في كتابه "إفطار مع سينيكا: دليل رواقيّ لفنّ العيش"، يشير الفيلسوف ديڤيد فيدلر إلى أنه لم يكتشف الفيلسوف الروماني إلا في مرحلة متأخّرة من حياته وأن ما أعجبه فيه، إلى جانب كونه كاتبا عظيما، هو أنه يركّز على قضايا الحياة الواقعية، مثل كيف تتعامل مع الحزن عند وفاة أحد الأحبّة، وكيف تتعامل مع الهموم أو الأفكار المقلقة، حتى تتمكّن من العودة إلى عيش اللحظة بسلام. وما هي الصداقة الحقيقية، ولماذا تعدّ مهمّة جدّا؟ وكيف يمكننا أن نساهم في خدمة المجتمع؟
ويضيف المؤلّف: منذ سنوات أصبحتْ قراءة سينيكا كلّ صباح بداية رائعة ليومي. وكلّ ما كتبه خالد وباقٍ وما يزال يؤثّر فينا الى اليوم. وهذا ما يجعله يبدو معاصرا. ولأنه كان يتمتّع ببصيرة عميقة في علم النفس البشري، فإن الكثير من قرّاء سينيكا يشعرون بأنه مرشدهم الحكيم. صحيح انه مات منذ مئات السنين، لكن أفكاره ما تزال حيّة الى اليوم. كان خبيرا في البلاغة، وكان يكتب بأسلوب أدبيّ فريد قلّده آخرون، بدءا من عصر النهضة الإيطالية إلى رالف إيمرسون. وهذا الأسلوب الجذّاب هو ما يجعل كتاباته آسرة".
على مدى الألفي عام الماضية، شهد عالمنا تطوّرا تكنولوجيا هائلا. لكن عندما تقرأ سينيكا، تدرك أن البشر لم يتغيّروا نفسيّا. فنحن، من هذه الناحية، نشبه ما كان الناس عليه في روما قبل ألفي عام، وتساورنا نفس الآمال والتطلّعات والمخاوف التي كانت للرومان القدماء. كما أن لدينا نفس الرغبة في أن نصبح أفضل وأكثر تميّزا. وسينيكا تناولَ كلّ هذا في كتاباته.
ويذكر فيدلر أنك لو درستَ سينيكا وإبيكتيتوس وماركوس أوريليوس، أي أقطاب المدرسة الرواقية الكبار، فستكتشف أنهم كانوا يعبّرون عن نفس الأفكار إلى حدّ كبير، ولكن كلّ بطريقته الخاصّة، لأنهم كانوا يخاطبون جمهورا مختلفا. وبما أنهم كانوا جميعا رواقيين، فهذا ليس مستغرباً".
ثم يشير الى أن ارتباط سينيكا بنيرون كان نذير شؤم للفيلسوف. وقد أصبح نيرون إمبراطورا قبل بلوغه السابعة عشرة بقليل. ويُعتقد أن سينيكا وقائد الحرس أدارا الإمبراطورية الرومانية خلال السنوات الخمس الأولى، أي عندما كان نيرون ما يزال في سنّ غضّة.
وكما هو الحال مع بعض الأثرياء اليوم، اجتذب سينيكا بعض الأعداء لمجرّد أنه كان ثريّا. ورغم أن للثروة فوائد كثيرة، إلا أنه كتب عن مخاطرها وسلبياتها. فمثلا - يقول فيدلر - استكشف كيف يمكن للثروة الطائلة أن تسبّب اختلالا نفسيّا لدى البعض. وقد رأى سينيكا كلّ شيء، بما في ذلك الجشع والإسراف في أعلى مستويات المجتمع الروماني. وخلُص في كتابه "الرسائل" إلى أن الفقير ليس من يملك القليل، بل من يتوق دائما إلى امتلاك المزيد.
وكان سينيكا واعيا بشكل خاص بالطبيعة الدورية للتجربة الإنسانية. وأشار باستمرار إلى أنه عندما تسير الأمور على ما يرام ويحلّق الناس في أعالي السماء نفسيّا، فإنه يجب عليهم توخّي الحذر والاستعداد للانحدار، لأنه بمجرّد بلوغ الذروة لا مفرّ من السقوط، أو كما قال "الأماكن المرتفعة هي التي تضربها الصواعق".
