:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


الاثنين، يونيو 24، 2024

خواطر في الأدب والفن


  • كان دانيال رجلا حكيما يعمل عند ملك فارسيّ يُدعى داريوس. وكان هذا الملك يُوِدّ الرجل ويعرف فضله ويعدّه من أقرب الناس. لكن هذا أثار على دانيال نقمة بعض حسّاده فوشوا به وتقوّلوا عليه الكذب، فما كان من الملك إلا أن أصدر حكما أحمق بإلقاء صديقه للأسود الجائعة كي تفترسه عقابا له على خطئه.
    وكان الملك يمرّ على جُبّ الأسود كلّ صباح ليرى ما حدث لصديقه. واستغرب عندما رأى الأسود تهزّ ذيولها وتدور حول الرجل وتتمسّح به دون أن تؤذيه. وعندما سأله عن السرّ قال له إن الله علم بأنه مظلوم فأرسل من عنده ملاكا أمر السباع بأن لا تؤذيه. وبعد ان علم الملك ببراءته، أخرجه من مكمن الأسود وأصدر قرارا أحمق آخر بأن يُلقى في مكانه الذين تآمروا عليه مع زوجاتهم وأطفالهم عقابا لهم على كذبهم!
    الرسّام البلجيكي بيتر بول روبنز رسم دانيال وهو متكوّم على نفسه وسط الأسود بينما يبتهل إلى الله أن ينجيه برحمته. وعلى أرضية المكان تتناثر عظام وجماجم لأناس سبق أن افترستهم الأسود. ربّما الخطأ الوحيد الذي وقع فيه روبنز هو انه صوّر دانيال في الثلاثين بينما كان في الثمانين من عمره وقت الحادثة. وهو خطأ تلافاه الآخرون ممّن صوّروا القصّة فيما بعد. كانت قصّة دانيال شائعة زمن البابليين واليهود وكان يُنظر اليها كحكاية فلكلورية. لكنّها فيما بعد وجدت طريقها الى الكتب الدينية.

    ❉ ❉ ❉

  • من مأثورات عالم النفس السويسري كارل يونغ قوله: لا يمكن لشجرة أن تنمو وتبلغ الجنّة إلا إذا وصلت جذورها إلى الجحيم."
    ما المقصود بهذا الكلام؟ وهل يعبّر عن حقيقة نفسية أو فلسفية ما؟ ربّما يكمن المعنى في أن وصول الانسان إلى أعلى مراتب السموّ الروحي مشروط بسيطرته على طبيعته الجهنّمية أو الشرّيرة، وأن الإنسان لا يدرك حجم الشرّ الذي يمكنه أن يفعله الى أن يتعرّض للإغواء أو الاختبار.
    وقد يتضمّن المعنى أن كلّ البشر القادرين على فعل أفضل أعمال الخير قادرون بنفس القدر على ارتكاب أشدّ أفعال الشرّ، وأن الطريقة الوحيدة لنصبح أشخاصا أفضل هي من خلال المرور بأصعب الأشياء والتجارب، وأن النموّ أو التنوير أو التطوّر الروحي غالبا ما يتضمّن مواجهة الجوانب المظلمة للنفس الإنسانية.
    وفي سياق التطوّر الشخصي أو النموّ الروحي، لا يعني هذا بالضرورة أنه يجب على المرء أن يصبح خاطئا قبل أن يصبح قدّيسا، او أن يفعل الشرّ كي يعرف الخير ويفعله، بل يشير إلى أن النموّ الحقيقي غالبا ما يتضمّن الاعتراف بالعيوب أو الجوانب المظلمة والعمل على حلّها. ومن خلال مواجهة هذه الجوانب، يمكن للأفراد تحقيق قدر أكبر من الوعي الذاتيّ والمرونة والنضج الشخصي.
    والفكرة هي أنه من خلال الاعتراف وفهم "الظلال" الخاصّة بالفرد أو دوافعه المظلمة، يمكنه أن يفهم نفسه والآخرين بشكل أفضل، ما يؤدّي إلى مزيد من التغيير وبالتالي إلى إحساس أكثر توازناً وتكاملاً للذات. ومع الوقت يمكن أن تؤدّي عملية الاستبطان والوعي الذاتي هذه إلى النموّ الشخصي والتعاطف والتراحم.
    وقريب من كلام يونغ هذا قول نيتشه: كلّما سعى المرء إلى الارتفاع إلى العلوّ والنور، كلما اتّجهت جذوره بقوّة أكبر نحو الأرض؛ إلى الأسفل باتجاه الظلام والأعماق والشر".

