماء نشترك في نفس الطبيعة البشرية، وبالتالي في بعض التجارب والمشاكل الإنسانية المشتركة.
الإنسان القديم، تماما مثلنا اليوم، كان يرى شروق الشمس وغروبها ويشعر بهبوب الرياح وهطول المطر، وكانت تتملّكه مشاعر الحبّ والرغبة. كما جرّب النشوة والغبطة، فضلا عن الإحباط وخيبة الأمل وعرف الخير والشرّ.
القدماء يتحدّثون إلينا من وراء القرون، وأحيانا بشكل أكثر مباشرة ووضوحا من بعض كتّابنا المعاصرين. والأنبياء والفلاسفة القدامى، من خلال تعاملهم مع المشاكل الأساسية للبشر الذين عاشوا في تلك المجتمعات، ما يزال لديهم شيء يقولونه ويقدّمونه لنا.
ويضيف ادلر قائلا: صحيح أنه لم يحدث في أيّ عصر سابق أن تعرّضت الحياة على الأرض لخطر الإبادة بحرب نووية. غير أن العصور الماضية أيضا عرفت الحروب والإبادة واستعباد شعوب بأكملها. مفكّرو الماضي كانوا يتأمّلون مشاكل الحرب والسلام وقدّموا اقتراحات تستحقّ الاستماع إليها. شيشرون ولوك، مثلا، أثبتا أن الطريقة المثلى في تسوية النزاعات بين البشر هي من خلال المفاوضات والقانون، في حين اقترح دانتي إنشاء حكومة عالمية تسعى لتكريس السلام والوئام بين أمم الأرض.
وصحيح أيضا أن الناس الذين عاشوا في العصور السابقة لم يواجهوا أشكالا معيّنة من الديكتاتورية التي عرفناها في هذا القرن. ولكنهم مرّوا بتجارب مباشرة مع الاستبداد المطلق وقمع الحرّيات السياسية. وأطروحة أرسطو في السياسة تتضمّن تحليلا معمّقا عن الديكتاتوريات، وكذلك توصية بالتدابير التي يجب اتخاذها لتجنّب الأشكال المتطرّفة من الاستبداد والفوضى.
ونحن اليوم أيضا – يضيف ادلر - يمكننا أن نتعلّم من الماضي وذلك من خلال التمعّن في العناصر التي يختلف بها عن الزمن الحاضر. ويمكننا أن نكتشف ما نحن فيه اليوم من خلال ما أصبحنا نعرفه عن أنماط تفكير وتصرّف الشعوب والأمم التي سبقتنا. وجزء من الماضي، أي ماضينا نحن وأيضا ماضي الجنس البشري بأكمله، يعيش في داخلنا دائما.
ويخلص الكاتب إلى القول إن التفضيل الحصري، إمّا للماضي أو الحاضر، هو شكل من أشكال الغباء والتكبّر والإسراف، وأننا يجب أن نسعى لكلّ ما هو صالح ومفيد في أعمال المعاصرين والسالفين. وعندما نفعل ذلك، سنجد أن الشعراء والفلاسفة القدماء هم بقدر ما معاصرون في عالم العقل لأكثر كتّاب العصر الحاضر فطنة وقوّة ملاحظة.
بل ويمكن القول إن العديد من الكتابات القديمة تتحدّث بصورة أكثر مباشرة إلى تجربتنا وأحوالنا وظروفنا اليوم بأفضل ممّا تفعله بعض أكثر الكتب حداثة ورواجا هذه الأيّام.

الأربعاء، أكتوبر 14، 2009

فنّ البورتريه: صورة المبدع


الهدف المشترك للكاتب والرسّام والموسيقي هو التقاط المَشاهد أو الحالات الانفعالية والمزاجية وتصويرها ومحاولة إبراز الرؤى المنفردة على الورق أو رقعة الرسم أو من خلال النغم.
الكتّاب يكتبون غالبا عن الفنّانين والموسيقيين في الروايات والمقالات والسير الذاتية. بينما الرسّامون يصوّرون الكتّاب والموسيقيين الذين عرفوهم وأولئك الذين يجدون في حياتهم ما يدفعهم الفضول لرسمه.
وكثيرا ما يرسم الرسّامون بوتريهات للكتّاب أو الموسيقيين لكي تراهم الأجيال القادمة. لكن أفضل اللوحات هي التي تأتي من تصوّر واضح أو علاقة خاصّة بالموضوع.
ومثلما أن للموسيقى والرسم علاقة مشتركة باللون والنغم والشكل والإيقاع، فإن تصوير الملحّنين والموسيقيين يتطلب مهارة محدّدة لإيصال الموسيقى داخل روح الموضوع.