وفي مكان من الكتاب يتساءل المؤلّف: هل كان سينيكا مرشدا عظيما للحياة أم للموت؟ ويجيب: كان مرشدا لكليهما، فكان يرى أن كيفية مواجهتنا للموت عند حلوله هي الاختبار النهائي لنا، وقد كتب عن كيفية التغلّب على هذا القلق باستفاضة.
ويضيف المؤلّف: منذ سنوات أصبحتْ قراءة سينيكا كلّ صباح بداية رائعة ليومي. وكلّ ما كتبه خالد وباقٍ وما يزال يؤثّر فينا الى اليوم. وهذا ما يجعله يبدو معاصرا. ولأنه كان يتمتّع ببصيرة عميقة في علم النفس البشري، فإن الكثير من قرّاء سينيكا يشعرون بأنه مرشدهم الحكيم. صحيح انه مات منذ مئات السنين، لكن أفكاره ما تزال حيّة الى اليوم. كان خبيرا في البلاغة، وكان يكتب بأسلوب أدبيّ فريد قلّده آخرون، بدءا من عصر النهضة الإيطالية إلى رالف إيمرسون. وهذا الأسلوب الجذّاب هو ما يجعل كتاباته آسرة".
على مدى الألفي عام الماضية، شهد عالمنا تطوّرا تكنولوجيا هائلا. لكن عندما تقرأ سينيكا، تدرك أن البشر لم يتغيّروا نفسيّا. فنحن، من هذه الناحية، نشبه ما كان الناس عليه في روما قبل ألفي عام، وتساورنا نفس الآمال والتطلّعات والمخاوف التي كانت للرومان القدماء. كما أن لدينا نفس الرغبة في أن نصبح أفضل وأكثر تميّزا. وسينيكا تناولَ كلّ هذا في كتاباته.
ويذكر فيدلر أنك لو درستَ سينيكا وإبيكتيتوس وماركوس أوريليوس، أي أقطاب المدرسة الرواقية الكبار، فستكتشف أنهم كانوا يعبّرون عن نفس الأفكار إلى حدّ كبير، ولكن كلّ بطريقته الخاصّة، لأنهم كانوا يخاطبون جمهورا مختلفا. وبما أنهم كانوا جميعا رواقيين، فهذا ليس مستغرباً".
ثم يشير الى أن ارتباط سينيكا بنيرون كان نذير شؤم للفيلسوف. وقد أصبح نيرون إمبراطورا قبل بلوغه السابعة عشرة بقليل. ويُعتقد أن سينيكا وقائد الحرس أدارا الإمبراطورية الرومانية خلال السنوات الخمس الأولى، أي عندما كان نيرون ما يزال في سنّ غضّة.
وكما هو الحال مع بعض الأثرياء اليوم، اجتذب سينيكا بعض الأعداء لمجرّد أنه كان ثريّا. ورغم أن للثروة فوائد كثيرة، إلا أنه كتب عن مخاطرها وسلبياتها. فمثلا - يقول فيدلر - استكشف كيف يمكن للثروة الطائلة أن تسبّب اختلالا نفسيّا لدى البعض. وقد رأى سينيكا كلّ شيء، بما في ذلك الجشع والإسراف في أعلى مستويات المجتمع الروماني. وخلُص في كتابه "الرسائل" إلى أن الفقير ليس من يملك القليل، بل من يتوق دائما إلى امتلاك المزيد.
وكان سينيكا واعيا بشكل خاص بالطبيعة الدورية للتجربة الإنسانية. وأشار باستمرار إلى أنه عندما تسير الأمور على ما يرام ويحلّق الناس في أعالي السماء نفسيّا، فإنه يجب عليهم توخّي الحذر والاستعداد للانحدار، لأنه بمجرّد بلوغ الذروة لا مفرّ من السقوط، أو كما قال "الأماكن المرتفعة هي التي تضربها الصواعق".
وفي مكان من الكتاب يتساءل المؤلّف: هل كان سينيكا مرشدا عظيما للحياة أم للموت؟ ويجيب: كان مرشدا لكليهما، فكان يرى أن كيفية مواجهتنا للموت عند حلوله هي الاختبار النهائي لنا، وقد كتب عن كيفية التغلّب على هذا القلق باستفاضة.
