:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


الجمعة، يونيو 21، 2024

خواطر في الأدب والفن


  • عندما أصبح فريدريك الثاني ملكا على صقليّة، كان قد أتقن تماما القراءة والكتابة باللغة العربية. وكان يحيط نفسه بالعديد من العرب في بلاطه. كان يقدّر كثيرا العلوم والفلسفة العربية، وكان على اتصال دائم بالإسلام. كما واصل احترام التراث الإسلامي في جزيرته، أي صقلّية.
    وعندما زار فريدريك بيت المقدس، أصدر مضيفُه السلطان الكامل أمرا بألا يؤذّن المؤذّن للصلاة مراعاة ومجاملة لضيفه المسيحي. ولما سأل فريدريك القاضي الذي انتدبه السلطان لمرافقته لماذا لم يُرفع صوت الأذان أجاب: فعلنا هذا مراعاة لك واحتراما لزيارتك". فقال له القيصر: من الخطأ أن تغيّروا عاداتكم من أجلي، وإنه ليسعدني كثيرا أن أسمع صوت الأذان وتلاوة القرآن".
    كان فريدريك محبّا للعرب ومثالا في تسامحه وانفتاحه. وكان قد اختار معظم مستشاريه في مملكته من العرب. ويصفه المستشرق الألماني بوركهارت بأنه "أوّل حاكم عصري ومستنير يتبوّأ العرش". اما المستشرقة زيغريد هونكه فتعزو إعجاب فريدريك بالعرب والمشرق إلى ما ورثه في طفولته من أسلافه النورمان من حبّ للعرب وتقدير لحضارتهم.
    في اللوحة فوق، يظهر فريدريك الثاني وهو يحمل صقرا. والصقر كما هو معروف رمز مهمّ من رموز الثقافة العربية. وبالنسبة لفريدريك، لم يكن حمله للصقر مجرّد إشارة لشكل من اشكال الرياضة أو الصيد، بل لما للصقر من رمزية في العالم الإسلامي، من حيث ارتباطه القويّ بفكرة المُلك أو شرعية الحكم.

    ❉ ❉ ❉

  • في عام 1550، ذهب الرسّام بيتر بريغل إلى ايطاليا فوجد دا فنشي ورافائيل وميكيل أنجيلو منشغلين برسم القدّيسين والملائكة. ولما عاد إلى بلده بلجيكا قرّر ألا يحلّق مثلهم في ملكوت الغيب والأرواح وألا يرسم سوى الفقراء وغيرهم من الطبقات المسكينة والمهمّشة.
    كان بريغل يعتبر هؤلاء ملح الأرض الذين سحقهم الإقطاع وهمّشتهم الكنيسة بأوهامها. لذا ليس مستغربا أن نجد لوحاته عامرة بصور الفلاحين في قرى الفلاندرز الفقيرة وهم يرقصون في حفلات زواجهم ويعزفون الموسيقى ويوزّعون الطعام على بعضهم البعض.
    الناقد الإنغليزي جوناثان جونز يصف بريغل بقوله: كان واحدا من أكثر الفنانين إبداعا وإبهارا في تاريخ الرسم. من أشهر لوحاته "صيادون في الثلج"، تلك الصورة التي لا تُنسى للفلاحين البسطاء والأكواخ المتواضعة والمتزلّجين المبتهجين على ثلوج الشتاء. كما رسم لوحة "برج بابل"، وهي رؤية سوريالية لهيكل ضخم يقزّم بُناته والمدينة التي أسفل منه. وإحدى رؤاه الرائعة الأخرى هي لوحته "انتصار الموت" الذي جسّده بجيش من الهياكل العظمية التي تذبح الأحياء بلا رحمة.
    ويضيف: إن عبقرية بريغل ليست فقط في خياله الجامحة، وإنما أيضاً في إحساسه الحادّ بالمناظر الطبيعية والسلوك البشري. عندما سافر إلى إيطاليا، نقل المناظر الطبيعية التي رآها في رحلته، خاصّة أثناء عبوره جبال الألب، إلى لوحاته، ما أضفى عليها طابعاً بانوراميّا يشبه الخريطة. ويبدو أن تفاصيل لوحته "صيّادون في الثلج" تلخّص طبيعة الحياة على الأرض في اكتساحها الجغرافي ونطاقها الأنثروبولوجي. لقد استطاع هذا الرسّام الكبير تصوير مسرح الحياة في مشاهد هزلية، ولكنها مليئة بالصور النفسية المكثّفة. أنظر مثلا إلى الوجوه في لوحته التي فوق "عرس الفلاحين" أو الى توتّرات الحبّ والغيرة في لوحته الأخرى "رقصة الفلاحين".

