:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


الجمعة، مايو 24، 2024

فكرة التوأم الشرّير


مفردة doppelgänger "وتُنطق دَبلغِينغَر" تعني القرين أو الشبيه أو الثنائي، وأصلها ألماني من نهاية القرن الثامن عشر. وفيما بعد انتقلت الى اللغة الإنغليزية لتعني "الزائر أو المشّاء المزدوج". واليوم يُستخدم هذا المصطلح غالبا لوصف شخصين غريبين يبدوان متشابهين إلى حدّ كبير ومن عدّة وجوه، خاصّة في المظهر، مع أنهما قد يختلفان كثيرا في القيم التي يحملانها.
وعادة ما يكون الشبيه أو القرين ليس فقط شخصا يشبهك في ملامحك، وإنّما قد يمشي ويتصرّف ويتحدّث ويلبس مثلك تماما. ولو رأى صديق لك شبيهك فسوف يقسم أنه أنت رغم تأكيدك له أنك لم تكن في الموقع الذي شاهد فيه الشبيه.
ولقرون راجت الكثير من القصص عن القرناء وظهرت حولهم العديد من الخرافات. وجرت العادة أن يُنظر إليهم على أنهم مخلوقات شرّيرة أو منذرة بالشؤم أو سوء الحظ.
وفي العديد من الثقافات يوصف القرناء أو الشبيهون بأنهم أشباح أو أرواح تبدو كأنها أناس حقيقيون. ويزعم كثيرون أن القرناء يجلبون الحظّ السيّئ، فعندما ترى شخصا يشبهك فقد تكون تلك علامة على أن شيئا سيّئا قد يحدث لك قريبا. وليس من المستغرب أن يكون الأشخاص الشبيهون شائعين في القصص المخيفة.
لكن هناك احتمال بأن تكون العديد من القصص عن القرناء او الشبيهين ناتجة عن خطأ في تحديد الهويّة. وقد ظهرت قصص توحي بأنهم ليسوا أشرارا أو نذر سوء، وإنما أفراد يمارسون أعمالهم كما لو كانوا بشرا عاديين. ولكن في بعض الحالات كان قبول مثل هذا التفسير صعبا بعد أن رآهم أصدقاء يعرفون الشخص الحقيقي عن كثب.
ويقال إن الرئيس الأمريكي أبراهام لنكولن رأى شبيهه في عام 1860. وبعد خمس سنوات فقط، اغتيل. وهناك قصص أخرى مماثلة ارتبطت بمشاهير آخرين ادّعو أنهم رأوا قرناءهم، مثل كاثرين العظيمة والملكة إليزابيث الأولى. وسواءً كانت هذه القصص صحيحة أم لا، فقد تناقلتها الألسن لسنوات عديدة.
وفي كثير من أعمال الأدب، يقوم القرين بدور التوأم الشرّير للشخصية الرئيسية ويُقدّم على أنه "أنا متغيّرة Alter Ego"، أي أن القرين يصبح جزءا من الشخصية نفسها، ولا يحتاج الأمر لشخص يلعب دور الشبيه.
ويمكن القول إن رواية "الشبيه" التي كتبها دوستويفسكي عام 1846 هي المثال الأشهر لهذا النوع. وتقدّم الرواية الشبيه كشخصية نقيضة تستغلّ إخفاقات بطل الرواية للسيطرة على حياته.


وهناك مثال آخر هو رواية "الدكتور جيكل والسيّد هايد" لروبرت ستيفنسون. في هذه القصّة، تشترك كلا الشخصيّتين في نفس الجسد. ومع ذلك، فهما متضادّان، حيث يمثّل الدكتور جيكل عنصر الخير والسيّد هايد يمثّل الشرّ.
وفي رواية "الآخر" لبورخيس يجد المؤلّف نفسه جالسا على مقعد جنبا الى جنب مع شبيهه الأكبر سنّاً، ويُجري الاثنان حديثا بينهما.
وفي رواية تشارلز ديكنز "قصّة مدينتين" من عام 1859، يشبه شخصان في الرواية بعضهما البعض إلى درجة أنه لا يمكن للمراقب العادي تمييزهما عن بعضهما. وفي الرواية يُبرّأ أحدهما من شبهة ارتكاب جريمة لأن شاهد عيان لم يتمكّن من التفريق بين الاثنين أثناء المحاكمة.
وكثيرا ما يتمّ استخدام القرين كعنصر مؤامرة في الأدب والسينما. وغالبا ما يكون شخصا شرّيرا بطبيعته، وأحيانا يوظّف للتأثير الكوميدي أيضا. وأحد أشهر الأمثلة على الشبيه هو قصّة قصيرة كتبها إدغار آلان بو، حيث يلتقي البطل الرئيسي بشخصيّته عندما كان طفلاً. ثم يقوم الشبيه بافتعال مشاكل تتسبّب في تدمير حياة الشخصية الحقيقية. وعندما يحاول البطل القيام بأشياء شرّيرة أو غير أخلاقية يحاول الشبيه إيقافه. وتحت تأثير الغضب، يقتل بطل الرواية شبيهه، لكنه يدرك فيما بعد أنه كان انعكاسا لذاته.
وفي رواية "المزدوج" لخوسيه ساراماغو، يستأجر معلّم مضطهَد فيلما، وعندما يشاهد الفيلم في بيته يكتشف أن أحد الممثّلين فيه يشبهه تماما. ومن سير الاحداث يتّضح أن القصّة مظلمة كثيرا وفريدة من نوعها بين قصص الشبيه. إذ يلتقي البطل بشبيهه وجها لوجه، فيكتشف أنه نسخة طبق الأصل منه في كلّ شيء، بدءا من لون العينين وحتى الشامات وتاريخ الميلاد. وتنتهي الرواية نهاية مفجعة ودامية.
ومثل هذه الروايات التي تستكشف ازدواجية الطبيعة البشرية تنشغل عادة بقضايا مثل الكبت والشعور بالذنب والخصوصية والهويّة، وكلّ هذا جزء من الحالة الإنسانية العامّة.
تدور أحداث رواية "سجين زندا" لأنطوني هوب في عام 1894 في بلد خيالي يُدعى روريتانيا، حيث يُخدّر وريث العرش قبل تتويجه مباشرة، ما يترتّب عليه أن تُترك المملكة في يد أخيه المخادع. وفي اللحظة الأخيرة لإحباط المؤامرة، نرى البطل يتظاهر بأنه الملك، نظرا للتشابه الغريب بينهما.
وفي رواية "اليأس"، لفلاديمير نابوكوف، يختار الكاتب أن يلتقي بطل روايته هيرمان كارلوفيتش، وهو صاحب مصنع شوكولاتة، بقرينه أو شبيهه بالقرب من كومة قمامة في مدينة براغ، موطن كافكا. لكن، وكما هو الحال مع روايات نابوكوف، لا يبدو الراوي شخصا جديرا بالثقة، ما يضفي طبقات من التعقيد الإضافي على لغز الثنائي.

Credits
fwls.org