الرواقيون، بشكل عام، يرون أنه لا يوجد ما يخيف في الموت، فهو مجرّد جزء طبيعي من الحياة سيواجهه كلّ إنسان. وكانوا يرون أنه لا ينبغي لمن هم على فراش الموت ممّن كانوا طيّبين ومحسنين في حياتهم أن يحزنوا أو يندموا على موتهم، بل يجب أن يكونوا ممتنّين للخبرات التي منحتهم إيّاها الحياة.
وقد كتب سينيكا مرّة يقول أنه خلال كلّ السنوات الماضية التي عشناها كنّا "في قبضة الموت". وقد عاش هو حياته على أكمل وجه كما لو أن كلّ يوم كان يومه الأخير. وكان يتمنّى كلّ ليلة قبل أن ينام أن يشعر بأنه لم يبقَ له شيء لم ينجزه في الحياة. وإذا حالفه الحظّ واستيقظ حيّا في صباح اليوم التالي، كان ينظر إلى كلّ يوم إضافي بامتنان وكهديّة رائعة من الخالق.
والواقع أن جميع الرواقيين الرومان أكّدوا على أهميّة التأمّل في فنائنا ودعوا إلى تذكّر الموت باستمرار، ليس بطريقة مرَضية، بل بواقعية. وكما قال إبكتيتوس، ليس في الموت ما يخيف وإلا لظنّه سقراط مخيفا أيضا، وما يجعله مخيفا هو اعتقادنا الخاطئ عنه".
ومن الأسباب الأخرى لتذكّر الموت، بحسب الرواقيين، عدم اعتبار هبة الحياة في اللحظة الراهنة أمرا مسلّما به. وكما قال إبكتيتوس لطلّابه: عندما تنظر إلى زوجتك وطفلك، ذكّر نفسك بأنهما فانيان، وبهذه الطريقة لن تفاجَأ أبدا بموت أحدهما، بل ستشعر بالامتنان لأيّ وقت متبقٍّ لكم معا". وكتب سينيكا كلاما قريبا من هذا عندما قال: بما أننا لا نستطيع الجزم بمدى استمرار أحبّائنا معنا، فلنستمتع بهم الآن بشغف".
ولعلّ أفضل ختام للموضوع هو التذكير ببعض أشهر أقوال سينيكا التي ضمّنها كتبه ورسائله..
◦ ما دمتَ حيّا، تعلّم كيف تعيش.
◦ الثروة عبد للحكيم وسيّد للأحمق.
◦ ليس من يملك القليل فقيرا، بل من يتوق للمزيد.
◦ السعادة الحقيقية هي أن نفهم واجباتنا تجاه الله والإنسان؛ أن نستمتع بالحاضر دون الاعتماد على المستقبل بقلق؛ ألا ننشغل بالآمال أو المخاوف، بل أن نرضى بما لدينا، وهو كافٍ ووفير.
◦ ليست المشكلة في أن لدينا القليل من الوقت، بل في أننا نهدر قدرا كبيرا منه.
◦ إذا كان ما لديك يبدو غير كافٍ بالنسبة لك، فحتى لو كنت تمتلك العالم كلّه ستظلّ بائسا.
◦ عندما يقضي الإنسان كلّ وقته في السفر إلى الخارج، سينتهي به المطاف لأن يكون لديه العديد من المعارف، ولكن ليس الأصدقاء.
◦ كلّ هذا التسرّع من مكان إلى آخر لن يجلب لك أيّ راحة، لأنك تسافر برفقة عواطفك الخاصّة، متبوعةً بمشاكلك على طول الطريق.
◦ أعتبرك تعيسا لأنك لم تعِش يوما في محنة. لقد عشتَ الحياة دون أن يكون لك خصم، فلا أحد يعرف من أنت ولا ما هي حدود قدراتك.
◦ من الممتع أن تكون مع نفسك لأطول فترة ممكنة، شرط أن تنجح في أن تجعل من نفسك شخصا يستحقّ قضاء الوقت معه.
◦ إذا كنت تريد الهروب من الأشياء التي تضايقك حقّا، فإن كلّ ما تحتاج إليه ليس أن تكون في مكان مختلف، بل أن تكون شخصا مختلفا.
