لا بدّ وأن بعض القرّاء تابعوا قبل فترة خبر قيام إحدى الشركات الهولندية العاملة في مجال أبحاث العلوم والفضاء برصد مبلغ ستّة مليارات دولار لتسيير رحلة مأهولة إلى كوكب المرّيخ في بداية عام 2023م.
وفي التفاصيل أن المكوك الفضائي الذي سيذهب إلى الكوكب الأحمر سيحمل على متنه بضعة متطوّعين وسيقطع مسافة تُقدّر بمائتي مليون كيلومتر على مدى سبعة أشهر.
الرحلة إلى المرّيخ ستكون ذهابا بلا عودة، أي أن المسافرين إلى هناك لن يعودوا إلى الأرض أبدا، بل سيتركون مساكنهم للبعثة التي ستخلفهم بعد أن يموت آخرهم. وستُنقل وقائع الرحلة التاريخية في بثّ مباشر عبر الأقمار الاصطناعية. والغاية من المشروع، كما تقول الشركة الراعية، هي محاولة استكشاف عالم آخر غير الأرض يمكن أن يعيش فيه الإنسان.
وهناك الآن آلاف المتطوّعين لهذه الرحلة من بينهم عرب. ومن هؤلاء طيّار سعوديّ في الثامنة والثلاثين من عمره. الطيّار، واسمه عبدالله الزهراني، تحدّث للصحافة عن قراره بالمشاركة في الرحلة وقال: أتمنّى أن أكون الطيّار المسلم الوحيد المشارك فيها". طبعا أكبرت في الزهراني إقدامه وجسارته، لكنّي لم افهم سبب إشارته إلى الدين في هذا السياق، أو لماذا يريد أن يكون "المسلم الوحيد" في الرحلة.
هل السبب يكمن في الإحساس بأن إسهامات العرب في الحضارة المعاصرة تكاد تكون صفرا وأن أوطاننا لا تنتج سوى العنف والتطرّف الديني؟ وأكيد لا يمكن تخيّل أن يأتي صيني أو كوري ويقول: أتمنّى أن أكون المشارك الوحيد من أتباع كونفوشيوس أو بوذا!
الطريف أن زوجة الطيّار السعودي ترفض حتى الآن مشاركته، إلا انه يأمل أن تغيّر رأيها لأنه يريد من خلال مشاركته خدمة البشرية.
تعليقات بعض القرّاء على قرار الزهراني لم تكن تخلو هي الأخرى من طرافة، إذ أشاروا إلى أن غياب الزوج عن زوجته لأكثر من سنتين لا يجوز "لأن من حقّها أن تستمتع بمعاشرته ويتمتّع بمعاشرتها". ولحسن الحظّ، فإن الزهراني لا يفكّر بهذه الطريقة، ومن المؤكّد أن حدود مشاغله واهتماماته أوسع من هذا بكثير.
لكن لنعد الآن إلى الرحلة/المغامرة. هناك من يمتدحها باعتبارها نقلة كبيرة ومهمّة في تاريخ العلم والإنسانية. وهناك من يرى أن المشروع عبثي وأنه سينتهي بمأساة. ويتساءل بعض هؤلاء: كيف يعطي المشاركون موافقتهم على تجربة ستنتهي بموتهم؟!
المؤيّدون لفكرة الذهاب إلى المرّيخ لهم حججهم، والمعترضون على الفكرة لهم أسبابهم أيضا. ولنبدأ أوّلا بالمعترضين الذين يمكن إجمال وجهة نظرهم في النقاط التالية:
الأفراد الذين سيشاركون في الرحلة لن يعودوا إلى الأرض أبدا، أي أن الأمر أشبه ما يكون بأن تحبس شخصا داخل منزل دون أن يفقد عقله. وعلى المشاركين في الرحلة أيضا أن لا يمرضوا أبدا طوال السنوات التي سيقضونها على المرّيخ.
وإذا عانوا من ضغط أو سكّر أو مرض في القلب، فسيكونون في حالة حرجة جدّا. وإن كانوا محظوظين وكُتبت لهم النجاة من الإشعاع الذي سيقصفهم طوال الرحلة، فسيموتون بعد وقت قليل من وصولهم إلى هناك. وإذا أفهموا كلّ هذه الأمور ثم أصرّوا على الذهاب، فليكن ذلك على مسئوليّتهم.
بيئة المرّيخ لا تدعم الحياة البشرية، وعليه فإن هؤلاء الأشخاص سيعيشون طوال ما تبقّى لهم من عمر داخل بيئة مكيّفة واصطناعية. والأسوأ من ذلك أن لا شيء ممّا يؤمّلونه سيصمد أو يتحقّق في أجواء الكوكب القاسية. وكلّ ما سيحتاجونه من طعام يجب أن يُزرع في محميّات. وسيحتاجون إلى معدّات لا يمكن صنعها في المرّيخ في المستقبل المنظور، بل لا بدّ من شحنها من الأرض ثم ضمان إصلاحها وصيانتها هناك، وهذا يتطلّب تكاليف مادّية طائلة.
وفي التفاصيل أن المكوك الفضائي الذي سيذهب إلى الكوكب الأحمر سيحمل على متنه بضعة متطوّعين وسيقطع مسافة تُقدّر بمائتي مليون كيلومتر على مدى سبعة أشهر.