    ❉ ❉ ❉


  • ❉ ❉ ❉

  • أبناء الرياح هو اللقب الذي أطلق على الشيشيميكاز، وهم شعب هندي كان وما يزال يعيش في شمال المكسيك. قيل إنهم أشجع وأعنف جماعة بشرية وُجدت على الأرض. ولم تستطع أيّة قوّة إخضاعهم أو الانتصار عليهم. وقد حُذّر الإسبان من مجرّد التفكير في غزو أرضهم في القرن السادس عشر. كانوا يريدون احتلال الأرض وتشغيل الهنود كسُخرة في مناجم الفضّة.
    لكنّ الهنود قاوموهم بضراوة طوال ثلاثين عاما واستنزفوهم وأضعفوهم. وكان الإسبان يعرفون أنهم يخوضون مع الشيشيميكاز حربا خاسرة. ولم يكن من عادة الهنود أن يأخذوا أسرى أبدا، بل كانوا يذبحون كل جنديّ اسباني يجدونه في أرضهم. والغريب أن كلّ محاولات الإسبان لاجتثاثهم وقهرهم فشلت، بل وجعلتهم أشدّ بأسا وقوّة. وكانت تلك هي المرّة الوحيدة التي يُهزم فيها جيش أوربّي كامل هزيمة ساحقة على يد شعب أصلي قليل العدد والعدّة.

    ❉ ❉ ❉

  • من أشهر الاقتباسات المنسوبة الى جلال الدين الرومي قوله:
    "خارج مضمار كلّ الأفكار
    وكلّ مفاهيم الخير والشرّ والفضيلة والخطيئة
    هناك مرج واسع بلا نهاية
    سألقاك هناك."
    في هذا الاقتباس، يدعو الرومي البشر إلى مكان يتجاوز قيود الأفكار التقليدية والحكم على الآخرين، حيث يمكن لهم أن يجتمعوا مع بعضهم البعض متحرّرين من اعتبارات الصواب والخطأ. وهذا المكان يوفّر مساحة من الوحدة والفهم والقبول تتجاوز الانقسامات والتمايزات والاختلافات التي خلقتها الأحكام الصارمة والأفكار الثنائية.
    وكلمات الرومي تحثّ كلّ من يقرأها على تجاوز حدود تصوّراته المشروطة وأحكامه المسبقة والذهاب إلى مكان يمكنه فيه التواصل مع الآخرين على مستوى أعمق، متحرّرا من قيود الحكم والتصنيف والتأطير والانقسام.
    كلام الرومي تذكير قويّ بأهميّة النظر إلى ما هو أبعد من الاختلافات والأحكام السطحية، لإيجاد أرضية مشتركة مع الآخرين واحتضان وتعزيز الروابط القائمة على التعاطف والتفاهم والقبول كوسائل ومسارات للتواصل الحقيقي والوحدة والتآلف بين البشر.

    ❉ ❉ ❉

  • يُحكى أن أحد ملوك الصين في غابر الأزمان كان يشكو من شعور بالحزن والضيق، رغم الحياة المنعّمة التي كان يتمتّع بها في قصوره. وقد استدعى حكيما ليسأله كيف يمكن أن يهجره الحزن ويصبح إنسانا سعيدا. فأشار عليه الحكيم بأن ينام ليلة واحدة في قميص رجل سعيد.
    ثم بعث الملك رسله في أرجاء البلاد بحثا عن ذلك الرجل وقميصه. لكنهم لم يقابلوا شخصا واحدا خاليا من هموم الحياة. وقبل أن يعودوا الى الملك، وجدوا في طريقهم رجلا فقيرا يجلس مبتسما أمام كوخ في طرف مزرعة. فسألوه: هل انت سعيد؟ فأجاب: نعم.
    قالوا: نريد قميصك كي ينام فيه الملك، وسيمنحك مالا كثيرا ورزقا وفيرا. فضحك الفلاح وقال: لكنني لا ارتدي قميصا، ألا تلاحظون؟!
    الدرس المستفاد من هذه القصّة هو أن كثرة المال والجاه لا تجلب السعادة بالضرورة. كما أن الشعور بالسعادة لا يأتي بما يملكه الإنسان من ثروة أو سلطان، بل بالسلام الداخلي الذي يأتي من الله.

  • Credits
    pieter-bruegel-the-elder.org
    rumi.org.uk