غوته أديب وعالم وفيلسوف ألماني من زعماء حركة العاصفة والاندفاع الأدبية. تطوّر فنّه وزادت خبرته بعد زيارته لايطاليا وتأثّره بالثورة الفرنسية.
في العام 1786 سافر غوته إلى ايطاليا. ومن هناك كتب إلى أصدقائه في ألمانيا يخبرهم بانطباعاته ومشاهداته عمّا أصبح يُعرف في ما بعد بالرحلة الايطالية.
كان غوته مدفوعا بدراسة السمات الطبيعية لبيئة البحر المتوسّط وجيولوجيا مناطق جنوب أوربّا. وكان مهتمّا على وجه الخصوص ببقايا الآثار الكلاسيكية وبالفنّ المعاصر. وأثناء زيارته الايطالية زار المعابد القديمة واطلع على بعض جداريات الرسّام المشهور غيوتو، كما أبدى إعجابه بأسلوب حياة الايطاليين. وعندما وصل غوته إلى روما قادما من فينيسيا قابل عددا من الرسّامين الألمان الذين كانوا يقيمون في ايطاليا آنذاك. وكان من بين هؤلاء يوهان هاينريش تيشبين الذي اصطحب غوته إلى نابولي ورسم له احد أشهر بورتريهاته. واليوم لا يتذكّر احد هذا الرسّام إلا بسبب هذا البورتريه بالذات. وفيه يجلس غوته في منطقة أثرية في وسط ايطاليا محاطا بقلاع وأعمدة وبقايا من مبان قديمة. وعلى مقربة منه يقوم جدار اثري نُحتت عليه صور لرجال ونساء.
كتب غوته في الفلسفة والشعر كما تناول المفاهيم الكلاسيكية للجمال وملامح العمارة الجيّدة. والعديد من قصائده وجدت في ما بعد طريقها إلى موسيقى كبار المؤلفين الموسيقيين مثل فرانز شوبيرت وغيره. ومن مؤلفاته "مأساة فاوست" و"نظرية الألوان".


كان جيوسيبي فيردي احد أشهر من ألّفوا الموسيقى الاوبرالية. وقد كان فيردي صديقا لمواطنه الرسّام الايطالي جيوفاني بولديني. وتوطدت علاقتهما أكثر أثناء إقامة الاثنين في باريس. في ذلك الوقت، رسم بولديني لـ فيردي بورتريها كتذكار صداقة وإعجاب. وقد ذيّله بعبارة قال فيها: إلى المايسترو من صديقه المعجب بولديني". غير أن البورتريه لم يرق كثيرا لـ فيردي، الأمر الذي اضطرّ الفنان لرسم بورتريه آخر للموسيقي في العام 1886م.
هذا البورتريه هو الذي أصبح مشهورا في ما بعد. وفيه يظهر فيردي مرتديا سترة سوداء ووشاحا ابيض وواضعا على رأسه قبّعة سوداء اسطوانية الشكل. وقد ذهب فيردي إلى محترف بولديني على مضض وجلس أمام الفنان ساعتين لكي يرسمه.
فيردي كان سعيدا بالنتيجة هذه المرّة. وقد احتفظ بولديني بالبورتريه لسنوات وكان يطوف به على المعارض الفنية لكي يراه الناس. وقد رفض أن يبيعه حتى عندما عرض عليه أمير ويلز مبلغا مغريا نظير اقتنائه. في ما بعد أهدى بولديني البورتريه إلى متحف الفنّ الحديث في روما حيث ظلّ فيه إلى اليوم.
من أشهر أعمال فيردي التي يتذكّرها الناس أوبرا عايدة. لكنه اشتهر أكثر بلحن لا دونا موبيليه La Donna Mobile الذي وضعه لأوبرا ريغوليتو والذي أصبح رمزا لايطاليا وللثقافة الايطالية.


"سرّ الإنسان ليس في أن يحيا فقط، بل أن يكون هناك ما يحيا لأجله".
عُرف فيودور دستويفسكي برواياته السيكولوجية التي تناول فيها ما يطرأ على نفس الإنسان من حالات وانفعالات متناقضة وطرح فيها الكثير من الأسئلة الأخلاقية والفلسفية.
كما عالج في أعماله مسائل الخير والشرّ والإلحاد والحرّية والسعادة والشقاء والحبّ والكراهية.
وقد سبق برواياته أفكار الكثيرين ممّن جاءوا بعده مثل نيتشه وفرويد.
كان دستويفسكي يعوّل على التحوّلات الروحية للفرد كوسيلة لإحداث التغيير بأكثر مما يمكن أن تجلبه الثورات الاجتماعية. كان معاصرا لـ تولستوي ومعارضا لـ تورغينيف وكتاباته ذات الطابع التغريبي.
رسم فاسيلي بيروف هذا البورتريه لـ دستويفسكي بعد أن فرغ الأخير من كتابة روايته المشهورة "الجريمة والعقاب". وقد رسمه بتكليف من بافيل تريتيكوف الذي كان حريصا على أن يتضمّن متحفه صورا لأهم الشخصيّات الروسية.
في البورتريه يبدو دستويفسكي في حالة تأمّل عميق تعزّزه نظراته المفكّرة ولباسه ذو الألوان الداكنة وكذلك الخلفية السوداء. المعروف أن دستويفسكي كان يعاني طوال حياته من نوبات الصرع كما كان واقعا تحت هاجس ما أشيع من انه تسبّب في مقتل والده. من جهتهم، كان الروس يعتبرونه نبيّا ومصلحا فيما كان البعض الآخر يرون فيه ضمير الطبقات الفقيرة والمسحوقة.
من أشهر رواياته "الأبله" و"بيت الموتى" و"الإخوة كارامازوف".


