:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


الاثنين، مايو 26، 2025

خواطر في الأدب والفن


  • هل كان لأفكار فريدريش نيتشه أثر في صعود هتلر والحزب النازي الى السلطة وما جرّه ذلك من كوارث ومآسي على ألمانيا والعالم؟ يجيب الكاتب ريتشارد غِيب على هذا السؤال بقوله: من الخطأ إلقاء اللوم على نيتشه أو هيغل بسبب خطايا ألمانيا في القرن العشرين، لأن في هذا تبسيطا مُخِلاّ لما حدث. فكلا الرجلين كانا من أهل الأدب، وكانا يتجنّبان العنف والقسوة المطلقين. وإذا فُهمتَ أفكارهما في سياقها التاريخي الصحيح، فستدرك أنهما كانا يسعيان إلى تحقيق ما اعتبراه خيراً أعظم. "السوبرمان أو الإنسان الخارق"النيتشوي ومفهوم هيغل عن وحدة الفكرة المطلقة كلاهما حجّة لبشرية متطوّرة ومستنيرة.
    لكن المشكلة تكمن في أن أفكار هذين الفيلسوفين المحنّكين قُرئت وفسّرت من قِبَل أشخاص رأوا فيها ما هو مهمّ لهم. ففي سياقها الإنساني، غالبا ما تُشوّه الأفكار وتُستخدم لأغراض أنانية. وهذه مشكلةٌ رئيسيةٌ للمثقّفين، فهم يفتقرون إلى الحسّ السليم عن العالم الخارجي، وأفكارهم تصبح هشّةٌ للغاية في سياق المال والحرب والسلطة. وعند انتزاع الفكر ومحاولة تطبيقه في عالم البشرية المعيب، فغالبا ما تُقتل روح الشيء، ما يؤدّي إلى نتائج كارثية.
    إن قراءة نيتشه، بحسب غِيب، تعني الوقوع تحت تأثيره. كتاباته، الزاخرة بالصور الملحمية والقوّة العاطفية، تشكّل خطرا، لأن فيها تمجيدا للبطولة والعفوية اللتين تستدعيان شيئا عميقا في قلب الإنسان البدائي، ألا وهو الحيوان. فهل يُدهشنا أن كثيرا ممّا كتبه قد لامسَ أسوأ ما في النفس البشرية؟!
    نادى نيتشه بالسوبرمان. فاستجاب موسوليني وهتلر للنداء. ولا يهمّ إن كان نيتشه يحتقرهما على الأرجح، باعتبارهما منحرفَين عن عقيدته، وكان سيعارضهما بشدّة. ولا يهمّ حتى لو لم يكتب نيتشه قطّ، فعلى الأرجح سيصل هذان الشخصان الى السلطة على أيّ حال وبالكيفية التي وصلا بها. وقد وجدا في كلامه فائدة لهما، وهو ربّما لم يكن يقصد ذلك.
    لكن نيتشه قد يكون أخطأ في تمجيده للقوى الفردانية المتطرّفة وتأكيد الذات. ففي عالم البشرية الحقيقي المليء بالأرواح الكئيبة ذات الأهواء الحيوانية الكامنة تحت ستار التحضّر، توجد قوى خطيرة قد تؤدّي، إن لم يُكبح جماحها، إلى كارثة.
    إن المبادئ الإنسانية الخيّرة مثل محبّة الجار والتواضع هي تحديدا ما يقيّد الجانب المظلم من الإنسان. ما الذي تُشعله غريزة القوّة في قلب الإنسان؟ الأفضل أم الأسوأ؟ ولأيّ غاية ينبغي أن توجَّه القوّة في نهاية المطاف؟ لا يجيب نيتشه مباشرة على هذه الأسئلة، مع أنه يمكن للمرء أن يفترض ويستدلّ.
    كان الرجل مولعا بالكتب والجامعات، ونشأ محاطا بحبّ أنثوي شغوف في أسرة مسيحية متديّنة. مهنيّا، عمل أستاذا جامعيا، ثم كاتبا منعزلا، ولم تكن له عائلة ولا علاقة حبّ تليق باسمه. كما أنه لم يخدم كجنديّ قط، ولم يقتل أحدا في حياته، ولم يرَ أحدا يموت موتا عنيفا. ولو كان الأمر مختلفا، لكان أكثر حذرا في تمجيد فضائل الأقوياء والمتسلّطين.
    قراءة نيتشه غالبا ما تسحرنا، فنثره يتمتّع بجمال وقوّة لا علاقة لهما بمنطق فلسفته، فهو صاخب بروح الشعر. وكفيلسوف، ربّما أجاد الكتابة أكثر مما أفاد نفسه، فالمرء يُفتن بشغفه وعاطفته أكثر من استدلاله. ونيتشه يشبه هوميروس روحيّا، إذ يُشيد الأخير بأوديسيوس على الرغم من قتله أشخاصاً أبرياء. ومع ذلك، ومهما كان السبب أو الحاجة، فإن قتل إنسان يُعدّ دائما أمرا خطيرا ومأساويّا لمن يمتلكون حسّا أخلاقيّا وضميرا حيّاً.
    جون ميلتون كتبَ أن السيطرة الواقعية والفعّالة على الشرّ والفوضى تعتمد بشكل كبير على "القوانين غير المكتوبة للتربية الفاضلة والتنشئة الدينية والمدنية". وعندما ينفصل مجتمع عن ماضيه سعيا وراء مجد متوهّم، فإنه يكون على وشك السقوط في الهاوية. وكما أظهرت الثورتان الفرنسية والروسية والدكتاتورية النازيّة والعديد من حالات العنف السياسي الأخرى في المائتي عام الماضية، فإن حلم حرق كلّ شيء لبناء "مجتمع جديد" أو "إنسانية جديدة" من وسط الرماد قد ثبت أنه كابوس.
    ويختم غِيب كلامه بالقول: سأحبّ الإنسان كما أجده، قاسيا كان أم ليّنا، خيّرا أم شرّيرا، وليس شيئا يمكن "التغلّب عليه". وعلى عكس نيتشه، رأيتُ أشخاصا يموتون موتاً عنيفا من شدّة الألم، وأحيانا التقيتُ بمن قتلوهم. ولهذا السبب، لا يسعني إلا أن أشعر بالاشمئزاز والازدراء عندما أقرأ نيتشه. كلّنا مخلوقات ناقصة وضعيفة، بمن فيهم هو نفسه. حتى أصحاب العقول الجامحة لا يمكن أن يكونوا أحرارا، فمن عواطفهم المندفعة تتشكّل أغلالهم.
  • ❉ ❉ ❉