الرحلة إلى المرّيخ ستكون ذهابا بلا عودة، أي أن المسافرين إلى هناك لن يعودوا إلى الأرض أبدا، بل سيتركون مساكنهم للبعثة التي ستخلفهم بعد أن يموت آخرهم. وستُنقل وقائع الرحلة التاريخية في بثّ مباشر عبر الأقمار الاصطناعية. والغاية من المشروع، كما تقول الشركة الراعية، هي محاولة استكشاف عالم آخر غير الأرض يمكن أن يعيش فيه الإنسان.
وهناك الآن آلاف المتطوّعين لهذه الرحلة من بينهم عرب. ومن هؤلاء طيّار سعوديّ في الثامنة والثلاثين من عمره. الطيّار، واسمه عبدالله الزهراني، تحدّث للصحافة عن قراره بالمشاركة في الرحلة وقال: أتمنّى أن أكون الطيّار المسلم الوحيد المشارك فيها". طبعا أكبرت في الزهراني إقدامه وجسارته، لكنّي لم افهم سبب إشارته إلى الدين في هذا السياق، أو لماذا يريد أن يكون "المسلم الوحيد" في الرحلة.
هل السبب يكمن في الإحساس بأن إسهامات العرب في الحضارة المعاصرة تكاد تكون صفرا وأن أوطاننا لا تنتج سوى العنف والتطرّف الديني؟ وأكيد لا يمكن تخيّل أن يأتي صيني أو كوري ويقول: أتمنّى أن أكون المشارك الوحيد من أتباع كونفوشيوس أو بوذا!
الطريف أن زوجة الطيّار السعودي ترفض حتى الآن مشاركته، إلا انه يأمل أن تغيّر رأيها لأنه يريد من خلال مشاركته خدمة البشرية.
تعليقات بعض القرّاء على قرار الزهراني لم تكن تخلو هي الأخرى من طرافة، إذ أشاروا إلى أن غياب الزوج عن زوجته لأكثر من سنتين لا يجوز "لأن من حقّها أن تستمتع بمعاشرته ويتمتّع بمعاشرتها". ولحسن الحظّ، فإن الزهراني لا يفكّر بهذه الطريقة، ومن المؤكّد أن حدود مشاغله واهتماماته أوسع من هذا بكثير.
لكن لنعد الآن إلى الرحلة/المغامرة. هناك من يمتدحها باعتبارها نقلة كبيرة ومهمّة في تاريخ العلم والإنسانية. وهناك من يرى أن المشروع عبثي وأنه سينتهي بمأساة. ويتساءل بعض هؤلاء: كيف يعطي المشاركون موافقتهم على تجربة ستنتهي بموتهم؟!
المؤيّدون لفكرة الذهاب إلى المرّيخ لهم حججهم، والمعترضون على الفكرة لهم أسبابهم أيضا. ولنبدأ أوّلا بالمعترضين الذين يمكن إجمال وجهة نظرهم في النقاط التالية:
وإذا عانوا من ضغط أو سكّر أو مرض في القلب، فسيكونون في حالة حرجة جدّا. وإن كانوا محظوظين وكُتبت لهم النجاة من الإشعاع الذي سيقصفهم طوال الرحلة، فسيموتون بعد وقت قليل من وصولهم إلى هناك. وإذا أفهموا كلّ هذه الأمور ثم أصرّوا على الذهاب، فليكن ذلك على مسئوليّتهم.
المتطوّعون للمشاركة في الرحلة، وقبل أن يغادروا إلى المرّيخ، سيُطلب منهم التوقيع على ورقة تقول إن كلّ ما ستؤول إليه الرحلة سيكون على مسئوليّتهم الخاصّة. وهذه الورقة هي أشبه ما تكون بالإقرار الذي يوقّع عليه المريض قبل دخوله غرفة العمليات.
وهؤلاء الأشخاص يتنافسون على أيّ منهم سيُختار لكي يرسل إلى منفى بعيد، وإلى موت مبكّر على الأرجح. ومتابعتهم وهم يموتون ببطء ليس ممّا يريد أن يراه الإنسان على شاشة التلفزيون. إن محاولة استكشاف الكواكب الأخرى شيء، وأخذ الناس ليُتركوا هناك كي يموتوا شيء آخر.
تخيّل رحلة طولها عام كامل عبر فضاء بارد ومظلم في صندوق مع بضعة أشخاص آخرين. ستنتهي صلاحيتهم حتى قبل أن يصلوا. هذا اسمه انتحار لا اقلّ ولا أكثر. وبدلا من ذلك لماذا لا يوجّه كلّ منهم مسدّسا إلى رأسه ثم يضغط على الزناد وهو في مكانه؟!
إن أطول مدّة عاشها إنسان داخل كبسولة كانت لبضعة أشهر. ومحطّة الفضاء الدولية ما تزال تعمل إلى الآن بفضل المؤن التي تأتيها بانتظام من الأرض. يجب أن نستيقظ من هذه التهويمات وننظر بجدّية إلى ما يتعيّن علينا أن نفعله لكوكبنا الرائع الجميل الذي يمكن إنقاذه بشيء من المحافظة والانضباط. نحن نستخدم الأرض كمرحاض. فلنترك أوساخنا هنا على الأرض إلى أن نجد طريقة نغيّر بها من أنفسنا.
تتمّة الموضوع غدا..