من العبارات المشهورة المنسوبة إلى مارسيل بروست: السعادة مفيدة للجسد، لكن الحزن هو الذي يقوّي العقل".
بروست كان احد أعظم الروائيين الفرنسيين الذين ظهروا في أواخر القرن التاسع عشر. وقد رسم له جاك بلانش هذا البورتريه القوي والمعبّر عندما كان الروائي في الحادية والعشرين من عمره.
بلانش كان احد رسّامي البورتريه الفرنسيين المعروفين في نهاية القرن التاسع عشر.
لكنه لم يكن رسّاما فحسب، بل كان بنفس الوقت كاتبا وناقدا أدبيا وموسيقيا. غير أن موهبته في الرسم طغت على ما سواها. وقد رسم بروست بعد أن قرأ كتبه وغاص في حياته الخاصّة وقرأ مذكّراته وأفكاره.
بروست، الشابّ الوسيم، يظهر هنا بوجهه البيضاوي وعينيه الواسعتين وملابسه الأنيقة.
وقد ظلّ هذا البورتريه الأكثر دقّة في تمثيل وجه وملامح صاحب الرواية المشهورة "البحث عن الزمن الضائع" التي كتبها على امتداد خمس عشرة سنة وأصبحت في ما بعد إحدى أضخم الروايات التي ظهرت في القرن العشرين.
بروست احتفظ بالبورتريه حتى وفاته في أوائل عشرينات القرن الماضي.


"كلّ شيء يمضي. كلّ شيء عابر".
يعتبر الكسندر بوشكين أشهر شاعر روسي. ويُعزى إليه الفضل في تطوير الشعر الروسي واللغة الروسية. وممّا يميّز شعره مفرداته الثريّة وأسلوبه المعبّر وصوره المبتكرة. وكان يمزج في شعره الدراما بالرومانسية والسخرية.
هذا البورتريه يعتبر أشهر صورة لـ بوشكين وقد ظهر مرارا على غلاف مجموعته الشعرية الكاملة.
رسم اوريست كيبرينسكي البورتريه عام 1827م. وهو يعتبر احد اكبر رسّامي البورتريهات الروس في بداية القرن التاسع عشر.
كانت رسومات كيبرينسكي تعبّر عن فكرة فردانية الإنسان التي روّجت لها المدرسة الرومانسية.
عندما رأى بوشكين البورتريه لأوّل مرّة قال مازحا: اشكّ الآن في أن المرآة كانت تجاملني".
وفيه يبدو الشاعر مرتديا سترة سوداء وفوقها وشاح منسدل تعلوه مربّعات حمراء وخضراء.
في البورتريه يستوقف الناظر شكل اللحية وشعر الرأس الكثيف نوعا ما وملامح الوجه ونظرات العينين التي لا تخلو من تفكير وحزن.
وفي خلفية اللوحة إلى اليمين هناك طاولة عليها منحوتة على شكل امرأة تعزف آلة وترية.
في اللوحة أيضا مسحة بطولية تنسجم مع نظرة الوطنيين الروس لشاعرهم الأعظم الذي كانوا يلقبونه بـ شمس الشعر الروسي.
في العام 1837 جرت مبارزة بالأسلحة النارية بين بوشكين وأحد خصومه أدّت إلى إصابته بجرح نافذ في صدره توفي بعده بيومين. هذا الموت الملحمي أضاف بعدا أسطوريا لشخصية بوشكين الذي أصبح في ما بعد معبّرا عن الضمير الوطني لروسيا.
من أشهر قصائده "روسلان ولودميلا" و"سجين القوقاز" و"بوريس غودونوف".


ولد المؤلف الموسيقي الفرنسي اريك ساتي في عام 1866م. كانت مؤلفاته الموسيقية متفرّدة بإيقاعاتها وأسمائها الغريبة مثل "ثلاث قطع على شكل كمّثرى" و"السمكة الحالمة".
لكن أشهر مؤلفاته هي تلك المقطوعات المعروفة بـ جيمنوبيدي وهي عبارة عن مجموعة من المعزوفات ذات الإيقاع الحزين والبطيء والتي تستمدّ صورها من الشعر.
كان ساتي على علاقة عاطفية مع الرسّامة وعارضة الأزياء سوزان فالادون التي التقاها عام 1893 في حيّ مونمارتر الباريسي.
كان المؤلف الموسيقي مفتونا كثيرا بروح سوزان الحرّة وأفكارها المتمرّدة.
لكن لسوء الحظ، كانت تلك العلاقة تعني لـ ساتي أكثر مما كانت تعني لـ فالادون.
كان يعتبر أن سوزان حبّه الحقيقي حتى بعد أن دخلت في علاقات عاطفية مع رجال آخرين.
ومع ذلك، رسمت فالادون بورتريها مثيرا لـ اريك ساتي ظلّ هو يعتزّ به كثيرا واحتفظ به في محترفه الخاصّ إلى أن توفي.
الفنان بول سينياك رسم ساتي هو أيضا.
لكن بورتريه فالادون ذو لمسة شخصية خاصّة تعكس روح العلاقة الحميمة التي كانت تربطها بالموسيقي.