◦ في الحقيقة نحن لا نعيش إلا جزءا صغيرا من الحياة.
◦ كلّ من جعل سعادته في يد غيره أو رهناً للظروف الخارجية هو عبد ولو كان ملكاً.
وقد كتب سينيكا مرّة يقول أنه خلال كلّ السنوات الماضية التي عشناها كنّا "في قبضة الموت". وقد عاش هو حياته على أكمل وجه كما لو أن كلّ يوم كان يومه الأخير. وكان يتمنّى كلّ ليلة قبل أن ينام أن يشعر بأنه لم يبقَ له شيء لم ينجزه في الحياة. وإذا حالفه الحظّ واستيقظ حيّا في صباح اليوم التالي، كان ينظر إلى كلّ يوم إضافي بامتنان وكهديّة رائعة من الخالق.
والواقع أن جميع الرواقيين الرومان أكّدوا على أهميّة التأمّل في فنائنا ودعوا إلى تذكّر الموت باستمرار، ليس بطريقة مرَضية، بل بواقعية. وكما قال إبكتيتوس، ليس في الموت ما يخيف وإلا لظنّه سقراط مخيفا أيضا، وما يجعله مخيفا هو اعتقادنا الخاطئ عنه".
ومن الأسباب الأخرى لتذكّر الموت، بحسب الرواقيين، عدم اعتبار هبة الحياة في اللحظة الراهنة أمرا مسلّما به. وكما قال إبكتيتوس لطلّابه: عندما تنظر إلى زوجتك وطفلك، ذكّر نفسك بأنهما فانيان، وبهذه الطريقة لن تفاجَأ أبدا بموت أحدهما، بل ستشعر بالامتنان لأيّ وقت متبقٍّ لكم معا". وكتب سينيكا كلاما قريبا من هذا عندما قال: بما أننا لا نستطيع الجزم بمدى استمرار أحبّائنا معنا، فلنستمتع بهم الآن بشغف".
ولعلّ أفضل ختام للموضوع هو التذكير ببعض أشهر أقوال سينيكا التي ضمّنها كتبه ورسائله..
◦ ما دمتَ حيّا، تعلّم كيف تعيش.
◦ الثروة عبد للحكيم وسيّد للأحمق.
◦ ليس من يملك القليل فقيرا، بل من يتوق للمزيد.
◦ السعادة الحقيقية هي أن نفهم واجباتنا تجاه الله والإنسان؛ أن نستمتع بالحاضر دون الاعتماد على المستقبل بقلق؛ ألا ننشغل بالآمال أو المخاوف، بل أن نرضى بما لدينا، وهو كافٍ ووفير.
◦ ليست المشكلة في أن لدينا القليل من الوقت، بل في أننا نهدر قدرا كبيرا منه.
◦ إذا كان ما لديك يبدو غير كافٍ بالنسبة لك، فحتى لو كنت تمتلك العالم كلّه ستظلّ بائسا.
◦ عندما يقضي الإنسان كلّ وقته في السفر إلى الخارج، سينتهي به المطاف لأن يكون لديه العديد من المعارف، ولكن ليس الأصدقاء.
◦ كلّ هذا التسرّع من مكان إلى آخر لن يجلب لك أيّ راحة، لأنك تسافر برفقة عواطفك الخاصّة، متبوعةً بمشاكلك على طول الطريق.
◦ أعتبرك تعيسا لأنك لم تعِش يوما في محنة. لقد عشتَ الحياة دون أن يكون لك خصم، فلا أحد يعرف من أنت ولا ما هي حدود قدراتك.
◦ من الممتع أن تكون مع نفسك لأطول فترة ممكنة، شرط أن تنجح في أن تجعل من نفسك شخصا يستحقّ قضاء الوقت معه.
◦ إذا كنت تريد الهروب من الأشياء التي تضايقك حقّا، فإن كلّ ما تحتاج إليه ليس أن تكون في مكان مختلف، بل أن تكون شخصا مختلفا.
◦ في الحقيقة نحن لا نعيش إلا جزءا صغيرا من الحياة.
◦ كلّ من جعل سعادته في يد غيره أو رهناً للظروف الخارجية هو عبد ولو كان ملكاً.
Credits
livingideasjournal.com
stoicinsights.com
livingideasjournal.com
stoicinsights.com