    ❉ ❉ ❉


  • ❉ ❉ ❉

  • مفردة كايميرا chimera مثال على الكيفية التي تثري بها الاساطير اللغة والعلوم والآداب. أصل الكلمة يعود الى ملحمة الالياذة، حيث يتحدّث هوميروس عن وحش خرافي موطنه آسيا الوسطى، له اعضاء أسد وأفعى وعنز وينفث النار من فمه كالتنّين.
    لكن في العصر الحديث، أصبحت المفردة تشير الى أشياء مختلفة. في الطبّ مثلا تُطلق على الأشخاص الذين لديهم مجموعتان مختلفتان من الحمض النووي او اختلالات وراثية مرتبطة بالتكاثر. وفي علم النبات تعني ايّ جزء من نبات مكوّن من نسيجين مختلفين في تركيبهما الوراثي.
    وفي اللغة تعني "كايميرا" ضربا من ضروب الخيال لشيء مستبعد. كما تعني شيئا متوهّما او مستحيل التحقّق. وفي نطاق أعم، يمكن ان تُطلق الكلمة على ايّ حالة او ظاهرة نادرة تفتح تساؤلات طبّية او فلسفية وما إلى ذلك.

    ❉ ❉ ❉

  • كان الرسّام البلجيكي رينيه ماغريت بارعا كثيرا في توظيف الاستعارات والرموز. لوحته فوق، واسمها "الناجي"، رسمها في وقت كانت آثار الدمار والبؤس التي خلّفتها الحرب العالمية الثانية على الواقع الأوربّي ما تزال صادمة وماثلة للعيان بقوّة.
    في اللوحة، يرسم الفنّان بندقية مسنودة إلى جدار وملطّخة بالدم الذي يتسرّب منها إلى الأرضية. واعتمادا على العنوان، فإن الناظر كان يتوقّع أن يرى صورة لإنسان مرّ بتجربة النجاة من حرب أو كارثة. لكن ماغريت رسم شيئا آخر أكثر تعبيرا وإيلاما عن حقيقة الحرب.
    والمعنى الكامن في الصورة قد يكون ألا أحد يمكنه أن ينجو من ويلات الحرب. وحتى الذين يشاركون فيها ويخرجون منها أحياءً يكونون غالبا عرضة لآثارها النفسية والمعنوية. والناجون الحقيقيون من أيّ حرب هم تجّار الموت وأسلحة الفتك والدمار الذين ينشرون الخراب ويتغذّون على دماء البشر.

    ❉ ❉ ❉

  • كتب إيكهارت تول ذات مرّة قصّة ذات مغزى.
    قال: كان متسوّل يجلس على جانب الطريق. وكانت تلك عادته منذ أكثر من ثلاثين عاما. وفي أحد الأيّام، مرّ به شخص غريب. فقال له المتسوّل وهو يُمسك بقبّعته القديمة والمهترئة: هل لديك بعض النقود؟" فردّ عليه الرجل: للأسف ليس لديّ ما أقدّمه لك".
    ثم سأله الغريب: ما هذا الذي تجلس عليه؟" فأجاب المتسوّل: لا شيء، مجرّد صندوق قديم أجلس عليه منذ فترة طويلة.» فسأله الرجل: هل نظرت بداخله؟" قال المتسوّل: لا، لكن ما فائدة ذلك؟". قال الغريب: ألقِ نظرة لترى ما بداخله". وتمكّن المتسوّل من فتح الغطاء، ودُهش وهو غير مصدّق عندما رأى أن الصندوق مملوء بالقطع الذهبية.
    انتهت الحكاية هنا.
    أنا وأنت أيضا - يقول تول - مطلوب منّا أن ننظر إلى داخلنا، ليس داخل أيّ صندوق كما في القصّة، وإنّما إلى مكان أقرب: إلى داخل نفوسنا لنكتشف الكنوز التي قد تكون مخبّأة هناك دون أن نعلم عنها شيئا.

    ❉ ❉ ❉

  • كانت مناظر صيد الحيوانات بقتلها أو أسرها ذات شعبية كبيرة في هولندا القرن الثامن عشر. وكان زبائن هذا النوع من اللوحات هم عادةً علية القوم من النبلاء والأثرياء أو العائلات التي تتطلّع إلى مكانة اجتماعية أعلى.
    وكان يوهانس وينيكس أشهر رسّام لمَشاهد الصيد في ذلك الوقت. ومناظره تمتلئ بصور لحيوانات وطيور مقتولة. وكثيرا ما يضمّن المنظر صورة لحيوان أو طائر حيّ مع عناصر حياة ساكنة كالفاكهة والأزهار مثلا، بالإضافة إلى عدّة الصيد من بنادق وسكاكين وخلافها.
    وكان وينيكس يختار كمسرح لعمليات الصيد طبيعةً ايطالية تظهر فيها فيللات أو قلاع أو تماثيل من الرخام منقوش عليها صور لملائكة صغار وآلهة قديمة. ويبدو أن الرسّام ورث حبّ هذا النوع من الرسم من والده ومن أحد أبناء عمومته اللذين كانا هما أيضا رسّامين مشهورين.

  • Credits
    renemagritte.org
    peterpaulrubens.org