"لا تخافوا الله، بل أحبّوه"!
ولد جلال الدين الرومي في إحدى قرى شمال شرق فارس قبل أكثر من 800 عام.
وعندما كان عمره 12 سنة قابل المتصوّف والشاعر الفارسي المشهور "العطّار" الذي قال لوالده: إن الكلمات الحارّة والمحمومة التي تخرج من فم ابنك ستشعل أرواح وقلوب العشّاق في هذا العالم".
كان الرومي فقيها ومعلّما وشاعرا وعارفا. وقد درج الكثيرون في فارس وأفغانستان والهند ووسط آسيا على مناداته بـ مولانا.
كان لقاؤه بـ شمس التبريزي يمثل ولادته الثانية.
"ليست كل عين ترى وليس كلّ بحر يحتوي لآليء". شعر الرومي غيبي يفتن بجماله وبكشوفاته الروحية العميقة.
هذا البورتريه رسمه له فنان ظلّ اسمه مجهولا. وهو موجود، ضمن أشياء أخرى، في ضريحه في مدينة قونيه التركية التي عاش فيها معظم حياته.
في البورتريه يبدو الرومي شيخا بلحية وعمامة بيضاء وقبّعة طويلة صفراء. انه ينظر إلى الأرض في تأمّل عميق وعلى وجهه علامات الوقار والسكينة.
وبإمكان الإنسان أن يتخيّل أن البورتريه رُسم للرومي بينما كان يتلو إحدى قصائده.
يقال انه كان يميل برأسه يمينا وشمالا عندما كان يقرأ أشعاره. ومن هنا ولدت فكرة الطريقة المولوية التي اشتهرت برقصها الدائري الذي يقال بأنه يوفّر للراقص الصوفي منفذا للعبور من عالم الأرض إلى عالم السماء.
شعر الرومي واحة للروح إذ يمنح العزاء والراحة لأصحاب العقول القلقة والقلوب المتعبة.
والدخول إلى عالمه يقتضي من الشخص أن يتخلّى عن الكثير من أفكاره وقناعاته المسبقة.
في عالم الخفاء، يقول الرومي في إحدى قصائده، ثمّة خشب عود يحترق. وهذا الحبّ هو دخان ذلك العطر".
وهذا البورتريه يقدّم صورة لإنسان كان دائم التجوال بحثا عن الله.


كان اللورد بايرون ابرز الشعراء الانجليز الرومانسيين. كما كان أوّل شخصية مشهورة يركب موجة تقديس الجماهير التي حوّلته إلى إلهة شعرية.
كانت رسائل بايرون إلى زوجته وخليلاته وأصدقائه مثار اهتمام النقاد والمؤرّخين. وعلى عكس الاعتقاد الشائع، لم يكن بايرون ذلك الشخص المنعزل والذي لم يكن يأبه كثيرا بآراء الناس. إذ كان يحتفظ بالكثير من الرسائل التي كانت ترده من المعجبين، وخاصّة من النساء، برغم جرأتها ولغتها الفاضحة أحيانا. وكانت تلك الرسائل تظهر كم كان بايرون يستمتع بهالة التقديس التي كان الناس يحيطونه بها.
وبسبب صورة الشاعر كبطل رومانسي، كانت النساء مفتونات بمشاهدة صوره. ومن أشهرها هذا البورتريه الذي رسمه له توماس فيليبس عام 1835م والذي يظهر فيه بايرون مرتديا ملابس تقليدية البانية مطرّزة، تتكوّن من عمامة وعباءة وسترة بينما يمسك بخنجر مذهّب طويل.
ويُرجّح أن البورتريه رُسم له في أثينا حيث كان بايرون يحارب في صفوف الجيش اليوناني ضد الأتراك.
بايرون، برأي بعض المؤرّخين، كان أهمّ شخصية أوربية في النصف الأول من القرن التاسع عشر من حيث تأثيره على الفنون والأدب والموسيقى. وربّما لا يتفوّق عليه من هذه الناحية سوى نابليون.
وقد توفي بالحمّى عام 1824 أثناء مشاركته في حرب استقلال اليونان ولم يكن وقتها قد أكمل عامه السادس والثلاثين. وكان لموته المفاجئ تأثير الصدمة في أنحاء كثيرة من أوربا، كما تحوّل إلى رمز للشاعر الثائر والمقاتل في سبيل الحرّية.
من أشهر مؤلفاته "رحلة تشايلد هارولد" و"دون جوان".