    ❉ ❉ ❉

  • كُتِبَ نصف التاريخ في ممرّات الجبال. وما يقع فوق هذه السروج العميقة من السلاسل الجبلية ينتمي في معظمه إلى الأساطير. وحتى الآن، لا يُعرف الكثير عن قمم الجبال، لأن البشر لا يسكنونها. كانت مرتفعات التضحية القديمة قمم تلال، لا قمم جبال. وكان البشر يرضون بالسفر عبر الوديان ويتجنّبون عبور الممرّات الوعرة إلا عند الضرورة.
    لذا بدت المنحدرات العالية مسكنا مناسبا للآلهة القديمة، للعمالقة والأقزام، لمخلوقات التنّين التي تشبه أنفاسها الانهيارات الجليدية، للأشباح التي كان صوتها صدى، لاحتفالات الشيطان، وأحيانا - وكما يقتضي قانون الأسطورة -، لمدن ساحرة، خفيّة وجميلة.
    كان القرغيز كلّما مرّوا بجبل يقال له "مُستغاثا"، يتوقّفون للدعاء، إذ يقال أن سبعين قدّيسا يسكنونه. ويُحكى أن رجلا ولِيّاً تسلّق ذلك الجبل يوما، فوجد على سفحه حديقة من أشجار البرقوق يسير عليها شيوخ بِلحى وملابس بيضاء. قطف الرجل ثمرة وأكلها. وأخبره أحد ذوي اللحى البيضاء أنه كان خيرا له أن يفعل ذلك، فلو احتقر الثمرة كما فعلوا لكان مصيره البقاء معلّقاً مثلهم في ذلك المكان، يمشون في الحديقة ذهابا وإيابا حتى ينقضي الزمان.
    ثم اندفع إلى الحديقة فارس على حصان أبيض وأمسك بالرجل المقدّس وركض به إلى أسفل الجبل، تاركا إيّاه في الوادي مذهولا مشوّشا لا يتذكّر إلا ما رآه. وتُروى قصّة أخرى عن أربعين فارسا عملاقا اندفعوا إلى أسفل الجبل وهزموا جيشا صينيّا.
    وعلى قمّة هذا الجبل، الذي لم يستطع تسلّقه لا الرجل المقدّس ولا ذوو الملابس البيضاء ولا أيّ من الرحّالة والمغامرين الذين أتوا فيما بعد، تقع مدينة قديمة بُنيت في عصر ذهبي كان فيه الجميع يعيشون في سعادة وسلام. ولم يتواصل سكّان تلك المدينة مع الأمم المجاورة، لذا لم يجرّبوا أيّا من مصائب الحياة ومتاعبها. بساتينهم كانت تثمر طوال العام وأزهارهم لا تذبل أبدا ونساؤهم لا يشِخنَ، والبرد والظلام والموت كلّها مجهولة لهم. وهكذا أصبحت أسوار "مستغاثا" أحد معاقل عالم الشباب الأبدي.
  • ❉ ❉ ❉