ولد فريدريك شوبان في وارسو عام 1810م. كان نصف فرنسي ونصف بولندي. وقد اظهر موهبة ملحوظة في العزف على البيانو وهو صبيّ. وفي النهاية انتقل إلى باريس بعد الاضطرابات السياسية التي شهدتها بولندا آنذاك.
وبالإضافة إلى مقدرته الموسيقية العظيمة ومؤلفاته الرائعة على البيانو، كان لـ شوبان نصيبه من الرومانسية. كما كانت له متاعبه مع مرض السلّ الذي حصد حياة شقيقته وأبيه والذي سيقتل شوبان في ما بعد، أي في العام 1849م.
الرسّام اوجين ديلاكروا كان صديقا لـ شوبان ورسم له بورتريها عام 1838م. أسلوب ديلاكروا الرومانسي كان متناسبا تماما مع وجنتي شوبان الغائرتين ومظهره الأثيري. البورتريه أصبح تصويرا مشهورا للملحّن في قمّة نجاحه وشهرته. في البداية، رسم ديلاكروا بورتريها ثنائيا يجمع بين شوبان والروائية الفرنسية جورج صاند. كانت صاند امرأة متحرّرة ومغرمة بلبس بناطيل الرجال. كما كانت تدخّن علنا، وهي عادة كانت مستهجنة في ذلك الوقت.
ورغم أن علاقة الحبّ بين صاند وشوبان بدأت علاقة جسدية، فإن صاند ومع تدهور صحّة شوبان وجدت نفسها تقوم بدور الممرّضة أكثر من العشيقة.
البورتريه المشترك لـ صاند وشوبان يصوّرهما وهما جالسان جنبا إلى جنب. لكن اللوحة في النهاية قُسمت إلى نصفين. والقسم الذي يصوّر شوبان موجود اليوم في متحف اللوفر.
كان شوبان يعزو الفضل في صوغ أسلوبه الموسيقي إلى كلّ من موزارت وباخ. ومن أشهر مؤلفاته الموسيقية سلسلة البولونيز بالإضافة إلى معزوفتيه المسمّيتين فانتازي ونوكتيرن .


ليو تولستوي، مؤلف الروايات الملحمية الكبيرة مثل "الحرب والسلام" و"آنا كارينينا" و"موت ايفان ايليش"، كان موضوعا لعدد من الرسومات.
إيليا ريبين الرسّام الروسي المولود في اوكرانيا رسم للروائي الكبير عدّة بورتريهات.
كان ريبين رسّاما موهوبا ودقيق الملاحظة.
وبورتريهاته المشهورة تصوّر الشخصيات الروسية الكبيرة في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين.
وقد رسم ريبين بورتريها رسميا لـ تولستوي.
غير انه أيضا رسم صورا أكثر حميمية للكاتب المشهور وهو يكتب فوق مكتبه، أو يستلقي على العشب وهو يقرأ، أو وهو يقف في الغابة.
لوحة ريبين التي رسمها في العام 1890 لـ تولستوي وهو حافي القدمين تلفت النظر بشكل خاص لأنها تمزج مكانة تولستوي الأدبية بارتباطه الفطري بالإنسانية وبالأرض.


الكاتبة الفرنسية كوليت اشتهرت بحياتها المتلوّنة وبمغامراتها العاطفية التي كانت تجري بموازاة أعمالها التي اتسمت بواقعيتها وحسّيتها. كانت كتاباتها تؤشّر على براعتها في تحليل مشاعر المرأة كما أبدعت في وصف الريف الذي نشأت فيه وأحبّته. ومن أشهر رواياتها "قمح وعشب" و"كلودين".
كوليت كانت أوّل امرأة أديبة تنال جائزة غونكور في زمانها. وقد رسمها الفنان جاك اومبيرت عام 1896 م. في البورتريه تبدو الأديبة في ذروة شبابها وحيويّتها. وقد رسمها الفنان وهي في سنّ الثالثة والعشرين. وتظهر في الصورة وهي تجلس بوضع جانبي بينما تزيّن شعرها بوردة حمراء. في تلك السنّ كانت كوليت متزوّجة من زوجها الأوّل هنري فيلار. كان اكبر منها سنّا وكان يحتفظ بعلاقات أدبية كثيرة. ويقال انه حبس كوليت في غرفة وأرغمها على تذييل رواياتها باسمه.
في ما بعد تمكّنت من تطليقه واستعادت حرّيتها وأصبحت اسما أدبيا معروفا وشخصية اجتماعية لامعة.


كان نيكولاي ريمسكي كورساكوف أحد أشهر الشخصيات الروسية التي رسمها الفنان ايليا ريبين قبل ثورة 1917م.
كورساكوف كان ينتمي إلى مجموعة من المؤلفين الموسيقيين الذين أثروا في المواهب الموسيقية التي ظهرت في ما بعد مثل ايغور سترافنسكي وسيرغي بروكوفييف.
أسلوب كورساكوف اللحني كان يمزج بين الفولكلور الروسي والتأثيرات الموسيقية الغربية. ومن أشهر أعماله وأكثرها رواجا موسيقى شهرزاد .
الفنان فالانتين سيروف رسم بورتريها لـ كورساكوف يظهر فيه بنظارات طبية ولحية طويلة وهو جالس إلى مكتبه بينما ينهمك في كتابة نوتة موسيقية لعمل جديد.
وعلى النقيض من هذا البورتريه الجادّ، يقدّم ايليا ريبين كورساكوف في بيئة أكثر استرخاءً.
في الصورة الأخيرة يجلس المؤلف الموسيقي على أريكة ويسند مرفقه على وسادة خضراء. ويبدو غارقا في التأمّل كأنّما يفكّر في تفاصيل معزوفة أو لحن موسيقي جديد بينما يحدّق في البعيد.