  • الأفكار الجيّدة هي أكثر من الكلمات وأكثر من اللغة. وأحيانا قد تغنيك قراءة اقتباس مختصر عن قراءة العديد من الصفحات. هنا مجموعة من العبارات والأقوال التي قرأتها في أوقات مختلفة، ربّما في مجلّة أو كتاب أو مقالة أو ما إلى ذلك. وبعضها يستحقّ التفكير والتأمّل.

    ◦ ليس علينا دائما أن نبحث عن شيء نفعله. أحيانا يكون عدم القيام بشيء مفيدا جدّا. الانشغال الدائم هو أحيانا وسيلة للهروب من شيء آخر، من أنفسنا أحيانا، وأحيانا أخرى للهروب من فعل أشياء مهمّة تتطلّب التركيز أو القدرة على التغلّب على الخوف.
    وقد يكون عدم القيام بشيء مطلقا نقطة انطلاق رائعة، لأنه يمنعنا من القيام بأمور تافهة أو من إضاعة وقتنا في مساعٍ يعتبرها بعض الناس عقيمة، كالقراءة والتفكير والتحدّث على الهاتف ومشاهدة كرة القدم الخ. لديك مواهب عديدة: موهبة التفكير وموهبة الحكمة وموهبة الأفكار. استغلّ هذه المواهب وتعرّف عليها. فالجلوس بهدوء يتطلّب بعض الانضباط، والعالم يريدك أن تكون مشغولا. لكن ما نحتاجه أكثر هو الجلوس بهدوء. دان بيدرسن

    ◦ سيأتي زمن يُسلَّط فيه الضوء، وعلى مدى فترات طويلة، على أمور خفيّة في هذا الكون. إن حياة واحدة، حتى لو كُرِّست بالكامل للسماء، لا تكفي لدراسة موضوعٍ بهذا الاتساع. لذا لن تتكشّف هذه المعرفة إلا عبر عصور طويلة ومتعاقبة. وسيأتي وقت يُدهَش فيه أحفادنا لأننا لم نعرف أشياء صارت بديهية بالنسبة لهم. إن الكثير من الاكتشافات مؤجَّلة لعصور قادمة، بعد أن تنمحي ذكرانا من الأرض. فالطبيعة لا تكشف أسرارها دفعة واحدة وإلى الأبد. كارل سيغان

    ◦ تعيش الصورة من خلال الرفقة، تتّسع وتنمو في عينيّ المشاهد الحسّاس وتموت بنفس الطريقة. لذا، من الخطر نشرها في العالم. كم من اللوحات شوّهتها عيون عديمي الإحساس والعاجزين. مارك روثكو

    ◦ إن الفضاء المقدّس ضرورة مطلقة لأيّ شخص اليوم. فلا بدّ أن يكون لك غرفة، أو ساعة معيّنة من اليوم، حيث لا تعرف ما الذي نشرته الصحف في ذلك الصباح، ولا تفكّر في أصدقائك، ولا تعرف ما الذي تدين به لأيّ شخص ولا ما يدين به لك. هذا هو المكان الذي يمكنك فيه ببساطة التأكّد ممّا أنت عليه وما قد تكون عليه. هذا هو مَحضن الإبداع عندك. في البداية قد تجد أنه لا يحدث شيء هناك. ولكن إذا كان لديك مكان خاص أو خلوة، واستخدمتها، فستلاحظ في النهاية الفرق الذي ستُحدثه في حياتك. جوزيف كامبل

    ◦ كنت أنظر في المرآة، فأرى هذا الشخص يحدّق بي. لكنه لم يكن أنا، بل كان النسخة التي يتوقّعها الآخرون منّي؛ النسخة التي لا تخاطر ولا تحلم أحلاما كبيرة. طغى الخوف من المجهول على أيّ بصيص من شغف أو حبّ كان من الممكن أن يرشدني إلى حياة أكثر إشباعاً. بيانكا سباراسينو

  • Credits
    jcf.org
    mark-rothko.org