"أنا أفكر إذن أنا موجود". لا تُذكر هذه الجملة إلا ويُستدعى اسم ديكارت. اشتهر ديكارت بآرائه عن المعرفة واليقين والشكّ والعلاقة بين الجسد والعقل. وهناك إجماع على أنه مؤسّس الفلسفة الحديثة التي قادت إلى التنوير. كان عقلانيا يؤمن بأن العقل، لا التجريب، هو المصدر الأساسي للمعرفة. ومن أقواله أن الأحاسيس غامضة دائما وانه لا يمكن الوثوق بها.
في هولندا ألّف ديكارت كتابه "العالم". في تلك الأثناء كانت الكنيسة تحاكم غاليليو لتعليمه أفكار كوبرنيكوس.
رسم فرانز هولس هذا البورتريه لـ ديكارت، على الأرجح أثناء زيارة الأخير لهولندا عام 1618. وفيه يظهر الفيلسوف بشعره الطويل وقد ارتدى ملابس سوداء وياقة كبيرة بيضاء على خلفية داكنة. شارباه خفيفان وعيناه الكبيرتان تشعّان بالذكاء.
"عواطف الروح" كان آخر كتاب ألفه ديكارت وتناول فيه مسألة العلاقة بين الروح والجسد. وكان يردّ في الكتاب على تساؤلات اليزابيث أميرة بوهيميا التي كانت تحاوره في مسائل فلسفية وفكرية. والكتاب هو مزيج من علم النفس والأخلاق.
ذهب ديكارت بعد ذلك إلى السويد بناءً على دعوة من الملكة كريستينا. كان مطلوبا منه أن يصحو في الصباح الباكر لإعطاء الملكة دروسا في الفلسفة. وبسبب أجواء السويد الباردة أصيب بالالتهاب الرئوي ولم يلبث أن توفي هناك في الحادي عشر من فبراير عام 1650م.


كانت كلارا شومان طفلة عبقرية سحرت أوربّا بموهبتها الموسيقية في بداية القرن التاسع عشر. وقد امتدحها غوته وشوبان بينما أسَرَت عقل الملحّن وعازف البيانو روبرت شومان الذي تزوّجها عام 1840م.ورغم وجود الكثير من القواسم المشتركة بينهما، خاصّة شغفهما بالموسيقى، فإن روبرت كان يعاني من بعض المشاكل النفسية. فقد كانت تأتيه نوبات اكتئاب وحاول الانتحار مرارا إلى أن أودع في النهاية بإحدى دور الرعاية الطبية.
عدم استقرار حالته دفع كلارا إلى تحمّل مسئولية رعاية أطفالهما السبعة. لكنها استمرّت في تأليف الموسيقى والعزف على البيانو.
الرسّام يوهان شرام رسم كلارا شومان وهي شابّة في السنة التي تزوّجت فيها شومان.
وجهها وقور وهادئ وملامحها واثقة. البورتريه ينطوي على مفارقة من حيث أن الزواج غيّر طريقها الإبداعي وجعلها تقدّم احتياجات زوجها على احتياجاتها هي.
المعروف أن كلارا كانت تربطها علاقة عاطفية مع الموسيقي الألماني برامز. وبعد زواجها من شومان تحوّلت تلك العلاقة إلى حبّ أفلاطوني وأصبحت تقتصر على تبادل الرسائل.


جان كوكتو شاعر وروائي وفنان وكاتب مسرحي فرنسي.
كان صديقا للأديبة كوليت بالإضافة إلى شهرته كشخصية بوهيمية.
كوكتو النحيل وذو الملامح الهادئة واليدين الجميلتين والأصابع الطويلة كان موضوعا جذّابا للرسّامين في زمانه.
الرسّام اميديو موديلياني كان صديقا لـ كوكتو وقد رسم له في العام 1916 بورتريها أصبح مشهورا في ما بعد لأنه قدّم من خلاله رؤية فريدة لـ كوكتو، الكاتب المتعدّد المواهب والاهتمامات.
كان كوكتو على الدوام مثقفا ثوريا ومشاكسا.
وقد عُرف بعلاقته الحميمة بالمغنية الفرنسية المشهورة اديث بياف كما كان معاصرا لكلّ من مارسيل بروست واندريه جيد.
كان كوكتو متعلقا كثيرا بصديقته بياف.
وعندما توفيت نزل عليه الخبر نزول الصاعقة وغلبه الحزن والفجيعة وقال لمن حوله: هذا هو يومي الأخير على هذه الأرض".
والغريب انه توفي بعد ساعات فقط من موتها، أي في الحادي عشر من أكتوبر عام 1963م عن 74 عاما.
وكان قد أمر بأن يُكتب على شاهد قبره عبارة: سأظلّ بينكم".
ومن أشهر كتب كوكتو "دم الشاعر" و"رقصة سوفوكليس" و"صوت الإنسان".


ظهر هذا الرسم لـ شكسبير لأول مرّة على غلاف كتاب يتضمّن مجموعة من أعماله ونشر في العام 1623م. وهذه الصورة له هي الأقرب إلى الصحّة والأصالة.
الطريقة التي رُسم بها البورتريه دفعت بعض المؤرّخين للاعتقاد أن شكسبير كان ينتمي إلى جماعة فلسفية غامضة تمزج التعاليم المسيحية بالسحر والأفكار الافلاطونية. وتحليل بعض أعماله يوحي بأنه لم يكن جزءا من تلك الجماعة فحسب بل شخصية محورية فيها.
وقد رسم البورتريه مارتن دروشاوت، على الأرجح بعد وفاة شكسبير عام 1616 . وهناك العديد من الصور التي يعتقد أنها لـ شكسبير، لكن لا توجد أدلّة كافية تؤكّد نسبتها إليه.
وقد عُثر مؤخّرا على بورتريه قيل انه لـ شكسبير ويظهر فيه رجل يبدو ذا مكانة اجتماعية رفيعة ويرتدي ملابس ايطالية أنيقة وباهظة الثمن تعود للقرن السابع عشر.
وفي مارس من هذه السنة توصّل بعض الباحثين إلى أن اللوحة تخصّ شكسبير فعلا، ويُرجّح أنها رُسمت له أثناء حياته.


يعتبر أبو عليّ ابن سينا احد أشهر أطبّاء وفلاسفة الإسلام. عُرف بالشيخ الرئيس وقد ولد قرب بخارى في ما يُعرف اليوم بأوزبكستان وتوفي في همذان بإيران. تعمّق ابن سينا في دراسة فلسفة أرسطو وقال بفيض العالم عن الله. له ميول صوفية عميقة برزت في كتابه "الحكمة المشرقية"، وهو عبارة عن فلسفته الشخصية. من مؤلّفاته المطبوعة "القانون في الطبّ" و"كتاب الشفاء". وله قصيدة مشهورة يقول فيها: هبطتْ إليك من المحلّ الأرفع ورقاء ذات تعزّز وتمنّع". كتب ابن سينا سيرة ذاتية لنفسه غير انه فضّل أن يتجنّب الحديث فيها عن نفسه ليركّز على أفكاره عن الوصول إلى الحقيقة المطلقة.
هذا البورتريه رسمه لابن سينا فنان يُدعى علي قاري. وباستثناء اسمه، لا يُعرف عنه أو عن حياته شيء. في البورتريه يبدو ابن سينا بملابس فارسية تقليدية تعود للقرن الحادي عشر الميلادي. ملامحه جادّة على شيء من التفكير والتأمّل الذي يعمّقه الوضع الجانبي الذي رُسمت به الشخصية. ملامح الوجه تشي بقدر من الوسامة والوقار. هذا الملمح الهادئ في الصورة يتناقض مع طبيعة العصر الذي عاش فيه ابن سينا والذي اتسم بكثرة الصراعات السياسية بين الفرس السامانيين والأتراك على مناطق النفوذ في آسيا الوسطى.


كان نيتشه وما يزال احد أكثر الفلاسفة غموضا وإثارة للجدل.
قيل انه كان عدميا. وقد راعه أن يرى عالما لا يرمز إلى شيء وليس فيه معايير أو قواعد أخلاقية ثابتة.
وقد سبّبت أفكاره صدمة للكثيرين بينما استقبلها آخرون بالكثير من الثناء والاستحسان.
هذا البورتريه رسمه له هانز اولد الذي كان مديرا لمتحف الفنون في أكاديمية فيمر الألمانية.
كان اولد احد أصدقاء نيتشه المقرّبين. وقد نشر الرسم في إحدى المجلات الألمانية آنذاك.
البورتريه كاريكاتيري إلى حدّ ما. وفيه يبدو نيتشه بعينين غائرتين وحاجبين عريضين وشاربين كثيفين. نظراته الحادّة وملامحه المتمرّدة تذكّرنا بموت الإله وبإرادة القوّة وبالعداء للمسيح وبغيرها من أجزاء المنظومة الفكرية التي قامت عليها فلسفة نيتشه.
وربّما تشي ملامح نيتشه في هذا البورتريه الغريب بقرب إصابته بالخرف الدماغي الذي عانى منه وأسلمه للعزلة في نهايات حياته.


كانت هيباتيا أحد رموز الفكر والفلسفة من النساء في العالم القديم. والدها كان فيلسوفا وأديبا وعالم رياضيات. وهي عاشت زمن ازدهار مكتبة الاسكندرية التي كانت آخر من تولّى إدارتها. وقد تفوّقت على كثير من العلماء والفلاسفة في عصرها. كان أتباعها يأتون من أماكن بعيدة لسماع دروسها ومحاضراتها. وكان لـ هيباتيا حضور كبير في أوساط المفكّرين من الرجال الذين كانوا يحترمونها لسماحة أخلاقها ورصانة عقلها.
كانت تتنقّل ما بين الإسكندرية وأثينا وتعلّم فلسفة أرسطو وأفلاطون. وقد عُرف عنها أنها كانت ذات جمال باهر يزيّنه التواضع والحكمة. غير أنها كانت عصيّة دائما على خاطبي ودّها والطامعين بقلبها.
وتُروى قصص متضاربة عن الكيفية التي انتهت بها حياتها. تقول إحدى الروايات إن حشدا من المتعصّبين المسيحيين انتزعوها من عربتها ذات يوم وجرّدوها من ملابسها ثم مزّقوها إربا وجرجروها إلى الكنيسة قبل أن يضرموا في جثتها النار. كانت التهمة الترويج للوثنية على حساب المسيحية.
ومن بين من تطرّقوا لقصّة مقتلها بتلك الطريقة الهمجية والمأساوية كلّ من العالم كارل ساغان وفولتير وسواهما.
رُسم لـ هيباتيا العديد من البورتريهات المتخيّلة والتي تظهر في بعضها عارية.
لكن هذا البورتريه لها يجذب العين بأناقة خطوطه ورقّة تفاصيله. وقد ظهر لأوّل مرّة في بدايات القرن الماضي ونُشر في كتاب يضمّ رسوما إيضاحية باللونين الأبيض والأسود وضعها فنّان مجهول.
لا انفعالات محدّدة هنا عدا أن المرأة تبدو ساهمة وصامتة.
وإجمالا، فإن الملامح في البورتريه لا تبتعد كثيرا عن ملامح المرأة كما تبدو في الصور التي رُسمت لها في العصور المتقدّمة.


Credits
crystalinks.com
smithsonianmag.com

الاثنين، أبريل 06، 2009

حياة في الكُتُب

بعد وفاة احد زملائنا المشتركين، جاء اتصال من ابنه يلحّ فيه بضرورة الإسراع في توظيب أمتعة والده وأشيائه الشخصية تمهيدا لشحنها إلى بلده.
وقد ندبتُ أنا لهذه المهمّة على الرغم من أنني لم أكن اعرف الرجل بما فيه الكفاية بحكم فارق السنّ ونوعية التخصّص.
بدأت بالمكتبة. كان الراحل معروفا بشغفه الكبير بالقراءة وحرصه على اقتناء الكتب بانتظام. وبدأتُ في جمع الكتب من فوق الأرفف ورصّها في كراتين.
لحظتها خامرني إحساس بالحزن والضيق. كنت وأنا ألمس الكتب التي تركها وراءه كمن يباشر عملية تفريغ عالم صغير يخصّ شخصا آخر.
كتب، عناوين وأسماء كثيرة تبدو بلا نهاية: جويس، اورويل، سارتر، ديورانت، لوركا، ديكارت، تولستوي، ووردزوورث، شتاينبك، بورخيس، مارلو، همنغواي، اليوت، طاغور، داروين، كونراد، برونتي، مونتسكيو، وولف، بروست، ارسطو، نيرودا، غوته، كولريدج..
وبينما أنا مستغرق في النظر إلى تلك الأسماء، تذكّرت كلّ الكتب التي سبق لي وأن قرأتها. وتساءلتُ عن جدوى ونفع كل تلك القراءة. روايات، قصائد شعر، مذكّرات، سيَر شخصية، تاريخ، فلسفة.. إلى آخره.
الغريب أنني كلما فكّرت في تلك الكتب، كلّما أصبحت اقلّ تذكّرا لمضامينها.
كلّ ما أتذكّره مجرّد ِنتَف وأجزاء صغيرة. جملة من قصّة أو رواية هنا، وصف ما لشخصية هناك، بيت شعر، سطر من جمال خاصّ ما يزال يسكن زاوية قصيّة من الذاكرة.
وخيّل إليّ أن هذا الذي بقي ليس بالشيء الكثير مقارنة مع كل تلك الملايين من الكلمات والعبارات والصور.
مال كثير ووقت أكثر استثمرناه، وما زلنا، في الكتب.
الآن ذهبت الكلمات وتلاشت المشاهد. لم يبقَ من متعة القراءة سوى انطباعات سريعة وصور عابرة.
وأظنّ أن هذا يشبه، إلى حدّ كبير، الحياة نفسها. دقائق، ساعات، وأيّام لا تعدّ ولا تحصى من الوجود الثمين. التفاصيل تتوارى ويصبح أكثرها نسيا منسيّا.
ولا يبقى في النهاية سوى الإحساس بها. هذا كلّ ما يبقى. مجردّ ظلّ لحياة كان لها وجود ثم تبدّدت، مثل الأزهار التي تذوي وتجفّ في الصيف ولا يبقى منها سوى بعض الشذى الذي لا يدوم طويلا. "مترجم"